الى الان لم تقرر بغداد بعد موعداً رسمياً لزيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الى انقرة وانهاء نحو عامين من \”القطيعة السياسية\” واذابة التوتر بين العاصمتين. لكن زحاماً دبلوماسياً فُعِّلَ بـ\”قوة\” بين اربيل وانقرة، فيما ترقب بغداد نتائج ربيع العلاقات الدافئة بين الاقليم وحكومة رجب طيب اردوغان.
انقرة دخلت بقوة على خط اعادة احياء الخلافات، وساح وزير خارجيتها احمد داوود اوغلو سياسياً في بغداد بين الزعماء، فيما كانت النجف وجهته الاثيرة ولقاء المرجع الاعلى السيستاني الذي لا يرحب بلقاء اي مسؤول عراقي بما فيهم رئيس الوزراء، ومع الانفتاح العراقي غير المشروط بدت تركيا منذ اللحظات الاولى تحصد مكاسب، بينما لم تستطع بغداد زحزحة اي موقف تركي من مكانه الاول.
بغداد لم تحذر انقرة من التدخل مباشرة في الازمات العراقية المعقدة، ولم تعمل دبلوماسيتها على وضع متاريس امام التوغل التركي السياسي، فبعد ايام من زيارة داوود اوغلو، شرعت تركيا بطرح مبادرات حل، ابرزها ما يتعلق بتقاسم الثروة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
واقترحت انقرة، الجمعة الفائت، وفق ما نقلته \”رويترز\” عن وزير الطاقة التركي تانر يلدز، وضع إيرادات صادرات النفط من كردستان العراق في حساب خاص ببنك تركي مملوك للدولة ليتم توزيعها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
واعلنت وزارة التخطيط قيمة صادرات العراق النفطية عام 2012 الى 94 بليون دولار مقارنة بـ83 بليون في عام 2011.
وقال الجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة في بيان تلقته \”العالم الجديد\”، إن \”قيمة الصادرات النفطية لعام 2012 ارتفعت بنسبة 13.3 بالمائة لتصل الى 110 تريليون دينار، وهو ما يعادل 94 بليون دولار، مقارنة بعام 2011 التي سجلت فيه 97.1 تريليون دينار بما يعادل 83 بليون دولار\”.
وفي اول رد عراقي مسؤول على المقترح التركي، اعتبر المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي في حديث مع \”العالم الجديد\” ان \”المقترح غير مقبول من قبل بغداد، ولا يمكن الموافقة عليه\”.
وقال الموسوي، ان \”العراق بلد ذو سيادة ولا يمكن ان يقبل ان تقوم دولة اخرى بادارة امواله، او تكون رقيباً عليها ومقاسمتها بين العراقيين، ان مثل هذا الفعل غير مقبول ومرفوض بالمرة\”.
الوزير التركي يلدز ذكر ان انقرة ستقوم فقط بالاحتفاظ بتلك الودائع في بنك تركي تابع للدولة (…) وتوزيع الايرادات سيتولاه العراق (…) نحاول إيجاد طريقة نعتقد أنها ستزيل مخاوف الحكومة المركزية العراقية (…) حتى الآن لم تستطع حكومة كردستان والحكومة المركزية الاتفاق على النظام الذي يرغبان فيه\”.
وكشف يلدز في تصريحه، انه ناقش الاقتراح مع حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة اثناء زيارة الي كوريا الجنوبية الشهر الماضي، مشدداً على انه \”لم يتم التوصل الي صيغة نهائية\”.
الموسوي من جانبه، بيّن لـ\”العالم الجديد\”، معلقاً على ما كشفه يلدز، بان \”الشهرستاني تحدث مع الاتراك بصراحة ووضوح بشأن المقترحات التركية، وقال لهم ان ذلك من اختصاص الحكومة العراقية حصراً، ولا يجب التدخل في هذا الأمر، هذه مشكلات داخلية، سنقوم بحلها وفق اطر التفاهم\”.
التقارب الكردي التركي، تكلل امس السبت، بزيارة تاريخية لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الى مدينة ديار بكر التركية ذات الاغلبية الكردية، ولقاء رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في خطوة فسرها الكثير من المراقبين على انها اندفاع كردي \”غير محسوب\”، نحو تركيا في اطار التخلص من ضغوط بغداد والتهيئة للانفصال بايجاد حليف اقليمي قوي، فضلا عن زيادة النفوذ على المناطق الكردية السورية التي ترفض أنقرة اقامة حكم ذاتي فيها، وهو ما لمح الى رفضه بارزاني ايضاً.
أربيل تحاول أن تقمع ضغوط بغداد إزاء مشاكل البحث عن النفط واستخراجه، بتضييف الجار المزعج لحكومة الرئيس المالكي على اراضي الاقليم، فالشركات الاجنبية العاملة في كردستان بالغالب لا تقف حكومات خلفها، لكن الشركات التركية ستوفر لها انقرة غطاءً سياسياً يُصعّب على بغداد طردها او التلويح بحرمانها من حقول تحت سيطرة الحكومة المركزية.
