تقترب الخطة الخمسية للتنمية في العراق من نهايتها خلال العام الحالي، لكنها لم تترك أثرا يذكر كما يتفق متخصصون، وقد عزا مستشار حكومي تعثرها إلى أسباب عدة بينها غياب الموازنة في 2020 و2022 وجائحة كورونا والإغلاقات التي رافقتها، فيما اقترح اقتصاديون تغيير من يضعون هذه الخطط، مطالبين بالكشف عن تفاصيلها والنسب المنجزة منها.
ويقول المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “في العام 2018 بدأت حملة إعادة الإعمار في المناطق المحررة التي فقدت بنيتها التحتية من مرافق حكومية وانتهاء بالدور السكنية للمواطنين، والتي قدر الدمار فيها بنحو 30 مليار دولار، في وقت بدأت فيه دورة الأصول النفطية استعادة نشاطها، ولاسيما بتعزيز زخم الاستثمارات في القطاع النفطي الذي يستحوذ مع قطاع الكهرباء على نحو 50 بالمئة من إجمالي تخصيصات المشاريع الاستثمارية الحكومية“.
ويضيف صالح، أن “أعمال البنية التحتية في المحافظات المحررة استقطبها الهاجس الأول لإعادة المهجرين وبناء الاستقرار الديمغرافي بسبب الانتصار في الحرب على الإرهاب الداعشي وبناء مقومات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان في تلك المناطق المنكوبة بالإرهاب، في حين عانت المحافظات الأخرى، ولاسيما الوسطى والجنوبية، من تعثرات في تنفيذ مشاريعها العمرانية، ولاسيما في قطاع البنى التحتية، إذ بلغ الانحراف درجات عالية في متلازمة رباعية هي الكلفة والجودة والوقت والتنفيذ، في اعتماد وتنفيذ المشاريع الاستثمارية الحكومية“.
ويتابع أن “ما زاد الطين بلة هي الأزمة المالية والصحية المزدوجة التي حصلت في العام 2020 وما رافقها من عدم إقرار قانون للموازنة العامة الذي من دونه لا تتوافر قدرة على اعتماد مشاريع استثمارية جديدة، بل توقف الكثير من المشاريع الاستثمارية المعتمدة والمستمرة بسبب انغلاق النشاط الاقتصادي في البلاد جراء أزمة كورونا“.
ويواصل المستشار الحكومي، أنه “على الرغم من أن الموازنة العامة الاتحادية للعام 2021 قد خصصت 20 بالمئة من نفقاتها للأغراض الاستثمارية، إلا أن التخصيصات في تقديري قد ابتلعتها فجوة المتلازمة الرباعية وانحراف الكفاءة، وأقصد هنا ارتفاع التكاليف الناجمة عن تعويض التعثر في المشاريع المستمرة التي شرع بها منذ العام 2018 وما بعدها بسبب ما يسمى تعويض خسارة التكاليف الفرصية، ويطلق على رفع أسعار المقاولات (الغيار) على وفق شروط المقاولة، وذلك طالما جاء سبب توقف المشروع الحكومي من جانب رب العمل، أي الطرف الحكومي، فضلا عن تعويض التآكل الحاصل عن التوقف في المشروع نفسه مع هدر الوقت والتأخير في تحقيق القيمة المضافة للمشروع“.
ويستطرد “أما في العام 2022 فجاءت السنة المالية خالية من أي موازنة عامة باستثناء تطبيقات المادة 13 من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 المعدل وذلك بالصرف بنسبة 1 على 12 من إجمالي المصروفات الفعلية الجارية للعام 2021 ومنها الصرف على المشاريع المستمرة التي شرع بها في العام 2021، أما المتوقفة والتي لم يشرع بها فقد جرت معالجتها بموجب تخصيصات قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم 2 لسنة 2022، وذلك بالصرف على بعض تلك المشاريع المتعثرة أو المتوقفة وبحدود سقف إنفاقي محدد مع تنفيذ القليل من المشاريع الاستثمارية الجديدة“.
