يشعر مصريون يعيشون منذ عقود في العاصمة بغداد، بالتوجس والخيفة، منذ نحو أسبوعين غداة مقتل رجل دين شيعي مصري بمنطقة الجيزة بالقرب من القاهرة على أيدي سلفيين متشددين، ما وضع المصريين في دائرة الخوف من استهداف جماعات مجهولة أو مواجهة أعمال انتقامية.
وآخر تلك الاستهدافات لمصريين يعيشون في العراق، كانت في 24 حزيران المنصرم، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن أن \”مصريا قتل بهجوم مسلح نفذه مجهولون بمنطقة الوشاش (غربي بغداد)\”، بالتزامن مع تظاهرات محدودة في بغداد والبصرة ومحافظات أخرى استنكرت مقتل حسن شحاتة، رجل الدين الشيعي المصري.
ولم تعلق السلطات العراقية الأمنية على الحادث، غير أنها عدته \”استهدافاً غير مسؤول\”، فيما تعهدت وزارة الخارجية في بيان تلقت \”العالم الجديد\”، نسخة منه في 30 حزيران المنصرم، انه \”في ضوء العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين، فإن حكومة (العراق) ملتزمة بتوفير الرعاية والحماية الكاملة للرعايا والمصالح المصرية في العراق\”، على خلفية اتصال وزير الخارجية المصري السابق في حكومة هشام قنديل المخلوعة محمد عمرو بنظيره هوشيار زيباري.
وكان أربعة مصريين شيعة قد قتلوا وأصيب خمسة آخرون إثر قيام أهالي قرية بمحافظة الجيزة المجاورة للقاهرة، بمهاجمتهم بسبب انتمائهم المذهبي، في حادث قد يكون الأعنف على صعيد الصدامات مع أتباع هذه الأقلية في مصر، وكان من بين القتلى القيادي المعروف في الطائفة، حسن شحاتة.
ويقول شعبان محمد الراضي (46 عاما)، وهو مصري يعمل خبازاً في منطقة وسط بغداد، ويقيم في العراق منذ العام 1983 لـ\”العالم الجديد\”، أمس \”شعرت بالخوف، فربما أقتل بسبب تصرفات أناس مرفوضين من قبل المجتمع المصري، فأنا أعيش مع الشيعة في العراق، هم أناس طيبون، ولم يتعرضوا لي يوما، لكن هناك ناس (وحشين) هناك وهنا أيضا، ليس لديهم عقل أو انسانية\”، معتبرا أن \”قتل انسان مسلم أمر مرفوض\”.
وعد استهداف المصريين في العراق \”غير مبرر\”، مبينا بلهجته المصرية \”ماعملناش حاجة عشان يقتولنا، جايين نعيش مالناش دعوة بالسياسة ولا بالمذهبية\”، معربا عن خوفه من استهدافه على \”أساس انتقامي\”.
وبينما ينهمك في تلبية طلبات زبائنه، أعرب عن سعادته بسقوط الاخوان بمصر، قائلا \”دول ناس عمرهم ما كانوا يفكروا بالشعب، خربوا البلد والسياحة، اللي عمله السيسي كان مفروض يتعمل من زمان\”.
بينما يجد نعيم العطوي ان \”قتل المصريين في العراق أمر غريب، ولم يسبق أن حدث، حتى في فترة ما بعد سقوط بغداد\”، مضيفا \”أعيش هنا منذ 30 عاما، في اكثر المناطق شعبية ببغداد، وغالبا ما تتصف بعدم الامان، لكن لم يتعرض لي أحد، فأنا أعتبر نفسي عراقيا\”.
ويشدد العطوي (52 عاما) ويعمل كفني تصليح أجهزة التبريد، على ان \”المصريين في العراق يعتبرونه بلدهم، لذا لا يجب ان يحاسبنا احد على ما يفعله ارهابيون في مصر ضد الشيعة او الأقباط\”، مشيرا الى أن \”الاخوان المسلمين لا يمثلون المصريين، ولا نحن نعترف بهم\”.
وبشأن تغيير النظام في مصر، يصف العطوي ما حدث بأنه \”الناس ما بتخافش منهم (الأخوان)، والجيش دي حاجة عظيمة\”، متمنيا ان \”لا يقع النظام الجديد بأخطاء الأخوان\”.
أما مخاوف الحاج فتاح الناجي (50 عاما)، فتتمثل في كونه لا يمكنه العودة الى مصر لو زادت حدة الاستهدافات للمصريين في العراق، ويكشف لـ\”العالم الجديد\”، عن أنه \”جئت الى العراق بعد اغتيال السادات، هربا من الاعتقالات التي طالت جماعة الاخوان في الصعيد، كنت بعمر 21 عاما، وبعض أقاربي كانوا اخواناً، فقررت الهرب، والآن بعد كل هذه السنين تطاردني لعنة الأخوان\”، متسائلا بامتعاض \”طب أروح فين؟\”.
ويروي الناجي ويعمل في مقهى بمنطقة العرصات، أنه \”بعد اغتيال السادات، تم توجيه التهم لقرى في الصعيد بمحاباة الاخوان، لذا قرر الكثير منا الهجرة، وكان العراق يحتاج الى عمالة، فجئت الى العراق ولم أتمكن بعدها من العودة الى مصر، لذا لا يمكن أن يحاكمنا احد على ما يفعله ناس بمصر\”، مردفا \”احنا ذنبنا ايه؟\”.
واختفى محمد المصري، منذ نحو 10 أيام، كان يملك مقهى صغيرا بمنطقة صناعية وسط بغداد، بعد موجة الاستهداف التي طالت مصريين في العراق، وبحسب معلومات توافرت لـ\”العالم الجديد\” فانه قام ببيع مقهاه والهرب الى الاردن، ومنها الى وجهة غير معلومة، خوفا من قتله.
والمصري جاء العراق هربا من ثأر عشائري أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وتزوج بسيدة عراقية أرملة، وأنجب منها طفلين هما الان يعتبران عراقيين، لجهة الام وحصول والدهما (الهارب) على الجنسية.
وطالب المصريون وزارة الداخلية بحمايتهم في بغداد، وعدم عدهم \”أجانب\”، مناشدين السياسيين بعدم التصعيد ضدهم.
ودانت شخصيات عراقية ومصرية على مستويات مختلفة، حادثة مقتل أربعة مصريين شيعة في قرية زاوية ابو مسلم، وكتب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية محمد البرادعي على صفحته في تويتر حينها بحسب ما تناقلته وسائل اعلام مختلفة أن \”قتل وسحل مصريين بسبب عقيدتهم نتيجة بشعة لخطاب ديني مقزز ترك ليستفحل، ننتظر خطوات حاسمة من النظام والأزهر قبل أن نفقد ما تبقي من إنسانيتنا\”.