مكاتيب صاحب السجن

انا مثلكم تماما اشعر باليأس وعدم الجدوى من الكلام عن عراق معافى. بل يخيل لي احيانا اني بطران واغرد خارج السرب حين اكتب عن املي بعراق كاشخ ولابس جديد.

اي والله اشعر بالبطر والخيبة كليهما، سيما حين يراسلني صديقي عبد المجيد على الخاص بعد كل مقال انشره على حائطي في موقع فيسبوك!

عبد المجيد كان زميلي في سجن مديرية الأمن ايام القائد الضرورة، كان يشاطرني محجر رقم ستة الذي يكفي لشخصين فقط.

المحجر عبارة عن غرفة سرية في قبو السجن، قياسها مترين بمترين وترتفع لمتر ونص فقط، مما يضطرك الى ان تطأطئ رأسك عندما تقف.

ليس في المحجر سرير ولا اغطية ولا حتى دورة مياه، كل ما فيه حِب ماء يملأ مرة كل يومين وتنكة صفيح كانت بمثابة wc غربي.

المحجر رطب جدا وعفن جدا ومليء بالقمل والقراد، فلا شمس ولا هواء ولا نافذة.

يحسب لعبد المجيد صبره وتكيفه مع عيشة التنكة التي طالما قال عنها \”هاي التنكة الما عاجبتك اشرف من ستين بعثي باعوا شرفهم لصدام\”.

كان يضحك على الدنيا ويستهزئ بالسجانين، بل لا ابالغ لو اخبرتكم بأنه كان يفرح كلما سحلوه الى غرف التحقيق ودهاليز التعذيب المظلمة.

في احدى الليالي عاد عبد المجيد من التحقيق وجسده مزرق من الضرب، وفمه مدمى، لقد فقد المسكين اربعة من اسنانه الأمامية لأنه طلب ماء اثناء التحقيق.

يقول عبد المجيد: علقني الرائد عدوان بالگنارة وربط بي سلك الكهرباء وأمرهم بضربي، كانوا يضربونني بما أوتوا من قوة، والكهرباء تسري في جسدي، اغميت مرتين وبعدما انزلوني طلبت منهم قدح ماء فكان الجواب ان افتح فمك، فتحت فمي لأستقبل ركلة من الرائد عدوان، ركلني بحذائه على فمي فكسر اسناني، \”باوع شلون صرت اثرم\” قالها صاحبي وهو يضحك.

لولا عبد المجيد لما تحملت ايام القمل والقراد تلك، ولولا قرار العفو العام في اكتوبر 2002، لصرت و اياه في خبر كان.

بعد العفو انقطعت عني اخبار ابو الأمجاد، وما كنا لنلتقي لولا فيسبوك العظيم، فقد هاجر عبد المجيد الى شرق الأرض ليستقر في ماليزيا، بينما رضيت انا النرويج ملاذاً وموطناً.

بعدما تزينت قائمة اصدقائي به، صارت بيننا مكاتيب ومراسلات غالباً ما يتخللها الضحك على تلك الايام، اعني ايام القمل والقراد.

غير ان صاحبي صار يكاتبني بعد كل منشور اخطه على حائطي، وهو يقول كفاك تفاؤلاً يا اخي لقد ملأت بطني قيحا!

سألته مرة, ما بك يا رجل اراك يئست من وطنك!

فأجابني ضاحكاً كعادته:

تحلم بعراق معافى يا بطران؟! تريد عراقاً يشبه النرويج يا فايخ؟!

هل تتذكر الرائد عدوان، ذلك المحقق السادي الذي لا تعرف الرحمة طريقا الى قلبه؟!
عدوان الساقط الذي تعرفه جيداً، هل تدري اين هو الآن؟! لقد صار عقيداً في جهاز حساس في الدولة، بعدما حصل على تزكية من شيخ قبيلته الأمّي؟!

هااا بعدك تريد عراق كاشخ ولابس جديد يا بطران؟!

إقرأ أيضا