وسط شد وجذب، يستمر الجدل في العراق حول الإجراء الحكومي بسحب مبالغ الأمانات الضريبية لتسديد رواتب الموظفين، بين من يعتبره إجراء قانونيا مؤقتا فرضته ضرورات السيولة، ومن اعتبره مخالفة صريحة للقوانين المالية التي تحكم التعامل مع هذه الأموال.
وفي تطور جديد، تعتزم اللجنة المالية النيابية، استضافة مدير عام هيئة الضرائب غدا الاثنين، للاستفسار بشأن “استفادة” الحكومة من السيولة الموجودة في الأمانات الضريبية ومدى قانونية وشرعية هذا التصرف.
وقال رئيس اللجنة عطوان العطواني، في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “مجلس النواب سيستضيف يوم غد الاثنين مدير الهيئة العامة للضرائب للاستفسار، بعدما وصلنا أن مجلس الوزراء قرر الاستفادة من مبالغ الأمانات الضريبية كمعالجة آنية للوضع الحالي المؤقت بعدم توفر السيولة المادية”.
وأضاف العطواني “وعلى هذا الأساس استدعت اللجنة المالية، مدير الهيئة العامة للضرائب للاستيضاح عن ماهية هذه الضرائب، وأنواعها والسند القانوني لإمكانية الاستفادة منها من قبل الحكومة”.
وتابع العطواني، أن “الدولة بإمكانها أن تستفاد من هذه السيولة لدى الضرائب، لكن يجب أن نتأكد بأن لا يكون هناك مساس بحقوق المواطنين، سواء كانوا تجارا، أو مقاولين لدى الأمانات الضريبية، على اعتبار أن هذه الفئات بإمكانها تعزيز الاقتصاد العراقي، وخلق فرص عمل، ولا ينبغي زعزعة ثقتها بالإجراءات الحكومية”.
وكان النائب عن إئتلاف دولة القانون، ثائر مخيف، حذر في 3 آيار مايو الجاري، من أزمة مالية حقيقة تمر بها حكومة السوداني”، مبينا أن “هذه الأزمة تهدد بشكل حقيقي رواتب الموظفين، وكذلك تمويل بعض المشاريع المهمة التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر”، فيما أكد أن “هذه الأزمة دفعت الحكومة نحو سحب مبالغ من الأمانات الضريبية”.
وطمأن المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، الرأي العام من خلال التأكيد على أن استخدام أموال الأمانات لا يخرج عن إطار الموازنة العامة، مشددا على وجود تحوطات فنية في قانون الموازنة الثلاثية، منها اعتماد سعر متحفظ لبرميل النفط لتجنب تقلبات الأسواق.
وكان مجلس الوزراء، قد قرر في 15 نيسان أبريل الماضي، تخويل وزيرة المالية صلاحية سحب مبلغ الأمانات الضريبية التي لم يمضِ عليها خمس سنوات، لتأمين تمويل رواتب موظفي الدولة لشهر نيسان والأشهر اللاحقة.
هذه الخطوة واجهتها انتقادات حادة من مختصين قانونيين، أشاروا إلى أن الأمانات الضريبية لا تُعد من الإيرادات العامة للدولة، إلا بعد مرور خمس سنوات من تاريخ إيداعها دون المطالبة بها، وبالتالي فإن سحبها قبل هذا الموعد يُعد “تصرفا مخالفا للقانون.
وأثار هذا التخويل الجدل حول هشاشة الواقع الاقتصادي للبلاد، حيث ذكر النائب مصطفى سند، أن “هذه الأموال نفسها التي ارتبطت سابقا بقضية نور زهير”، في إشارة منه إلى الفضيحة المالية السابقة التي اشتهرت إعلاميا تحت اسم “سرقة القرن”.
فيما أكد عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، أن اللجنة المالية البرلمانية، وباقي اللجان النيابية، سوف تعمل على استضافة وزيرة المالية، والجهات المسؤولة في الحكومة، لمعرفة أسباب ودوافع سحب الحكومة العراقية أموال الأمانات الضريبية بهدف دفع الرواتب”.
في المقابل، سعى البنك المركزي العراقي إلى تهدئة المخاوف، وأكد في بيان تلقته “العالم الجديد”،أن الوضع المالي للعراق “مستقر”، مشيرًا إلى أن احتياطي مصرف الرافدين يتجاوز 8.5 تريليونات دينار، منها أكثر من 4.2 تريليونات دينار احتياطي غير مستخدم، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على استقرار الوضع المالي، رغم الضجة المثارة.
وبحسب تأكيدات صادرة عن وزيرة المالية، خلال استضافاتها السابقة في مجلس النواب، أن الحكومة لا تعاني من أي نقص في السيولة، كما أن الوضع المالي مستقر ومطمئن.
وكان صندوق النقد الدولي، توقع في منتصف الشهر الماضي، انكماش الاقتصاد العراقي بواقع 1.5% هذا العام، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4%، على خلفية تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.
ويقدّر صندوق النقد الدولي، أن العراق يحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92 دولارا للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام الجاري، فيما يجري تداول عقود خام برنت المستقبلية قرب مستوى 65 دولارا.