في تقرير مثير، أعده وسيم نصر، ونشره أمس الاربعاء، موقع فرانس 24، عن السبب الكامن وراء لجوء بعض المسيحيين الى حمل السلاح، رغم ان النزاع بين الطرفين، النظام والجماعات المعارضة، اخذ يتجه الى صراع طائفي، فمن حراك شعبي، إلى ثورة مسلحة، إلى حرب أهلية، تعددت أوجه الأحداث في سورية كما تعددت أوصافها وتفسيراتها نسبة لمشارب وأهواء وانتماءات المهتمين بالشأن السوري أو السوريين أنفسهم. لكنه مع تعاظم دور الحركات الجهادية على أرض المعركة بدأ الصراع يأخذ منحا طائفيا بامتياز. بعض المسيحيين، وإن مرغمين، دخلوا بدورهم معترك الصراع العسكري.
كان المسيحيون ومنذ انطلاق الحراك في سورية يحاولون النأي بأنفسهم عن مجريات الأمور، كذلك فعل رجال دينهم إلى أن تحول الحراك إلى حرب أهلية وطائفية وباتوا هدفا لعدد من الفصائل الجهادية المتشددة. فهم كما باقي الأقليات الدينية السورية من دروز واسماعيليين أصبحوا يعتبرون كجماعة أو طائفة من مؤيدي النظام القائم على غرار الشيعة والعلويين. ذلك بالرغم من بروز بعض الأسماء لشخصيات مسيحية، كجورج صبرا أو ميشال كيلو، وهم في صلب المعارضة السورية في الخارج الممثلة بالائتلاف أو بالمجلس الوطني. ويعود ذلك إلى عدم تمثيل هاتين الشخصيتين كما غيرها من شخصيات المعارضة المنتمية للأقليات الأخرى علوية كانت أم كردية، لحالة شعبية فاعلة على أرض الواقع السوري.
أراد النظام السوري، ومنذ بدء الأزمة، أن يعتمد وجها تعدديا وعلمانيا حاميا للأقليات، لطمأنتها ولكسب تأييدها في المعركة التي كانت قد بدأت ترتسم معالمها الطائفية. وبقي المسيحيون خارج نطاق الصراع طالما كان بعيدا عن مناطق تواجدهم، حتى أنهم استطاعوا أن يتناغموا مع أسياد مناطقهم الجدد كما في الطبقة ويبرود مثلا.
إلا أن التطورات الأخيرة دفعت بعدد متزايد من الشباب المسيحي إلى الانخراط في العمل العسكري أكثر فأكثر وبات حمل السلاح دفاعا عن النفس وليس عن النظام. وتبقى التجربة الأكبر للمسيحيين الذين انخرطوا في العمل العسكري في وادي النصارى في ريف حمص. ويقع وادي النصارى في وسط منطقة إستراتيجية ما بين مدينة حمص، والساحل السوري والحدود اللبنانية. أصبحت بعض القرى السنية في المنطقة وعدد من المرتفعات تحت سيطرة المعارضة المسلحة منذ أكثر من سنة، ومنها قلعة الحصن التاريخية الشهيرة.
يتطرق موقع فرانس 24، في قصته حول المقاتلين المسيحيين في سورية، الى قصة مقاتل مسيحي يدعا \”حنا\”، وهو إسم مستعار لرجل في العقد الرابع من العمر، وهو أحد قادة الدفاع الوطني وهو من مسيحيي وادي النصارى، وهو فصيل يعرف باسم \”أسود الوادي\”، كان يعمل في قطاع السياحة كما الكثير من أبناء المنطقة، وواحد من المشاركين الدؤوبين في العمل الاجتماعي ونشاطات رعيّته.
انخرط حنا في العمل العسكري منذ ما يناهز السنة والنصف، في بدايات الحراك المسلح، ذلك بسبب \”أعمال القتل والنهب والسرقة والتعدي على الممتلكات\” التي شهدتها منطقته حسب ما يقول. كما أنه يؤكد على وجود \”طابور ثالث يخطف ويقتل ويقطع الطرقات في سياق أعمال إجرامية هدفها أولا وأخيرا المنفعة المادية، ما أثار الكثير من البلبلة في المنطقة. علما أن المثال الأكبر على ذلك يكمن في تصفية المدعو وليد البستاني من قبل الجيش الحر وهو لبناني كان يتحرك ومجموعته في منطقة الحصن. مجموعات أخرى دخلت على خط المجموعات المسلحة كذلك منها الفلسطيني من المخيمات في لبنان ومنها اللبناني من مدينة طرابلس، مجموعات سرعان ما وجدت حاضنة شعبية في قرى الحصن، الشويهد والزارة\”. ومع تمدد هذه المجموعات الطائفية وجد حنا نفسه \”مضطرا لحمل السلاح خصوصا مع انهماك الجيش النظامي على عدة جبهات مترامية الأطراف وعلى مساحة الوطن\”.
