عاصرتا الحرب العراقية الإيرانية، وتخطتا سنوات الحصار الاقتصادي، والتغيير السياسي، بكثير من الحرمان والإهمال، لكن مشفيي “الزهراء” و”الكرامة” في محافظة واسط، لا زالتا تقدمان الخدمات الطبية، وتقاوم التحديات المالية والإدرية التي تواجهها يوميا.
مستشفى الكرامة الواقع في منطقة الأنوار بالكوت مركز واسط، تأسس كمستشفى عسكري قبل نحو 35 عاما، كما يؤكد عماد الطائي (55 عاما) من أهالي المدينة، حيث يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المستشفى مستمر بتقديم الخدمات الطبية رغم كل سلبياته وتهالكه”.
ويؤكد الطائي، أن “البرامج الحكومية التي وضعتها السلطات في واسط طيلة الأعوام الماضية، لم تتضمن إنشاء مستشفيات جديدة، بل هناك أعمال ترميم ترقيعية بين فترة وأخرى تجري للمستشفيات القديمة، وقد صرفت عليها أموالا طائلة ربما تقارب بناء مستشفى جديد”.
يشار إلى أن موقع “نومبيو” الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، أعلن في أيار مايو الماضي، تصنيفه السنوي الخاص بالرعاية الصحية في العالم، وفي قائمته التي ضمت أسوأ البلدان بالرعاية الصحية، جاءت فنزويلا بالمرتبة الأولى من خلال حصولها على 39.35 نقطة، ومن ثم تلتها بنغلاديش بـ42.3 نقطة، والعراق ثالثا بـ43.46 نقطة.
حاجة المحافظة، وبحسب المدير العام لدائرة الصحة فيها جبار الياسري، هي 8 مستشفيات بسعة 200 سرير، وكما يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، فإن ربع هذا العدد لم تحصل عليه المحافظة حتى الآن.
ويلفت الياسري، إلى أن “واسط تعد من المحافظات المتأخرة في موضوع المباني الصحية، والحاجة لإيجاد مؤسسات صحية إضافية كانت واضحة جدا خلال جائحة كورونا، حيث تحول مستشفى الكرامة آنذاك، إلى مقصد لجميع المواطنين بسبب تخصيص مستشفى الزهراء للحجر الصحي”.
وحول المستشفى التركي، المتلكئ منذ سنوات طويلة، يوضح الياسري، أن “إجراءات سحب العمل من الشركة المنفذة للمستشفى التركي تصل إلى ذروتها في كل مرة، إلا أن التفاوض الذي تقوم به الشركة مع وزارة الصحة وإعادة احتساب نسب الاندثار وباقي الإجراءات تمنع تطبيقها بحق الشركة”، مرجحا أن “يتم إنهاء العمل بشكل فعلي عام 2026، وبذلك تكون فترة إنجازه 15 عاما، بدلا من 3 أعوام، كما جرى الاتفاق عند توقيع العقد”.
يشار إلى أن الواقع الصحي في العراق يعاني من مشاكل عدة، بدايةً من تقادم المستشفيات وعدم تأهيلها، إلى الإهمال في الجوانب الخدمية والسلامة وعدم توفر الأدوية، إذ كانت آخر فاجعة صحية في العراق، هي الحريق الذي اندلع في مستشفى الحسين بالناصرية مركز محافظة ذي قار، بسبب انفجار قنينة أوكسجين، ما أدى إلى مقتل نحو 100 مريض بفيروس كورونا، وذلك عقب حريق آخر اندلع في مستشفى ابن الخطيب الخاص بمرضى كورونا في العاصمة بغداد، وأودى أيضا بحياة قرابة 100 شخص، وذلك في العام 2021.
يذكر أن أحد الأطباء الأخصائيين في العاصمة بغداد، قارن في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، بين النظام الصحي في العراق التي لم تتم متابعتها منذ العام 1962 بنظيره في بريطانيا والذي يحظى بالمتابعة كل عامين، مبينا أن مستشفى القادسية في مدينة الصدر الذي يغطي حوالي أكثر من مليوني نسمة يضم خمسة أطباء اختصاص باطنية فقط، في حين كان يضم 13 طبيبا أخصائيا في 1989.
