صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مفاوضات مسقط.. هل تنقل بغداد رسميا إلى المدار الأمريكي؟

تمثل المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران في مسقط، لحظة مفصلية قد تعيد رسم ملامح النفوذ في المنطقة، لا سيما في العراق بوصفه الساحة الأكثر تأثرا بهذه التفاهمات، وفيما رأى مراقبون أن نجاح هذه المفاوضات قد ينقل بغداد إلى المدار أو المحور الأمريكي، رجحوا أن ينتج عنها تفكيك الفصائل العراقية، في وقت أشار مقرب من الأخيرة إلى أن التقارب بين الطرفين هو هدوء مؤقت لن يوقف صراعهما طويل الأمد في المنطقة.

واختتمت مساء أمس الأول السبت، في العاصمة العمانية مسقط، الجولة الأولى من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي استمرت لنحو ساعتين ونصف، بوساطة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي.

ومن واشنطن، يرى المحلل السياسي نزار حيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من المبكر الحكم على مخرجات الحوار بين واشنطن وطهران، أو تحديد طبيعة انعكاسها المباشر على العراق، لكن المؤشرات العامة ترجح أن أي تقارب بين الطرفين سيكون لصالح بغداد، بالنظر إلى أن استمرار التوتر يحمل العراق كلفة سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة”.

ويضيف حيدر، أن “الولايات المتحدة ما تزال تنظر إلى العراق كجزء من الملف الإيراني، وهو ما عبر عنه عدد من قادة الإطار التنسيقي، وبالتالي فإن أي تفاهم أمريكي- إيراني من شأنه نقل العراق من دائرة النفوذ الإيراني إلى المدار الأمريكي، وفق ما تنص عليه اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن”.

ويوضح أن “ملف الفصائل المسلحة في العراق بات أضعف من السابق، بفعل الهزائم التي تعرض لها محور طهران في السنوات الأخيرة، وتفكك ساحاته، وتراجع حلفائه”، مشيرا إلى أن “نتائج المفاوضات، إذا ما وصلت إلى توافق ملموس، ستدفع إيران إلى كبح نشاط هذه الفصائل، وتأجيل شعاراتها التعبوية”.

وأعلن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، عقب انتهاء الجولة، أن المحادثات جرت في “أجواء جادة”، مضيفا أن الأطراف اتفقت على عقد جولة جديدة خلال أيام قليلة، من دون تحديد موعد رسمي.

ودخلت الولايات المتحدة الجولة الأولى متمسكة بشروطها بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث صرّح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، بأن “منع إيران من امتلاك سلاح نووي، هو خط أحمر لإدارة ترامب”، مشددا على أن “كل الخيارات تبقى مطروحة” في حال تعثرت المفاوضات، وفق صحيفة “نيويورك بوست”.

وطغت “الأجواء الإيجابية” على بياني البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية حول اللقاء، وقال البيت الأبيض إن “المحادثات مع إيران كانت إيجابية وبناءة جدا. ويتكوف، أكد لعراقجي أنه تلقى تعليمات من ترامب لحل خلافات البلدين عبر الحوار والدبلوماسية إن أمكن”.

من جهته، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من أبرز الشروط الأمريكية في حال نجاح المفاوضات مع طهران، هو تفكيك ارتباط الأخيرة بالفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مثل حزب الله والحوثيين، وكذلك فصائل الزينبيون والفاطميون وغيرها”.

ويضيف فيصل، أن “هذه الفصائل تصنف أمريكيا كتنظيمات إرهابية بسبب تبعيتها للحرس الثوري الإيراني، المصنف هو الآخر كمنظمة إرهابية، وتعتبر واشنطن أن إيران هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم”. 

ويبين أن “نجاح المفاوضات يفترض أن يدفع طهران لتغيير استراتيجيتها القائمة على التدخل في شؤون الدول، وفرض ولاية الفقيه بقوة السلاح، وهو ما تستخدمه هذه الفصائل لتقويض النظم القائمة واستبدالها بنظام مرتبط بقم”.

وبينما تتصاعد احتمالية تضمين الفصائل ضمن بنود خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، تجد بغداد نفسها أمام معادلة معقدة، بشأن حماية استقرارها الداخلي دون أن تظهر بموقع المتخلي عن شركاء الداخل، أو التابع لإرادة الخارج، ويبدو أن أي تحول في ميزان العلاقة بين طهران وواشنطن سينعكس أولا على مستقبل الحشد الشعبي وموقعه في الخارطة الأمنية والسياسية.

ورغم أن الفصائل المسلحة في العراق ليست طرفا مباشرا في المفاوضات، إلا أن نتائجها قد ترسم مستقبل الفصائل، خصوصا إذا ما تم التوافق على تهدئة تشمل وقف العمليات الهجومية والتراجع عن النشاطات العابرة للحدود، ما يعني تغيير قواعد الاشتباك التي استندت إليها هذه الجماعات لسنوات.

من جانبه، يؤكد الباحث في الشأن السياسي المقرب من الفصائل، علي فضل الله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السياسة الأمريكية تجاه محور المقاومة لا تزال عدائية وواضحة، ولم تتغير رغم محاولات التهدئة أو التقارب مع طهران، وأن أي تفاهم سياسي لا يعني انتهاء التهديدات، وخصوصا تجاه العراق والفصائل المسلحة”.

ويضيف فضل الله، أن “الولايات المتحدة لا تتعامل مع الفصائل انطلاقا من التوازنات الإقليمية، بل من منطلق استراتيجي يعتبر العراق ساحة ينبغي تحييدها وضبطها وفقا للمصالح الأمريكية، وهو ما يجعل الضغوط قائمة حتى مع وجود مفاوضات أو اتفاقات مرحلية”.

ويوضح أن “التقارب الأمريكي مع إيران لم يأت بدافع تحسين العلاقات، بل نتيجة إدراك واشنطن لحجم القوة الإيرانية وقدرتها على الرد في حال تعرضت للتهديد، ما يعني أن الهدوء المؤقت لا يلغي حقيقة الصراع طويل الأمد في المنطقة”.

وتسعى دول عدة في المنطقة إلى إعادة رسم خارطة تحالفاتها في ضوء ما قد ينتج عن المفاوضات بين واشنطن وطهران، ما يفرض على العراق مراقبة هذه التحركات عن كثب، تحسبا لأي فراغ ينتج عن إعادة التموضع الإيراني أو تراجع الدعم للفصائل، وما قد يتبعه من خلل أمني أو سياسي.

إقرأ أيضا