وكشفت انقرة انها اجرت محادثات مع حكومة كردستان للتنقيب بشكل مشترك في 13 منطقة للنفط والغاز في الإقليم بمعزل عن بغداد الجمعة الفائتة.
الكرد رحبوا بالخطوة التركية، حيث أعرب النائب عن التحالف الكردستاني قاسم محمد مشختي في حديث مع \”العالم الجديد\”، عن امله ان \”تحل مشاكلنا ما بيننا، لكن اذا كنا عاجزين عن حلها، فمن الممكن ان يتدخل الاصدقاء ويساعدونا على حل الامور، لكن افضل ان تكون هناك مبادرات داخلية عراقية، لا توجد بيننا جدران تمنعنا من التواصل\”.
ورفض مشختي تهديدات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، بشان وقف عمليات شركات نفطية في اقليم كردستان، ولفت الى ان \”المشاكل بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد لا تحل بالتهديدات، واذا كانت تحل بالقوة وبأساليب الضغط، فصدام حسين كان اقوى من السيد الشهرستاني وغيره، لكن لم يستطيع\”.
ونبّه الى ان \”الافضل هو الجلوس والتحاور والتفاوض والتوصل الى حلول وتسويات (…)، واول الخطوات هو تشريع قانون النفط والغاز، لكونه يحدد ويرسم حدود الصلاحيات والمسؤوليات، وبذلك يمكن حل المشاكل\”.
وتعثر إقرار قانون النفط والغاز الذي طرحت اولى مسوداته في العام 2005، غير ان مسودات اخرى ظهرت بعد كل ازمة بشأن القانون المقترح، ولم تسفر الجهود النيابية عن اقراره حتى اللحظة.
واشار مشختي وهو عضو في لجنة النفط والطاقة النيابية الى انه \”من الناحية الدستورية المادة 112 بفقرتيها اولاً وثانياً، تلزم الحكومة الاتحادية التعاون والتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات لرسم السياسات الاستراتيجية للنفط وادارة الحقول النفطية وهذا ما لم يتم، (…) لذا لا توجد خارطة طريق لحل المشاكل. ويبدو ان لا انفراج قريب\”.
وتنص المادة 112 من الدستور العراقي الدائم والمعدل، على ان \”تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للاقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورةٍ مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون\”.
فيما تشير المادة الثانية منها بان \”تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار\”.
وبيّن مشختي ان \”لجنة نفط وطاقة رفعت القانون الى هيئة رئاسة مجلس النواب، واستحصلنا الموافقة على ادراجه بجدول الاعمال، وبدأنا بقراءة 26 مادة منه، لكن فجأة نواب التحالف الوطني اعترضوا عليه، وعُرقل المضي بقراءة القانون\”.
ونوه الى ان \”البنود التي اعترض عليها نواب التحالف الوطني، كانت بشأن تشكيل المجلس الاعلى للنفط والغاز بان يكون مستقلاً، لكنهم ارادوه تابعاً الى الحكومة بشكل مباشر\”، مضيفا \”الكرد ارادوا ان يكون هناك دور للمحافظات والاقاليم المنتجة، فضلا عن وجود بعض الاعتراضات الثانوية الاخرى\”.
ومع دخول اللاعب التركي على خط ازمة بغداد – اربيل النفطية، يبدو ان علائم ازمات ستفتح بين العواصم. إذ ان اجتماعات موسعة بحسب تقرير لصحيفة حريت ديلي نيوز التركية ترجمته \”العالم الجديد\” في 12 تشرين الثاني الحالي، ستعقد (الاجتماعات) في أنقرة في السادس والسابع من كانون الأول المقبل بين مسؤولين عراقيين واتراك، مبينة ان \”العقبة الرئيسة أمام تطبيع العلاقات الكاملة بين البلدين تتمثل في جهود تركيا الواسعة لتوقيع اتفاقيات مع حكومة إقليم كردستان في مجال الطاقة\”.
وشددت الصحيفة على ان \”العراق لا يزال يعبر عن عدم ارتياحه في ما يتعلق بصفقات تركيا من جانب واحد، لكنه لم يعبر عن ذلك بصوت عال في زيارة وزير الخارجية داود أوغلو إلى بغداد\”.
وبهذا الشأن لفت مستشار المالكي الاعلامي، علي الموسوي، الى ان \”بغداد توصلت الى صيغة تفاهم مع انقرة فيما يخص مواقفها من شؤون العراق الداخلية، وان تلك الصيغة ستأخذ مداها مستقبلا\”.
وحول الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء نوري المالكي الى انقرة تلبية لدعوة نظيره التركي، نوه الموسوي في حديثه لـ\”العالم الجديد\”، الى ان \”موعد الزيارة لم يحدد بعد\”.
وبشأن ما اذا كان رئيس الدبلوماسية العراقية هوشيار زيباري ينوي زيارة العاصمة التركية لترتيب الزيارة، أشار الى أن \”ذلك غير مطروح حالياً\”.