ويشدد صالح، على “أهمية تشريع قانون الموازنة العامة للعام 2023 وضرورة تخصيص الوفورات المحتمل تحققها في نهاية العام 2022 لتوجه نحو حزمة من المشاريع الاستراتيجية المدرة للدخل والمشغلة للعمل وتساهم في تنويع الاقتصاد، وأقصد هنا مشاريع الأسمدة والبتروكيمياويات والمصافي العملاقة والذهاب إلى مبدأ السيادة الزراعية بزراعة 10 بالمئة من الأراضي القابلة للزراعة على الأقل بمحاصيل تعزز الأمن الغذائي للعراق وتساعد على إدخال تكنولوجيا زراعية متقدمة، ولاسيما في إدارة المياه الزراعية المقتصدة وبقدرات تنظيمية عالية“.
ويشير صالح إلى أن “هذا يتطلب إعلان جولات تراخيص زراعية كبرى مع شركات عالمية زراعية متخصصة بالمقاولات الزراعية ذات التقنيات العالية ضمن برنامج تنموي نطلق عليه برنامج الدفعة الاستثمارية القوية أو الكبيرة، من دون إغفال الوسط الحرفي الصغيرة والمتوسط في اقتصاد السوق، وذلك عن طريق توفير التمويل الحكومي الميسر، مع التنويه إلى أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تمتلك القدرة على التشغيل العالي وتمتص أكثر من نصف قوة العمل العاطلة“.
وكانت وزارة التخطيط، أعلنت يوم أمس، أن العام الحالي، هو العام الأخير من الخطة الخمسية 2018-2022، وأنها بدأت تستعد لكتابة خطة التنمية الثالثة 2023-2028، فيما أوضحت أن الظروف التي مر بها العراق بعد 2020 بسبب جائحة كورونا، والأزمة المالية أخرجت الخطة الخمسية عن بعض مساراتها، ومن أجل معالجتها وضعت خطة قصيرة المدى لمدة سنتين من 2022ـ 2023 وفيها ثلاثة محاور، وهي: الجانب الاقتصادي الذي يتحدث عن دعم الاقتصاد بمختلف قطاعاته ودعم الاستثمار والقطاع الخاص، والمحور الآخر الاجتماعي يتضمن معالجة واقع الصحة، التعليم، الحماية الاجتماعية والبطاقة التموينية، والثالث هو المكاني الذي يتخصص بردم الفجوات التنموية في المحافظات ضمن خريطة الرؤية التي وضعتها الوزارة.
وأطلقت حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في أيار مايو 2018، خطة التنمية الوطنية الخمسية للفترة من 2018 إلى 2022، وتركز على تطوير الاقتصاد وإيجاد موارد مالية بعيدا عن النفط، وبحسب المعلن في حينها، فإن التخطيط يتضمن رفع حجم الاستثمار بالقطاع الخاص من 34 بالمئة في حينها إلى 40 بالمئة، والإبقاء على الاستثمار الحكومي عند 60 بالمئة، بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في التنمية.
من جانبها، تفيد الخبيرة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأنه “طيلة السنوات الماضية تضع الكثير من الجهات الحكومية خططا ومشاريع خمسية وغيرها الكثير وعلى مختلف المستويات، لكن في الواقع لا وجود لهكذا مشاريع وخطط، وإنما نسمع عن هذه الخطط في الإعلام فقط“.
وتلفت سميسم، إلى أن “العراق أصبح حاليا من الدول الأربع الأولى بالفقر متعدد الجوانب، خصوصا أن وزارة التخطيط هي نفسها أعلنت قبل فترة أن موظف الدرجة الخامسة يعد من الفئات التي تعيش دون خط الفقر، كما لدينا بعض المحافظات بلغت فيها معدلات الفقر نسبة عالية تتعدى أو تقترب من 50 بالمئة“.
