صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق بانتظار دفعات جديدة من عائلات داعش بـ«الهول».. هل تتقبلها مناطقها؟

مع التغيير الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام الأسد، يحاول العراق إنهاء أزمة مخيم الهول السوري واستعادة مواطنيه من عائلات تنظيم داعش المقيمين فيه بعد ثبوت عدم تورطهم بالدماء، وفي غضون الإعلان عن استعادة نحو 150 عائلة إلى مخيم الجدعة في نينوى، كشف مصدر أمني رفيع عن وجبات لاحقة تضم عشرات المقيمين.

وفي الوقت الذي أكدت فيه وزارة الهجرة والمهجرين، إخضاعهم لبرنامج تأهيل قبل عودتهم إلى مناطقهم، نبه خبير أمني إلى أن العودة سوف تكون مشروطة بـ”ترحيب” سكان المناطق التي انحدروا منها، وسط تحذيرات نيابية من خطورة استمرار المخيم السوري بعد التغيير السياسي هناك.

ويقول المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، عباس جهانكير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “جهود التدقيق الأمني للعائلات غير المتورطة بالإرهاب في مخيم الهول السوري ناجحة حتى الآن، إذ تمت إعادة نحو 150 عائلة عراقية كانت في مخيم الهول وأكثرهم من الأطفال والنساء”.

ويضيف جهانكير، أن “التدقيق الأمني للعوائل أثبت عدم تورط العائدين بقضايا إرهاب أو مطلوبين في العراق”، مشيرا إلى أن “العوائل التي تمت إعادتها استقرت في مخيم الجدعة بمحافظة نينوى من أجل إعادة تأهيلهم نفسيا، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة ستتم إعادتهم لديارهم ومناطقهم السابقة”.

وحول الجهة التي تم التنسق معها لإعادة العوائل العراقية، لم يكشف المسؤول الحكومي عن أي جهة، واكتفى بالحديث حول جهود وزارته في الأمر.

وكان مدير فرع مديرية الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى خالد عبد الكريم، التابعة لوزارة الهجرة والمهجرين، أعلن عن عودة 148 عائلة عراقية من مخيم الهول في سوريا، أمس الأول الأحد، معظمهم من النساء والأطفال، بعد عملية التدقيق الأمني وثبوت عدم تورط العائدين بقضايا في العراق، أو كونهم مطلوبين أمنيا، مشيرا إلى أن “العائدين استقروا في مركز الأمل للدعم النفسي في مخيم الجدعة جنوبي الموصل وسيطبق عليهم برنامج خاص بإعادة التأهيل قبل عودتهم لديارهم”.

إلى ذلك، يكشف مصدر أمني رفيع المستوى رفض ذكر اسمه، لـ”العالم الجديد”، أن “قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على الشمال السوري هي من سلمت هذه العوائل إلى السلطات العراقية، والأخيرة لا ترغب بكشف الجهة القائمة بالتسليم حفاظا على ديمومة الاتفاق لحين الانتهاء من ملف مخيم الهول”.

ويضيف المصدر، أن “الاتفاق بين بغداد وقسد منسق بشكل كبير، ويضمن استمرار تسليم العوائل على شكل وجبات جديدة لحين انتهاء التدقيق الكلي لهم”، لافتا إلى أن “الفترة القادمة ستتضمن إعادة 50 إلى 250 فردا ضمن كل وجبة خلال الأيام القادمة”.

وغادر 578 شخصا من 148 عائلة عراقية يوم السبت الماضي، مخيم الهول في الحسكة السورية باتجاه مخيم الجدعة في محافظة نينوى، لأول مرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، والثاني منذ بداية العام الحالي، والـ20 منذ بدء التنسيق بين الحكومة العراقية وقوات قسد لإخراج العائلات العراقية من المخيم.

