مدينة الفوتوشوب

يوما بعد يوم ننغمس أكثر في العالم الافتراضي، ربما هي محاولة للفرار من واقعنا خشن الملمس، الذي لا يلبي طموحات الإنسان الحديث رغم تنوع مزياته: فضائي، نووي، تكنولوجي، عولمي، انترنتي، فوتشوبي…

من قبل، فكر السالفون في حياة مثالية، مثلا (أفلاطون) وضع تصوراته عن جمهوريته التي يعتقد انها اقصى درجات السمو الانساني والحضاري، ومثله فعل الفارابي عندما كتب عن مدينته الفاضلة، وكلاهما يسند الحكم الى الفلاسفة، اي أصحاب العقل والمنطق لا القوة والبطش.

الافكار والنظريات التي نالت رصيدا وافرا من الدراسة والتحليل والنقاش على مدى التاريخ الانساني الطويل، مازالت حبيسة بين طيات الكتب، ولم ينجح الانسان في ترجمتها على ارض الواقع إلا النزر اليسير منها، فلا تغرنك المسميات الكبيرة، ديمقراطية واشتراكية وشيوعية وليبرالية… وهلم جرا.

هنا في العراق اكتسحنا على حين غرة، سيل عرمرم من المفاهيم العظيمة والنبيلة، ديمقراطية، حرية، دستور، حقوق انسان، استقلال القضاء، تعددية حزبية، تداول سلمي للسلطة…الخ، فوالله انها فقاعات لا أكثر، وإلا ما كل هذا الخراب الذي حل علينا والإبادة التي نتعرض لها كل ساعة.

أدرك تماما أنني تورطت في تفلسف متشعب لا طاقة لي على إنهائه كما يجب، لكن لا طائل من ذلك فهو ضروري للتمهيد لمقترح مثالي – افتراضي، رغبة في اصلاح ظاهرة العوق الحضاري التي تعرضت لها بلاد الرافدين بعد عقد كامل على \”الديمقراطية\”.

المقترح: حياتنا باتت مشوهة الى درجة مرعبة، لذا سوف نطلق حملة تجريبية في مدينة الموصل -المشوهة والمعاقة- لترميم كل شيء.

بما انني قد اشتريت مؤخرا سيارة ومازلت اقبل المقود سبع مرات قبل التحريك كي لا يقودني الى حفرة او مصدة إسمنتية، سأنفذ مشروع الطرق الحولية لما من شأنه انقاذ المدينة من الزحامات المرورية الخانقة، طالما انه سيبعد عنها السيارات الكبيرة، وسأوصي (الفوتوشبيين) بتعبيد الشوارع بإتقان عال (يعني مو تبليط مقاولينا ابو الستة أشهر).

قبل ذلك نمد شبكات مجاري وماء، ثم نذهب مباشرة الى ترميم قطاع الصحة، ثمة مشكلة تعترضنا، كيف لنا ان نتخلص من الرائحة الكريهة في المستشفيات والمراكز الصحية (فوتوشوبيا)!

وسيكون لقطاع التربية نصيب وافر من الترميم ومثله التعليم العالي والنقل البري والجوي والجسور وسد الموصل والآثار والسياحة، نعم السياحة فلقد ربى فندق الموصل الدولي في فؤادي علة من 20 طابقا، مضى على تخربيه وإغلاقه 10 سنوات، سوف أكلف امهر المصممين بمهمة إعادته الى الحياة، ومن يدري ربما المعمارية العالمية زها حديد.

لا تقلقوا فللكهرباء اهتمام خاص، سأمحو أعمدة الكهرباء عن وجه البسيطة وأذهب بالمولدات الأهلية وأسلاكها السرطانية الى الجحيم، لتدخل الكهرباء الى بيوتكم بلا تكلف، ولن ادعهم يطفئوا شمعة واحدة، اريد ان اجعل الموصل مدينة الانوار.

اما الخدمات البلدية، أعدكم ان يكون لها شأن كبير في مدينة الفوتوشوب، تشجير واسع النطاق وأحزمة خضراء، حاويات نفايات في كل الانحاء، وسيارات نظيفة لنقل القمامة تنشط في الليل، ولن أنسى إبادة سيارة المكنسة التي كادت تخنقني ذات صباح بسبب ما اثارته من غبار.

في هذه المدينة سوف تنفذ كل المشاريع على أتم وجه وبمدد قياسية، لا تلكؤ ولا فساد ولا تعطيل لحياة الناس.

قبل الختام ازف لكم هذه البشرى، لا نقاط تفتيش ابدا ولا سلاح، ولا مصدات كونكريتية، سنجمعها كلها لنبني بها منازل للفقراء او مشاريع اخرى، بناء على ما يقترحه المهندسون المدنيون والمعماريون…

مدينة الفوتوشوب ترحب بكم.

salihelias@yahoo.com

إقرأ أيضا