مهمة \”أسود الوادي\” دفاعية بحتة، فهي تقتصر على الدفاع عن 42 قرية وبلدة منها 33 قرية مسيحية، ويؤكد حنا بأنه ليس على رأس \”ميليشيا مسيحية\” بل أنه يرأس مجموعة من المقاتلين \”منهم المسيحي ومنهم العلوي ومنهم السني الذي يقاتل أهله وأقاربه في المقلب الآخر\”، كما \”أن سلاح المدفعية لديه يديره متطوعون سنة من قرية الحصن وهم من يقصفون مراكز المجموعات المسلحة في قريتهم\”.
عدد المقاتلين في صفوف مجموعة \”أسود الوادي\” لا يتعدى بضعة مئات وخبرتهم القتالية ليست كبيرة، حتى وإن تم تدريبهم من قبل الجيش السوري النظامي، \”مما لا يخول لهم القيام بعمليات هجومية\” يقول حنا أنه \”يتم التركيز اليوم على النوعية وليس على العدد، فكل مقاتل هو متطوع يتقاضى راتبا من الدولة السورية وتتم معاملته ومعاملة عائلته كأي جندي أو ضابط في القوات المسلحة\”.
أما عن الحاضنة الشعبية التي تتحلى بها مجموعته، فيقول حنا أنه في الأيام الأولى لتشكيل لجان الدفاع الشعبي كان يتنقل كما المجموعة الني كانت بإمرته \”بين عدة مناطق من الحدود اللبنانية في تل كلخ حتى مطار منغ في حلب، وفي تلك الأيام كان هنالك تردد وعدم إقبال من قبل المسيحيين، إلا أنه مع تزايد التعديات على الطائفة بات هنالك إجماع حول صوابية الخيار في حمل السلاح. وأول ما دفع إلى ذلك كان \”نزوح أهالي حي الحميدية المسيحيين من مدينة حمص إلى منطقتنا فهم جاؤوا إلينا لكي نحميهم وأخبروا الجميع هنا ما تعرضوا له من قبل المجموعات المسلحة\”. علما أن \”الاعتداءات تكررت وتعددت بعدها من خطف رجال دين مسيحيين إلى الهجوم الذي تعرضت له بلدة معلولا وإلى التعدي الذي حصل على كنائس الرقة مؤخرا\”.
يؤكد حنا أن عمله \”منظم وممنهج من قبل القيادة العسكرية\” وأنه \”لا يتصرف بطريقة مستقلة. فالدفاع الوطني في وادي النصارى قوة مؤازرة لا تحل مكان الجيش ولا مكان مؤسسات الدولة وأفرعها الأمنية التي ما زالت متواجدة في منطقته على عكس ما يروج له في بعض وسائل الإعلام\”.
ويلوم حنا كهنة ومطارنة منطقته الذين \”لم يحثوا الشباب على حمل السلاح\”. لكنه يقول أنه يتفهم ذلك \”من باب التعاليم المسيحية التي لا تشجع على العنف من حيث المبدأ\”. ثم يستطرد قائلا \”أن ذلك يترك بابا مفتوحا للحوار لأنه في نهاية الأمر سيجلس الجميع حول الطاولة لإيجاد مخرج للأزمة، فالسوري المعارض حتى وإن حمل السلاح يجب أن نتحاور معه بينما الأجنبي لن نسمح له أن يخرج من سورية إلا مقتولا\”.
ويرى حنا بأن \”أية هدنة تمت أو سيتم التوصل إليها في المنطقة ستكون هشة بسبب تعدد المجموعات وعدم انضوائها تحت قيادة موحدة. فنجد الجيش الحر في قرية الزارة القريبة من الحدود اللبنانية وجند الشام التي أسسها فلسطينيون من لبنان في الحصن وجبهة النصرة في الشويهد، وكل مجموعة لها أجندتها الخاصة ودوافعها\”. كما أن \”الكثير ممن أرادوا أن يلعبوا دور الوسيط قد اغتيلوا بينما آخرون استغلوا دورهم لجني الأموال أو لتهريب السلاح إن كان من هذا الطرف أو ذاك، فاليوم الكل يعرف أنه حتى بعض الضباط العاملين على الحدود يسهلون عمليات تهريب السلاح من لبنان إلى المعارضة سعيا وراء الأموال\”.
فقد حنا وبحسب قوله \”أكثر من 15 مقاتلا في الأشهر الأخيرة\” ويقول لنا أن \”عمليات الكر والفر يومية ومن الممكن أن تحصل في أية ساعة من النهار أو الليل\”.
الحرب المستعرة في سورية، كما جميع الحروب الأهلية التي سبقتها في منطقة الشرق الوسط أو حتى في العالم، لا تترك مكانا في السياسة إلا لمن له وزن فاعل على أرض المعركة. ففي نهاية الأمر يفرض التعامل مع من يمسك الشارع ومن له قدرة التحرك العسكري أيا كان انتماؤه، أكان إسلاميا أم مسيحيا. فها هم المسيحيون لا يديرون خدهم الأيسر ويدخلون بدورهم معترك معركة البقاء التي فرضت نفسها على السوريين أجمعين، أيا كانت انتماءاتهم أو مذاهبهم.