مسلمون من الدرجة الثانية

قبل سنوات تحدث اكثر من داعية سلفي من جيل الصحوة أو ما يسمى بالسلفية الجديدة عن التحديات التي يسببها شكل التعامل الحاد مع مبحث الولاء والبراء داخل المذهب السلفي، هذا المبحث الهجومي عند المذهب السلفي يسبب عزلة للمملكة السعودية على المستوى العالمي وليس الاسلامي فقط، حتى وصل الامر الى مطالبات دولية بعدم تدريس الآيات التي تتناول الولاء والبراء وما يتأسس عليهما من قتال في المدارس السعودية. يبدو أن الجيل الجديد من الفقهاء الفضائيين السلفيين يطرح بابا للمناورة هذه الايام، وليس ادل من ذلك ما تضمنته رسالة العريفي والقرني والبريك المرئية لعموم الشيعة يوم عاشوراء، حيث جاءت الرسالة باسلوب يتوزع بين النصح و فتح باب الجدل. ولكن ما يهم القارئ المطلع هو افتراض الثلاثة أن الشيعة مسلمون وليسوا في خانة البراء كما كانوا في العقل السلفي عبر القرنين الماضيين. في السياق ذاته اقرأ الجيل الذي يخاطب المذهب الشيعي على انه الوجه الديني الجديد للنظام السعودي بعد نفوق الوجوه القديمة ويبقى أن نفهم سر تغير الخطاب واعتبار الشيعة مسلمين هذه المرة، وهو ما اعتقده النقطة الاكثر اهمية في الرسالة.

تعيش المؤسسة الدينية السعودية مرحلة تغيير جلد، ليست الاولى، فقد كانت التجربة واضحة في مرحلة تأسيس الدولة وتحديدا في لحظة التصادم مع جيش الاخوان الوهابي بقيادة فيصل الدويش الذين اعترضوا على توقف الجهاد عند حدود الجزيرة. وكذلك على تأسيس ارامكو، وهو ما فرض تغيير القيادة الدينية بشكل تدريجي للتخلص من صلابة جماعة هجر الارطاوية آنذاك. يعيش سعوديو اليوم المرحلة ذاتها فالازمة التي ابتدأت بجهيمان العتيبي 1979 مرورا بتجربة العرب الافغان ومن ثم القاعدة فرضت تغييرا للجلد يستلزم التخفف من محاذير الولاء والبراء قليلا ومخاطبة الآخر على أنه صنو وشريك، والشيعة هنا هم الخصم الازلي المطلوب احتواؤه .

الشيعة يملكون الولاء والبراء الخاص بهم، وقد بدأ بالتشكل كخط مواجهة اولي منذ الثمانينات سياسيا واجتماعيا، وولاية علي \”ع\” هي نقطة الافتراق والالتقاء، وهذا ما يجعل الولاء والبراء الشيعي اكثر خطرا اذا دخل حيز التنفيذ العقائدي، لاستحالة قبوله من قبل المذاهب الاخرى وعلى رأسها السلفية، وكذلك لعدم قدرة الشيعة على تغيير جلدهم حتى امام مقولات الاشخاص، فما بالك بالنص القرآني والحديث الشريف. حين تم انزال لافتات عملاقة تهاجم امريكا على انها الشيطان الاكبر من واجهات بنايات طهران قامت قائمة متشددي ايران وكان جلد الجمهورية الاسلامية يراهن على قوته وصلابته.

احد اجزاء مبحث الولاء والبراء يتضمن حديثا عن المولاة الخاصة، وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سرّ الرسول في غزوة مكة، كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة، وهذا الجزء مدخل يمكن للمذهبين الدخول منه اجتهاديا لفتح صفحة جديدة، خصوصا اذا تذكرنا ان للشيعة في مبدأ التقية ما يميزهم سياسيا عبر التاريخ، ولطالما ساعدهم على ديمومة وجودهم المادي. ويمكن لذلك المبدأ ان يساعدهم اليوم في كبح جماح الابادة الجماعية التي يقبل عليها الشرق الاوسط.

النص القرآني يتفوق على الروايات التي تدعو الى الولاء والحب والبراء والبغض وما يترتب عليهم من حكم شرعي عند الفرق كلها باعتباره حجر الزاوية في صناعة الفتيا. وقوله تعالى \”عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ\” يمكن التأسيس سياسيا عليه – وهو المهم حاليا – للخروج من مأزق الخنادق المتقابلة.

يبقى أن نقرأ هوامش رسالة العريفي والقرني والبريك، وتحديدا ما يتعلق بتركيزهم على الشعائر المرتبطة بعاشوراء واختيارهم التوقيت الاعلامي الناجح والطريقة الاستعراضية التي نجحوا بها دائما، حتى غدوا مشاهير السلفيين حاليا، اراها أكثر جوانب الرسالة رداءة وهشاشة. فهم يتكلمون من برج عاج ويمنحون نبرة النصح ما يجعلها وعظا، وذلك ما لا يتناسب مع التكتيك السياسي الذي وجدوا لاجله. خطبة د. سعد البريك في صلاة الجمعة الاخيرة كانت انجح من وجهة نظري في جذب الآخر، فهي اكثر التصاقا بمفهوم قبول الآخر وفهم طبيعة الرفض الذي يتضخم كلما زادت محاولات افنائه وتقويضه.

إقرأ أيضا