وتتساءل “ما الجدوى من هكذا خطط ومشاريع من دون تحقيق أي شيء منها على أرض الواقع؟”، مبينة أن “هذا يؤكد ويدل على أن هذه الخطط هي في الأساس فاشلة، وهذا ما يؤكد الواقع الذي نعيشه، ولهذا يجب تغيير الجهات والشخصيات التي تضع هكذا خطط لا تنفذ في الواقع“.
يذكر أن العبادي أكد خلال إعلان الخطة، أن الاهتمام خلال السنوات المقبلة سيكون بتنمية قطاعات السكن عبر بناء وحدات جديدة، وبناء المدارس، وتنمية قطاع الصحة والتربية والتعليم وتوفير الخدمات، وتوفير فرص العمل.
يشار إلى أن نسب الفقر والبطالة ما تزال عند وضعها منذ سنوات ولم تتغيير بشكل كبير، فضلا عن بلوغ نسبة الفقر في بعض المحافظات العراقية أكثر من 50 بالمئة.
ولغاية الآن، ووفقا للتصريحات الرسمية، فإن العراق ما يزال يفتقر إلى الأبنية المدرسية، وبلغت حاجته إلى 8 آلاف بناية مدرسية جديدة، كما أن تطوير القطاع الخاص ما يزال دون المستوى، حسب تأكيدات متخصصين لـ”العالم الجديد” في تقارير نشرت قبل أيام، بسبب استمرار الاستيراد وغياب الدعم الحكومي للصناعة المحلية.
وفي هذا السياق، يوضح المحلل الاقتصادي والمالي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الخطط الخمسية نسمع بها في كل حكومة تأتي، لكن في الواقع لا نرى أي تنفيذ أو منجز من هذه الخطط، خصوصا أن الجهات المتخصصة لا تعلن بشكل رسمي ودقيق ما هي أهداف هذه الخطط وكم النسب المتحققة منها وفق تقارير رسمية“.
ويضيف الكناني، أن “الفساد الإداري والمالي وسوء التخطيط وحتى الإدارة هي سبب فشل بعض الخطط التي تضعها بعض الجهات الحكومية على مختلف المستويات، ولهذا لا نرى أي شيء متحقق على الأرض من هذه الخطط والمشاريع، ودائما ما تكون تلك الخطط إعلامية وغير واقعية“.
ويلفت إلى أن “المواطن العراقي لم يلمس أي شيء من جميع البرامج الحكومية والخطط والمشاريع طيلة السنوات الماضية، وانما يسمع بهذه المشاريع عبر الإعلام او من خلال الحبر على الورق، ولا شيء ملموس لدى المواطن، ولهذا فإن الجهات الحكومية مطالبة بكشف النسب المتحققة من الخطة الخمسية على مختلف الأصعدة“.
يذكر أن المتحدث باسم وزارة الزراعة، أقر قبل فترة وجيزة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن الدعم الحكومي للقطاع الزراعي معدوم، وبالأخص على مستوى الاحتياجات مثل البذورة والمبيدات والآليات.
يشار إلى أن العراق حقق فائضا ماليا كبيرا منذ مطلع العام الحالي، نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية إلى حدود 130 دولارا للبرميل واستقرارها عند حاجز الـ110 دولارات، فضلا عن سداد ديون الكويت، حيث كانت تستقطع ما قيمته 5-7 ملايين دولار يوميا لسداد التعويضات، وذلك إلى جانب قرار منظمة أوبك رفع سقف تصدير البلد من النفط بأكثر من 400 ألف برميل يوميا، ما يضاف إلى الإيرادات الكلية.
جدير بالذكر، أن أزمة مالية كبيرة عصفت بالبلد عام 2020، أدت إلى عدم تمكن الحكومة من صرف رواتب الموظفين، ما دفع البرلمان إلى الموافقة على أن تقترض مرتين خلال ذلك العام لتمويل الرواتب، ومر ذلك العام بلا موازنة، كما هو الحال في العام الحالي.