مغامرات (البرينجي) وسكان الأهوار

طالما حرص الانسان على التعلّم من محيطه حيثما استوطن، وحرص على التكيّف مع البيئة التي يعيش فيها، من اجل ذلك اضطر لمواجهة بعض المخلوقات وتعايش مع مخلوقات اخرى.. روّض المتوحش منها وقرّب اليه الاليف والسلس في التعامل، فطرة الانسان دفعته كي يحاكي متعلما حركات العديد من الكائنات الحية التي تحيط به، فالحيوانات هي المعلم الاول للإنسان.. طالما اوحت له بكثير من الحلول التي يحتاجها. في ذات السياق تتأتّى علاقة سكان الاهوار مع طائر \”الغطّاس\” المشاكس والذكي جدا، المسمّى محليا بـ\”البرينجي\” فلهم معه مغامرات شيقة وممتعة جدا. 

ولمن لا يعرف، فإن البرينجي \”الغطاس-Grebe\” طائر مهاجر، ماهر بامتياز في الغوص والسباحة، يمتلك مهارات استثنائية جدا مما يجعل اصطياده عملية شاقة. انه يستطيع الغوص في الماء ضد التيارات القوية ليقتنص الاسماك. الغطاس يمتلك جسدا انسيابيا يساعده على المرور بسهولة من بين التيارات الشديدة الانحدار، انه قادر على الغوص لمدة طويلة، والسير تحت الماء بسرعة فائقة، وبإمكانه النظر اثناء الغوص، له ريش يشبه بدلة الغواص، مكسوّ بطبقة دهنية تحجب الماء عن جسده مما يحافظ على درجة حرارة الجسم .

 ولأنه مشاكس ويعرف امكانياته وامكانيات من حوله جيدا فالغطاس لا يتردد من الاقتراب احيانا من السكان، مع الاحتفاظ بمسافة تسمح له بالمناورة، كلما اقترب منه احد غطس في الماء وخرج بعد مدة في مكان غير متوقع، وحينما يلاحقه ايضا يفعل ذات الشيء، وكأنه يختبر مهاراته مع سكان تلك البيئة.

طالما حاكى سكان الاهوار مهارات البرينجي وطوروا مهاراتهم العالية ايضا في الغوص والسباحة، انهم يتّخذون من البرينجي مثلا في القدرة على البقاء تحت الماء لمدة اطول، والغوص بسرعة فائقة وتوظيف الامكانيات الجسمانية من اجل توفير سرعة اكبر، لكن الغطاس هو الاخر طالما تفنن في الاستعراض امامهم ولسان حاله لكل منهم يقول: \”عرفتَ شيئا وغابت عنك اشياء\”.

 العلاقة بين سكان الاهوار والبرينجي حكاية تقف على ارث من المغامرات الشيّقة، وسباق لا يخلو من المشاكسة، ليس البرينجي ذلك الطائر الشهي المفضّل بلحمه وحجمه بالنسبة لسكان الاهوار، فحجمه اصغر بكثير من دجاجة الماء على سبيل المثال، لكن السكان يلاحقونه ويرغبون في الامساك به بدوافع التنافس واستعراض القدرات بينهم وبين ذلك الطائر بالدرجة الاولى.

 في بيئة الاهوار فإن الموروث الشعبي مليء بالالتقاطات والتوصيفات التي يؤخذ فيها بعين الاعتبار مميزات ذلك الطائر، او المقتبسة من بعض مهاراته، وطالما وصفوا من يمتلك مهارة عالية في الغوص وسرعة الحركة بالبرينجي، طالما نسجوا حوله الامثال والحكايا، كما أسموا لعبة خاصة تؤدّى في الماء باسم ذلك الطائر المشاكس.

سكان الاهوار تعلّموا الكثير من ذلك الطائر المثير، فمن مهاراته أتقنوا فنون الغوص، ومن قوته وصلابته ومواجهته للتيار الصعب تعلموا العناد والثبات. انها علاقة تكاملية بين الكائنات الحية التي تعيش في تلك البيئة، وحتى ان خرجت تلك العلاقة في بعض الاحيان عن السياق الطبيعي فإن ذلك يتأتى على سبيل الاستثناء وليست القاعدة.

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا