منذ نحو عام، والاتحاد الأوروبي تحت قيادة فرنسا وألمانيا، يبذل جهودا استثنائية لجمع روسيا وأوكرانيا على طاولة حوار مشتركة بهدف حل النزاع ووقف إطلاق النار، إلا أن هذه اللحظة باتت قريبة مع دخول العراق على خط الأزمة، في أمر يبدو غريبا للوهلة الأولى، لكن التفاصيل التي كشفتها مصادر أوروبية وعراقية رفيعة، تشير إلى زيارة مرتقبة لوفد أوكراني إلى بغداد بهذا الخصوص.
ويتحدث مصدر أوروبي، رفض الكشف عن هويته لـ”العالم الجديد”، عن “زيارة مرتقبة لوفد أمني أوكراني رفيع المستوى إلى العاصمة بغداد بهدف إجراء مشاورات مباشرة مع جهاز المخابرات العراقي، تحضيرا لمفاوضات مباشرة مع المسؤولين الروس”.
ويوضح المصدر، أن “الزيارة تأتي استكمالا لزيارة سابقة قام بها مسؤول أوكراني مقرب من الرئيس زيلينسكي في نهاية آذار مارس الماضي، أجرى خلالها محادثات سرية للغاية مع كبار المسؤولين العراقيين، أبرزهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، حيث ساعدت في تمهيد الطريق لزيارة الوفد الأمني الأوكراني”، مشيرا إلى أن “زيارات المسؤولين الأوكرانيين تتم بعلم مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا مع غياب واضح للدور الفرنسي والألماني”.
المصدر الأوروبي الذي كان يتواجد في العاصمة كييف، الأسبوع الماضي، للقاء مسؤول استخباري كبير، نقل عن الأخير قوله، إن “قادة أوكرانيين يتجهون سراً إلى بغداد، تمهيدا للتفاوض مع الروس”، مؤكدا أن “هذا التحرك جاء بضوء أخضر من ثلاثة أطراف مؤثرة في الحرب، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والصين، فضلا عن ترحيب إقليمي من قبل إيران والسعودية وقطر والأردن، بالإضافة لموافقة روسيا التي تعتبر العراق منطقة حياد لجميع الأطراف المتخاصمة بعد رفضها هي وأوكرانيا إجراء مفاوضات في قطر وعمان، بعد اقتراحهما من قبل إسرائيل وفرنسا وألمانيا”.
وتشهد العلاقات بين بغداد وموسكو، تطورا ملحوظا، فقد نقلت وكالة “رويترز” أمس الأربعاء، عن مسؤول روسي قوله، إن بلاده أرسلت خبراء عسكريين إلى مركز التنسيق الأمني المشترك في بغداد للتنسيق بين الضربات الجوية وعمل القوات البرية في سوريا.
يذكر أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أكد، في وقت سابق أمس، أن العاصمة العراقية بغداد ستكون مركز تنسيق العمليات الروسية في سوريا.
وتم الإعلان في 26 أيلول سبتمبر 2015، عن اتفاق بين العراق وروسيا وسوريا وإيران لإنشاء مركز معلوماتي في بغداد يضم ممثلي هيئات أركان جيوش الدول الأربع.
وكان وفد روسي برئاسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد زار العراق في شباط فبراير الماضي، واجتمع بوزير الخارجية والقيادات العراقية، لبحث العلاقات الاستراتيجية في مختلف القطاعات.
تفاؤل أوكراني
المصدر الأوروبي، يلفت إلى أن “القادة الأوكرانيين متفائلون بشأن التحركات التي تجري في بغداد، والتي قد تمهد الطريق للقاء مباشر بين الرئيسين الروسي والأوكراني وإيجاد حل يرضي كلا الطرفين، ويضع حداً للحرب”، منوها إلى أن “لدى أوكرانيا علاقات قوية مع العراق، وأن هناك اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مهمة أبرمتها أوكرانيا بعد العام 2003، حيث كانت قد شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا في عملية الإطاحة بالنظام السابق، فضلا عن كونها جزءا من التحالف الدولي لمحاربة داعش منذ العام 2014”.
في الأثناء، تلقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم الإثنين الماضي، اتصالا هاتفيا من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، أشاد فيه الأخير بدور العراق المحوري، وأبدى حرصه على تطوير العلاقات بين البلدين، فيما أكد السوداني خلال الاتصال، بحسب مكتبه الإعلامي، على أهمية الوصول لحل سلمي في أوكرانيا، واتخاذ الحوار سبيلاً لإنهاء هذه الأزمة.
إلى ذلك، كشفت الوكالة الرسمية الأوكرانية للأنباء (يروانسكا برفادا)، الإثنين الماضي، عن “نوايا لعقد مباحثات ووساطة عبر بغداد مع موسكو للتوصل إلى حل يرضي الطرفين وينهي الحرب الدائرة حاليا في أوروبا. وذلك في معرض بيانها أسباب المكالمة الهاتفية التي جرت بين زيلنسكي والسوداني.
وفي سياق الجهود المبذولة في هذا الإطار، التقى مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، القائم بالأعمال الأوكراني في بغداد، ألكساندر بورافيغنكوف، واستعرضا مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية، وتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أكد الأعرجي بحسب بيان لمكتبه أمس الأربعاء، على أهمية اللجوء إلى منطق الحوار في حل الأزمات والمشكلات الدولية.
وعلى الرغم من العلاقات الجيدة مع روسيا، إلا أن أوكرانيا تنظر إلى العراق، كبلد حليف، خصوصا بعد اصطفاف الأخير في شباط فبراير الماضي، إلى جانب 141 دولة، في التصويت داخل الأمم المتحدة على مشروع قرار يدعو لسحب القوات الروسية من أوكرانيا بشكل فوري، والذي امتنعت عن التصويت عليه إيران، فيما صوتت سوريا بالضد من المشروع.
قوات عراقية لحفظ السلام
ويستطرد المصدر الأوروبي، بالقول إن “القضايا التي ستعرض على طاولة المفاوضات في بغداد بين طرفي النزاع، تشمل وقف إطلاق النار، والسماح لقوات عسكرية أجنبية محايدة بينها صينية وعربية بدخول مناطق الصراع لفترة محددة حتى الإعلان عن اتفاق نهائي لوقف الحرب وحل المشاكل بين موسكو وكييف”.
ويبين، أن “من بين تلك القوات المقترحة، هي قوات النخبة أو ما تعرف بجهاز مكافحة الارهاب”.
يذكر أن جهاز مكافحة الإرهاب، يحظى بسمعة دولية كبيرة بعد مشاركته الفاعلة في حرب تحرير المدن العراقية من تنظيم داعش، فيما تلقى العديد من الإشادات وتقلد قادته عددا من الأوسمة، كان آخرها نهاية العام الماضي، حين قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتقليد رئيس الجهاز، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، وسام الجمهورية الفرنسية، تثمينا للدور الكبير الذي لعبه في دحر تنظيم داعش والدور المميز له في تطوير الجهود والعلاقات العسكرية بين البلدين.
مقترح إدخال القوات العربية والصينية يحظى بموافقة روسيا وأوكرانيا، لكن الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا وألمانيا، يرفض ذلك بشكل قاطع، بحسب المصدر، كون ذلك قد يهدد السيادة الأوروبية، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للتأكيد في خطابه أمس الأول الثلاثاء، في لاهاي، على مفهوم “السيادة الأوروبية”، وذلك بعد زيارة للصين استغرقت ثلاثة أيام، دعا خلالها نظيره الصيني، شي جين بينغ، إلى المساعدة بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا ورغبة أوروبا في عدم الاعتماد على الأمريكيين والدولار.
وبحسب المصدر الذي ينقل شهادة عن المسؤول الأوكراني، فإن “ماكرون يحاول أن يظهر إعلاميا بأنه قادر على وقف الحرب، لكن الجانب الروسي يصر على رفض أي مبادرة من دول الاتحاد الأوروبي”، على حد قول المسؤول الأوكراني للمصدر، والذي لفت إلى أن “ماكرون في كل لقاءاته مع الرئيس الأوكراني يحمل الإدارة الأمريكية والبريطانية مسؤولية تفاقم الخسائر الأوكرانية في الحرب”.
الفريق العراقي
إلى ذلك، يقول مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الفريق العراقي الذي يقوم بالتنسيق بين موسكو وكييف، يتكون من أربعة مسؤولين وممثلين لأجهزة أمنية، وهم قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي، وفالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، وضابط كبير في المخابرات العراقية، وموظف رفيع في وزارة الخارجية”.
وينوه المصدر، إلى أن “الاتفاق الأمني العراقي الفرنسي الذي أبرم خلال زيارة السوداني لباريس في 27 كانون الثاني يناير الماضي، كان بمثابة خطوة متقدمة لباريس كي تكون حاضرة في أية تفاهمات أوكرانية روسية في العراق، لأن الاتفاق قد يلزم العراق بمشاركة الفرنسيين حول تطورات الملف الأوكراني”.
وكان السوداني، قد زار كلا من فرنسا وألمانيا، ووقع عقوداً تشمل مجالات مختلفة من بينها الطاقة والنفط والغاز.
ويكمل المصدر قائلا، إن “رئيس الوزراء العراقي، أبلغ الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه تلقيه دعوة من أسماهم بالوسطاء لتقديم المساعدة في عقد مفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني”.
ولم يتعرف المصدر لهوية أولئك الوسطاء أو لأي بلد ينتمون، لكن وكالة إيرنا الإيرانية، نقلت عن وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان، قوله خلال اتصال هاتفي مع نظيره السويسري إغناسيو كاسيس، استعداد بلاده لتقديم المساعدة بتسريع حل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، فيما نقلت صحيفة اعتماد الإيرانية، معلومات حول قيام السلطات الإيرانية للعب دور الوسيط بين كييف وموسكو عن طريق حلفائها في المنطقة.
ويؤكد المصدر العراقي، أن “عقد أية مشاورات بين طرفي النزاع داخل العاصمة بغداد سيجري بالتنسيق مع الدول الثلاثة، تركيا وإيران والسعودية، كون الأطراف العراقية منقسمة بشأن المفاوضات، ففيما يظهر قادة الإطار التنسيقي اهتماما على أعلى المستويات، يبدي قادة الكتل الأخرى لا مبالاة واضحة بهذا الشأن”.
ويتردد اسم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، كثيرا في سياق هذه الأدوار البارزة التي يلعبها العراق، بحسب المصدر، حيث يتواجد الآن في باريس بزيارة رسمية، قادما من لقاء الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، وقبل ذلك بأيام، كان قد التقى السفير الروسي في العراق إيلبروس كوتراشيف، قبل ذلك بأيام.
ويشرح المصدر علاقة زيدان بهذه الملفات الخارجة عن تخصصه، بالقول إنه “الوجه الأبرز للنظام السياسي في العراق بعد رئيس الوزراء، خصوصا في الموارد التي يجد الأخير نفسه في حرج خلال تنفيذها”، لافتا إلى أن “لقاء بشار الأسد جاء في هذا الإطار”.