إحصائية كشفها تحقيق استقصائي لـ”العالم الجديد” في أيلول 2022

وطالب عراقيون مقيمون في مخيم الهول، الحكومة العراقية والأطراف الدولية الأخرى، بالنظر في أوضاعهم المتدهورة والعمل على تقديم حلول عاجلة، كما دعوا إلى ضمان عودتهم الآمنة إلى العراق أو تحسين ظروفهم في المخيم من خلال دعم الخدمات الصحية والتعليمية.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية، أعلنت الخميس الماضي، عن إفساح المجال للنازحين السوريين المقيمين في مخيم الهول شرقي الحسكة بالعودة الطوعية إلى أماكن إقامتهم الأصلية، ودعت المجتمع الدولي لتأمين عودة آمنة لسكان مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض الخاضعة لسيطرة الفصائل السورية الموالية لتركيا شمالي البلاد.

من جهته، يؤكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، التنسيق بين العراق وقوات سوريا الديمقراطية، مشيرا إلى “استمراره لاستعادة المزيد من العوائل العراقية الأخرى التي لم تتورط بدماء العراقيين، وليست مطلوبة على ذمة قضايا إرهابية بعد تدقيق موقفها الأمني”.

ويؤكد أبو رغيف “وصول العوائل إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى بعد تأمين طريق وصولهم بشكل تام لزج الجميع في برنامج تأهيلي، تمهيدا لعودتهم إلى مناطقهم الشمالية والغربية”، لافتا إلى أن “عودتهم ستكون مشروطة بموافقة وترحيب سكان تلك المناطق، وخاصة الشمالية، منها لأنهم يعتقدون بتورط هؤلاء الأفراد بقتل أبنائهم الذين ذهبوا ضحايا للإرهاب في السنوات الأخيرة”.

وينبه إلى أن “التعاون العراقي السوري في المجال الأمني وعودة عوائل مخيم الهول للعراق، سيتضح بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، سواء كان مع الحكومة الانتقالية السورية أو مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك ما سوف تكشفه الأيام المقبلة، من خلال تنظيم وإعلان الخطوات اللاحقة”.

وكشف تحقيق استقصائي أنتجته ونشرته “العالم الجديد” في أيلول 2022، عن أن مخيم الهول، المكتظ بمحتجزي عائلات تنظيم “داعش”، يضم ما يقرب من 50 ألفا قبل أن ينخفض مؤخرا إلى نحو 43 ألف شخص، بعد إعادة العديد من العوائل إلى ديارها، فيما أوضح التحقيق الذي يعد الأول من نوعه في الصحافة العراقية، أن العراقيين يشكلون أكثر من نصف سكان المخيم فيما يأتي السوريون بالدرجة الثانية من حيث العدد، حيث يقترب عددهم من ربع السكان، مقابل أقل من ربع السكان من الأجانب الذين ينتمون إلى 45 دولة على الأقل، منها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا، وهو ما أكدته بيانات إدارة المخيم مطلع عام 2024.

إحصائية كشفها تحقيق استقصائي لـ”العالم الجديد” في أيلول 2022

من جهته، اعتبر عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، النائب عامر الفايز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملف عوائل الإرهابيين في مخيم الهول السوري، من الملفات الصعبة بالنسبة للعراق وعلاقته بدول العالم، وأن الحكومة العراقية تسعى لحسمه سريعا”.

ويؤكد الفايز، إن “الحكومة تقدمت بطلب منذ فترة طويلة للمجتمع الدولي من أجل حسم تواجد عوائل الإرهابيين العراقيين في مخيم الهول السوري، لأن هذا الأمر له أهمية كبيرة في ظل انتقال السلطة في سوريا ووجود حكومة انتقالية، خاصة أن خطورة استمرار المخيم لا يمكن توقعها”.

ويشير عضو لجنة العلاقات الخارجية، إلى أن “مخيم الهول يضم أكثر من 30 ألف شخص من مختلف دول العالم وهذا رقم كبير يجب الانتباه له”، مضيفا أن “المخيم يضم أيضا إرهابيين من مختلف الجنسيات كانوا بصفوف داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى”.

ويوضح، أن “العراق يتمنى أن تقوم الدول التي تمتلك مواطنين في المخيم باستردادهم والتعامل معهم وفقا للقوانين الدولية في كل دولة”، معتبرا أن “وزارة الهجرة والأجهزة الأمنية العليا تتابع سير خطوات هذا الملف والعمل على تسريع إجراءاته في ظل الحكومة السورية الانتقالية الحالية وإيجاد حلول مقنعة”.

إقرأ أيضا