توقع متخصصون في الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية، أن يحمل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي ملفات ساخنة في زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بينها الأزمة الداخلية والحلول الممكنة لها، وقضية مكافحة الإرهاب ودعم القوات العراقية وإغلاق مخيم “الهول”، ومناقشة ما إذا كان بإمكان العراق تعويض نقص الإمدادات النفطية الروسية في أسواق أمريكا وأوروبا.
ويقول المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأزمة السياسية ستكون حاضرة بالتأكيد خلال محادثات الكاظمي مع المسؤولين الأمريكيين، ولكن بما أن الكاظمي ليس طرفا في هذه الأزمة، وأن الأطراف السياسية ترى نفسها أكبر من الحكومة ورئيسها، فإنه سيطرح الأزمة بكل تجرد، ويبدي ملاحظاته ومقترحاته للحلول أمام الإدارة الأمريكية”.
ومن المفترض أن يزور الكاظمي، الولايات المتحدة الأمريكية نهاية الشهر الحالي، للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، ولقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش الاجتماع.
ويشير البيدر، إلى أن “الشارع العراقي بات مقتنعا بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة الأساسية عن أي إخفاق يحصل في العراق، لأنها هي من أسست النظام السياسي القائم، وأعتقد أن على الكاظمي إيصال هذه الرسالة إلى المسؤولين في واشنطن ليحثهم على التدخل، لأن صبر العراقيين بدأ ينفد”.
ويوضح أن “زمن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في العراق انتهى، فالحكومة الأمريكية منشغلة الآن بالصراع الروسي- الأوكراني وبقضايا داخلية مثل السكك الحديد وفرص العمل وارتفاع أسعار النفط وغير ذلك من التفاصيل، فضلا عن وجود دول مجاورة للعراق مثل إيران وسوريا، ترفض نجاح أي مشروع أمريكي فيه، لأنها تخشى من أن يكون هذا النجاح حافزا لإسقاط أنظمتها وصناعة تجربة مماثلة للتجربة العراقية، إلا أن بإمكان واشنطن خلق بيئة معينة داخل العراق لتنفيذ مشروع تصحيحي من دون استعمال القوة”.
وكان الكاظمي قد زار واشنطن في تموز يوليو 2021، وعقد مع بايدن جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة والأخيرة، والتي انتهت بإعلان انسحاب القوات الأمريكية من العراق وإنهاء وجود القوات القتالية.
ويشهد البلد أزمة سياسية كبيرة، بدأت منذ إجراء الانتخابات في تشرين الأول أكتوبر الماضي، ما حال دون تشكيل حكومة جديدة، إذ تمسك الصدر في حينها، إلى جانب تحالفي السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، بموقفه حول تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، فيما أصر الإطار التنسيقي إلى جانب الاتحاد الوطني الكردستاني على تمرير حكومة “توافقية”، وذلك إلى جانب الخلافات والصراعات بين كتل كل طرف من هذه الأطراف، ورفض التحالف فيما بينها للخروج برؤية موحدة تسمح باستكمال تمرير رئاستي الجمهورية والوزراء.
وقد تفاقمت الأزمة بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ومن ثم توجهه للتظاهرات والاعتصامات، بالإضافة إلى دخوله بمواجهة مسلحة مع الأجهزة الأمنية في المنطقة الخضراء، بغية تحقيق مطالبه المتمثلة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
يشار إلى أن السفيرة الأمريكية لدى بغداد آلينا رومانوسكي، أعلنت الشهر الماضي، عن تأييدها لمبادرة الكاظمي، لحل الأزمة السياسية، وهذا إلى جانب تأييد المبادرة من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبشأن ملف الأمن في الزيارة المقررة، يفيد الخبير الأمني معتز محيي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “المباحثات ستشمل حتما الجانب الأمني والعسكري، نظرا إلى أن الجيش العراقي بحاجة إلى تطوير في المعدات والقدرات والتدريب”، مبينا أن “مكافحة الإرهاب من بين القضايا المهمة التي قد ترد في المباحثات، حيث أن الجهود العراقية في الحرب ضد الإرهاب تحتاج مساعدة دائمة من الولايات المتحدة على مستوى المشورة والمعلومات والتدريب والتجهيز”.
