يواجه العراق تحديات كبيرة مع اقتراب صيف 2025، إذ تتزايد المخاوف من موجة حر غير مسبوقة تتزامن مع احتمالية تقليص أو قطع إمدادات الغاز الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية على الأخيرة، ما قد يؤدي إلى أزمة كهربائية خانقة.
وفي هذا الشأن، حمل القيادي في الإطار التنسيقي، عصام شاكر، اليوم الخميس، الولايات المتحدة مسؤولية أي أزمة طاقة كهربائية في بغداد بسبب قراراتها “الجائرة”.
ويدرس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران، في إطار جهود لتضييق الخناق على طهران ومنعها من استخدام النظام المالي العراقي للتحايل على العقوبات.
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل نحو 40% من منظومته الكهربائية، ما يعني أن أي تقليص أو قطع لهذه الإمدادات قد يؤدي إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء خلال الصيف.
وقال شاكر في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “ملف الطاقة في العراق يُعد ملفًا سياديًا، ولا يحق للولايات المتحدة فرض شروطها وعقوباتها عليه، خصوصًا أن العراق يعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز من الجمهورية الإسلامية في إيران لتشغيل محطاته الكهربائية وتزويد أغلب المدن بالطاقة”.
وأضاف أن “سياسة العقوبات التي تنتهجها واشنطن كورقة ضغط ليست موجهة ضد إيران فقط، بل تشمل العديد من الدول، وهي مثال واضح على الغطرسة التي تحاول من خلالها الولايات المتحدة فرض إرادتها على الشعوب التي تعارض سياساتها”، مشيرا إلى أن “فرض عقوبات على الغاز المجهز للعراق سيؤدي إلى ارتدادات قاسية، خاصة أن العراق لا يمتلك حاليًا أي بديل لتشغيل محطاته الكهربائية”.
وأوضح أن “واشنطن ستتحمل تبعات أي أزمة كهربائية تضرب العراق نتيجة قراراتها المجحفة، والتي تأتي في إطار سياسة التضييق وحصار الشعوب لخدمة المصالح الأمريكية”، لافتًا إلى أن “الحكومة العراقية أمام تحدٍّ كبير في كيفية التعامل مع هذا المستجد، خصوصًا في ظل محدودية الوقود المحلي المجهز لمحطات الكهرباء”.
وأكد شاكر أنه “إذا لم يتم تأمين الغاز من الخارج، فإن وضع الطاقة في العراق سيكون صعبًا جدًا، خاصة مع اقتراب فصل الصيف”، مبينًا أن “العراق بحاجة إلى حلول عاجلة لتجنب أزمة كهربائية خانقة”.
وسيؤدي توقف ضخ الغاز الإيراني إلى العراق إلى توقف “جزئي” لمحطات الكهرباء، كونها تعتمد في تشغيلها على غاز إيران إلى جانب الغاز المحلي، بحسب وزير الكهرباء زياد علي الذي أفاد أن “الوزارة لم تبلغ بشكل رسمي بوقف الإعفاءات على الغاز الإيراني، لكن “في حال انقطاع الإمدادات سنضع الخطة البديلة لتوفير الوقود”.
وتعاني أغلب المحافظات العراقية وخاصة العاصمة بغداد من تجاوزات كثيرة على الشبكات الكهربائية عبر مد الأهالي خطوطا مباشرة من أعمدة نقل الطاقة إلى المنازل والمعامل، بشكل غير قانوني وغير مسجل في العدادات الرسمية، وهو ما يشكل ضغطا على المحولات وحصص تجهيز الكهرباء التي تصل لكل منطقة.
