كثيرة هي التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء رفض زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، العودة إلى العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات، رغم الدعوات الرسمية والوفود النيابية التي دعته الى العدول عن قراره، في ظل التحديات المعقدة التي تشهدها البلاد والمنطقة.
وفي هذا الإطار، أكد فتاح الشيخ، النائب السابق والمقرب من التيار الوطني الشيعي (الصدري سابقا)، اليوم الثلاثاء، أن الأسباب الحقيقية وراء مقاطعة زعيم التيار مقتدى الصدر الانتخابات، تدور بين مؤتمر لندن عام 2002 وأحداث الخضراء عام 2022.
وكان زعيم التيار الوطني مقتدى الصدر، قد أعلن انسحابه من العملية الانتخابية في انتخابات 2021، ثم شارك وفاز بالمرتبة الأولى وقرر الصدر لاحقا الانسحاب من تشكيل الحكومة.
في أواسط حزيران يونيو 2022، وافق رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، على استقالة 73 نائباً يمثّلون الكتلة الصدرية في البرلمان، بناءً على توجيه الصدر لأعضاء كتلته بتقديم الاستقالات إلى رئاسة البرلمان، على خلفية الانسداد السياسي بتشكيل الحكومة حينها، قبل أن يقرر اعتزال العمل السياسي في 29 آب أغسطس 2022.
وقال الشيخ في حوار مع الزميل سامر جواد، تابعته “العالم الجديد”، إنه “بات عرفا في العراق بأنه لايمكن لأي شخصية سياسية تولي ولاية ثانية لرئاسة الحكومة سواء رئيس الوزراء محمد السوداني أو غيره”، مبينا أنه “ماعدا نوري المالكي الذي يسعى لولاية ثالثة من الحكم”.
وحول التيار الوطني ومشاركته في الانتخابات، أوضح أن “الدم الصدري قد تم إستباحته من قبل الإطار التنسيقي في أحداث الخضراء تحديدا في ليلة 30 آب أغسطس 2022″، مبينا أن الإطار يعتقد أن كل شيء مباح لغرض البقاء في السلطة”.
وأضاف أن “ذلك يحتسب على من كان في السلطة والمتحالفين معهم”، مشيرا الى أن “السلطة أخذت بالقوة من الصدر”.
وتابع أن “الحديث الذي خص به الكتلة الصدرية عندما التقاهم عند قرار انسحابه من العملية السياسية، حيث قال بالحرف الواحد “انسحاب دون مشاركة”، مبينا أن “الصدر لم يغيير قراره حتى هذه اللحظة، حيث كان ومازال يؤمن بوجود حكومة الفساد كما وصفها ببيانات لاحقة”.
واضاف أن “موقف الصدر حسب تحليلي يأخذ شقين لا ثالث لهما، وهي الازمة الحالية التي تشهدها البلاد والتي يطلق تغريداته حولها بين الحين والآخر وهي الفساد، الفصائل المسلحة، العملة، التبعية، العمالة إلى الخارج لا شرقية لا غربية”، مبينا أن “جوهر الحقيقة هي الصدر قد وصل وباليقين وبالمعلومات التي ثبتت وقدمت له ان هؤلاء السياسيين الحاليين قد وقعوا قبل مجيئهم للعملية السياسية على تعهدات في تل أبيب”.
وأكمل أن “مؤتمر لندن في 2002، قد ضم الكثير من السياسيين الحاليين في العراق، وعقب المؤتمر مباشرة سافروا إلى تل أبيب لتوقيع تعهدات هناك”، مبينا أن “هذا كان شرطا لإسقاط نظام صدام حسين”، مستطردا بالقول: “فيما بعد ذلك جاء مؤتمر صلاح الدين لإكمال ما تبقى من مؤتمر لندن”.
وأكد أن “الصدر وتاريخه المعروف لايمكن أن يستمر بالعملية السياسية وهذا ما جرى”، لافتا الى أن “الفساد من الممكن السيطرة عليه وكذلك التدخلات الأمريكية والإيرانية مقدور عليها، لكن عندما تتيقن أن قبل مجيئهم للعراق وقعوا تعهدات لتل أبيب فكيف ممكن أن تستمر بهذه العملية السياسية”.