ويضيف محيي، أن “مخيم الهول في سوريا من القضايا الأمنية الأساسية التي تشغل الإدارة الأمريكية حاليا، ومن الوارد جدا أن تشمله المحادثات”، لافتا إلى “أهمية مناقشة ضرورة عدم توسيع الوجود العسكري الأمريكي داخل العراق، والاقتصار على ما تم الاتفاق والعمل عليه من مهمات تدريبية تنفذها القوات الأمريكية إلى جوار الناتو وبقية قوات التحالف الدولي”.
وكانت “العالم الجديد”، قد كشفت في تحقيق استقصائي نشرته في آب أغسطس الماضي، عن واقع مخيم الهول من الداخل، وكيف أصبح فكر تنظيم داعش حاكما على سلوك المتواجدين فيه، في أسلوب يذكر بسيطرة التنظيم على مناطق شاسعة من العراق وسوريا.
يشار إلى أن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، كان من أبرز الشخصيات الساعية لغلق مخيم الهول السوري، وقد التقى خلال الأشهر الماضية مرات عدة، السفير الأمريكي السابق في العراق لبحث هذا الملف، كما دعا خلال لقائه وفدا من البرلمان الأوروبي، في شهر أيار مايو الماضي، المجتمع الدولي إلى إلغاء مخيم الهول في سوريا وسحب الدول لرعاياها من المخيم.
وقد دخلت البلاد أول قافلة من مخيم الهول، في منتصف العام الماضي، وعلى متنها 94 عائلة عراقية، برفقة حراسة مشددة، حيث استقر بها الحال في مخيم الجدعة جنوبي نينوى، وبحسب مصادر فإن هذه القافلة هي جزء من 500 عائلة سيتم نقلها إلى العراق، بناء على اتفاق مع إدارة مخيم الهول.
وفي الجانب الاقتصادي من الزيارة المقررة، يشير الخبير في شؤون الطاقة حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “من الممكن أن تطلب واشنطن من الكاظمي إذا زارها، رفع الإنتاج النفطي للعراق لسد نقص الإمدادات الروسية، لكن العراق غير قادر على زيادة الإنتاج إلا بقرار من منظمة أوبك”.
ويبين الجواهري أن “أمريكا لا تستطيع فرض زيادة الإنتاج على أي دولة نفطية، فقد سبق وأن حاولت مع السعودية لكنها لم تنجح، على الرغم من أن السعودية من أقوى حلفائها في المنطقة، لأن الدول المنتظمة في أوبك لا تستطيع تجاهل قرارات المنظمة وزيادة إنتاجها بمنأى عن تلك القرارات”، مضيفا أن “الأولوية لدول أوبك هو استقرار وقوة المنظمة، فهذا أهم من الحصول على مردودات محدودة مقابل بيع كميات إضافية من النفط”.
ومؤخرا، شهدت قمة جدة في السعودية بمشاركة بايدن، ودول عديدة من بينها العراق، مناقشة أمن الطاقة، بهدف توفير ما يحتاجه الغرب من النفط والغاز، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقف إمداد الغاز الروسي لأوروبا.
وكانت منظمة أوبك، قررت الشهر الماضي، زيادة إمدادات النفط لشهر تموز من سبع دول، ومن بينها العراق الذي ارتفع إنتاجه بمقدار 30 ألف برميل يوميا ليصل إلى 4,496 ملايين برميل يوميا.
ووفق منظمة أوبك، فإن إنتاج العراق النفطي ارتفع بمقدار 447 ألف برميل يوميا عن نفس الفترة من عام 2021.