ويحمل حمزة الزركاني (49 عاما)، بيده ملفا طبيا يعود لزوجته، التي تم تشخيص إصابتها بمرض السرطان قبل 9 أشهر، ويسرد معاناته لـ”العالم الجديد”، بالقول، إن “صالات العمليات الموجودة في المؤسسات الحكومية، أصبحت تشكل عامل خطر صحي على المواطن، الذي يعاني أساسا من مشاكل صحية عديدة”.
ويردف “أجبرت على إجراء عملية استئصال الورم السرطاني لزوجتي في مستشفى أهلي بتكلفة وصلت إلى 7 ملايين دينار (نحو 4500 دولار) ناهيك عن تكلفة المراجعات والفحوصات قبل وبعد العملية”، مبينا “أرى يوميا الهيكل الكونكريتي لمبنى المستشفى التركي، الذي وضع حجر الأساس له عام 2011، إلا أن العمل توقف به عام 2014، ولم ير النور إلى الآن، على الرغم من القرارات الحكومية بشأن استئناف العمل بهذا المستشفى”.
وخلال العام الحالي، أعلنت الحكومة عن توجهها إلى تطوير النظام الصحي في البلد، وقد زار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مستشفى الكاظمية في بغداد، ووبخ الأطباء والإداريين فيه، كما افتتح المستشفى التركي في البصرة بشكل جزئي، دون توفير حلول حقيقية لمشاكل كثيرة، أبرزها غياب أجهزة الفحص المهمة وانعدام العلاج وشرائه من قبل المريض من الصيدليات القريبة من المستشفى.
من جهته، يبين المدير العام لهيئة الاستثمار في واسط، ضرغام العوادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك 4 إجازات استثمارية طرحت لإنشاء مستشفيات بمختلف السعات السريرية، اثنان منها سيكونان في واسط، واحد في قضاء الصويرة، والثاني في قضاء العزيزية”.
ويستطرد أن “المستشفى الذي افتتح خلال شهر آب الماضي كان بسعة 50 سريرا، ومجهز بـ10 صالات للعمليات، إضافة إلى صالة للإنعاش ومعالجة الحالات الطارئة”، لافتا إلى أن “المشكلة الأهم في القطاع الصحي هي سفر المواطنين إلى خارج العراق لتلقي العلاج، وصرف مبالغ طائلة من العملة الصعبة، وللحد من سفرهم تم التعاقد لاستقطاب أطباء من خارج العراق بشكل دوري، للتواجد في المستشفى وتقديم خدمات طبية بأسعار أقل مما هو سائد في تلك الدول”.
وعن المستشفيات الاستثمارية، يؤكد العوادي “وصول نسب الإنجاز فيها إلى مراحل متفاوتة، وتتم متابعتها من قبل لجان مختصة شكلت في الهيئة لتشخيص المعوقات والتوصل إلى حلول تضمن عدم توقف العمل بها”.
يذكر أن العراق فقد مئات الأطباء، بسبب الظروف الأمنية أو تفشي ظاهرة الاعتداء عليهم من قبل ذوي المرضى، وخاصة الذين يتوفون نتيجة لأسباب طبيعية، ويتم تحميل الطبيب المسؤولية، وهو أمر تمنعه السلطات بشدة وتوجه القوات الأمنية باعتقال المعتدين، إلا أن الأمر لم يتوقف.
يشار إلى أن أغلب العراقيين باتوا يتجهون إلى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، وخاصة إجراء العمليات الصعبة، في دول مثل إيران وتركيا والهند، وغالبا ما تأتي نصيحة السفر من قبل الأطباء أنفسهم، في حال وجدوا الحالة المرضية، صعبة وتحتاج إلى أجهزة وعلاجات وإمكانيات كبيرة.