وتبادل رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وزعيم التيار الوطني ، مقتدى الصدر، في 18 نيسان أبريل الجاري، رسائل بشأن مشاركة الأخير في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث وجه رشيد، بشكل مفاجئ، رسالة خطية تضمنت دعوة الصدر إلى العدول عن قراره مقاطعة الانتخابات، وشغل الفراغ الذي خلفه نواب التيار الصدري بعد انسحابهم من البرلمان.
فيما رد الصدر، على دعوة رئيس الجمهورية، مؤكدا أن عدم المشاركة في الانتخابات لا تعني المطالبة بتأجيلها أو إلغاء موعدها.
وقال الصدر، في معرض رده “إنني حزين أن يشارك الشعب العظيم في انتخاب الفاسدين وسراق المال الذين لم يسترجعوا إلى يومنا هذا بما فيها صفقة القرن التي وزعت على محبي الصفقات”، وفيما تعهد بأنه “سيبقى جنديا أمام كل ما يعصف من تحديات ومصائب”، يؤكد في الوقت نفسه أنه “سيدافع عن العراق أمام أي تحديات مستقبلية كي يعيش البلاد بلا فساد ولا تبعية ولا طائفية مقيتة”، على حد قوله.
ورغم انسحابه ، يظل التيار الوطني لاعبا مؤثرا في الشارع العراقي، سواء من خلال جمهوره الكبير أو عبر تحركاته الشعبية التي كان لها دور حاسم في أكثر من محطة مفصلية، ما يجعل إمكانية عودته إلى العملية الانتخابية محط أنظار القوى السياسية والمراقبين سواء بسواء.
وفي الشهر الماضي، أعلن الصدر، عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللا ذلك بوجود “الفساد والفاسدين”، فيما بين أن العراق “يعيش أنفاسه الأخيرة”.
وكان زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، أكد مؤخرا، أهمية مشاركة جميع القوى السياسية في الانتخابات المقبلة، معربا عن أمنيته بمشاركة التيار الصدري فيها، واصفا إياها بـ”المفصلية” التي ستعزز الاستقرار في البلاد.
فيما وصف رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، مشاركة التيار الصدري في العملية السياسية بـ”الضرورة”، داعيا الصدر إلى المشاركة.
كما أفادت وسائل إعلام نقلا عن “مصادر سياسية”، بأن أغلب الكتل السياسية وبمختلف عناوينها ومكوناتها بعثت ممثلين عنها للنجف في محاولة لجس موقف زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، من المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة من عدمها.
وعلل الباحث في الشأن السياسي ماهر جودة، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، دعوة رئيس الجمهورية للصدر، بأن “تيار الأخير الأوسع في الشارع العراقي ويكسب المعركة الانتخابية من الجولة الأولى، إضافة إلى أن عزوف الشعب عن المشاركة ألقى بظلاله على العملية السياسية، فعدم مشاركة الشعب العراقي وبينهم التيار الصدري تمثل رسائل سلبية عن العراق إلى العالم”.
ويرى مراقبون أن إعلان الصدر عدم خوض الانتخابات المقبلة من شأنه أن يُحدث فراغًا سياسيًا داخل البيت الشيعي، ويفتح الباب أمام قوى أخرى لإعادة رسم خارطة التوازنات، في وقت يمر فيه العراق بتحديات داخلية معقدة تتطلب حضورًا سياسيًا قويًا ومؤثرًا.
ويعتقد متابعون أن غياب التيار الصدري عن المنافسة الانتخابية القادمة، سيعيد تشكيل الخريطة السياسية في العراق على نحو غير مسبوق، لا سيما أن التيار كان يشكل ثقلاً نوعيًا داخل البرلمان، فضلاً عن تأثيره الشعبي والاجتماعي الواسع، ما سيمنح أطرافًا أخرى الفرصة لملء هذا الفراغ، خصوصًا تلك المتحالفة ضمن الإطار التنسيقي الذي يتطلع لتعزيز نفوذه.
يأتي هذا في ظل الحديث المتزايد عن إمكانية تأثر العراق بتحولات المنطقة، خصوصاً مع استمرار الضغوط الأمريكية على طهران، ويميل الكثير من المراقبين المحليين إلى الاعتقاد أن أي “هزة” أو تصدع قد يصيب المؤسسة الحاكمة في إيران خلال الأشهر القليلة المقبلة سيكون له تأثير واضح على طبيعة التحالفات السياسية العراقية، وربما على شكل النظام السياسي نفسه.