وفي 9 شباط فبراير الجاري، اتفق فريق التواصل الحكومي مع وزارة الكهرباء،على تنظيم حملة موسعة لرفع التجاوزات عن خطوط النقل وتحسين آلية الجباية، ووضع عدّادات كهرباء في كل منزل ومحل تجاري، في خطوة للسيطرة على التجاوزات.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أشار أوائل شباط فبراير الجاري، إلى تحديات قطاع الكهرباء، موضحاً أنه رغم الارتفاع المستمر في مستويات الإنتاج، إلا أن زيادة الطلب بوتيرة أسرع يجعل من الضروري وضع إجراءات للحد من ارتفاع الاستهلاك، فيما أكد قائلا: “إن الحكومة وضعت في سلم أولوياتها كل ما يتعلق بالخدمات والكهرباء على نحو خاص، وتحسين باقي القطاعات التي تواجه خللاً وهدراً في الطاقة، مثل قطاع النقل والتوزيع، وأيضاً ترشيد الاستهلاك، والذهاب إلى أنظمة حديثة في إدارة الطاقة المنتجة.
وخلال الأشهر الماضية، فقد العراق أكثر من 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، فيما لم تتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص، ما أدّى إلى انخفاض ساعات التغذية في معظم مدن البلاد.
ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمواصلة اعفاء العراق في استيراد الغاز الإيراني بعد قرار إلغائه، مبينا أن الإدارة (الأمريكية) السابقة كانت تعطينا استثناءً من هذه العقوبات.
وأضاف أن “العراق لديه رؤية واضحة في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح”، مؤكدا أنه “بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة”.
وأعلن ترامب، في 5 شباط فبراير الجاري، أثناء توقيعه مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، أنه يعتزم استئناف سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بسبب مزاعمها تطوير أسلحة نووية.
وتضمنت المذكرة، إلغاء ترامب، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، كما شددت على “اتخاذ خطوات فورية بالتنسيق مع وزير الخزانة والوكالات المعنية لضمان عدم استخدام النظام المالي العراقي من قبل إيران للتحايل على العقوبات”، وأكدت على “منع استخدام دول الخليج كنقاط شحن لتجاوز العقوبات”.
وأشارت المذكرة إلى “ضرورة مراجعة أي تراخيص أو إرشادات تمنح إيران أو وكلائها أي تخفيف اقتصادي أو مالي، بهدف تعديلها أو إلغائها، بما في ذلك الإعفاءات المتعلقة بمشروع ميناء تشابهار الإيراني”.
وأكد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “انقطاع الغاز من إيران إذا ما تم بشكل كامل سيخلق فجوة تصل من 7- 8 آلاف ميغاواط، وهذا بالتأكيد سيجعل صيف العراق المقبل ثقيلا وصعبا، لذا على العراق أن يبحث عن بدائل أو أن ينشط مشاريع استثمار الغاز الطبيعي المستمرة في حقول الجنوب”، مشيرا إلى أن “العقد العراقي مع تركمانستان لشراء الغاز مرورا بإيران يشبه المقايضة، فالعراق يشتري من تركمانستان، ويأخذ من إيران لكن التعامل المالي يكون مع الأولى، بالتالي هو نوع من التعامل غير المباشر ونتمنى ألا يحسب تجاوزا للعقوبات الأمريكية لأن تركمانستان هي من تكون بموقع المتجاوز لأنها تتعامل بشكل مباشر مع إيران”.
ووقعت وزارة الكهرباء، في 19 تشرين الأول أكتوبر 2024، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.
الجدير بالذكر أن عقد استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن بالرغم من مرور أكثر نحو 5 أشهر على توقيعه، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI.
ويعاني قطاع الكهرباء في العراق من مشاكل عديدة على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها وزارة الكهرباء، وبحسب المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح، فان الطاقة الكهربائية استنزفت بعد عام 2003 أكثر من 120 مليار دولار، ولكن عملية تأمين الطاقة لا تزال متعثرة بسبب سوء الإدارة والهدر والفساد”.
ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.
وأدى العجز في توفير الطاقة الكهربائية في العراق الى بقاء سوق المولدات الأهلية نشطاً، رغم أن غالبيتها قديمة وتصدر محركاتها المتهالكة دخاناً أسوداً (دقائق الكربون) إضافة إلى الضوضاء العالية، بسبب عدم التزام الكثير من أصحابها باستخدام ما يعرف بكاتم صوت المحرك.
ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.