تمثّل مكتبة السائح، أو مكتبة الأب سرّوج علامةً ثقافية في مدينة طرابلس اللبنانية، فهي كما الأماكن الأخرى المتنفس الذي يقصده الأهالي والطلاب للحصول على الكتب والمطالعة لما تضمه من كتب ثمينة ونادرة.
عند وصولك ساحة النجمة، سيأخذك المسير إلى زاوية تحت عقد حجري قديم، تستقبلك لافتة تخبركَ ألوانها التي أكلتها أشعة الشمس عن عتقها: مكتبة السائح بخط عريض. ليس ببعيد عن المكان تكتشف الباب الثاني الذي يُترك مفتوحًا لاستقبال القادمين من كلّ الأعمار.
تقول المعلومات إنّ أقدم كتاب في المكتبة يعود تاريخه إلى العام 1817 وهو للكاتب الأمريكي الكولونيل تشرشل وعنوانه: جبل لبنان. وتضم المكتبة، أيضًا، حوالي 79697 كتابًا، تتوزع في شتى حقول المعرفة، وبلغات عالمية من العربية والانكليزية والفرنسية واليابانية والسويدية والهولندية واليونانية. وسنسعى إلى توفير كلّ ما يطلبه الزبون الثقافي بأسرع وقت، كما يتحدث الأب سرّوج.
بين الأب سرّوج ومكتبة السائح، علاقة طويلة ونهر من المعرفة لا يتوقف، فالأب الأرثوذكسي، يعتمد في عمله اليومي على مساعدة جيرانه الذي يجندون وقت فراغهم في دعم مشروع الرجل ليستمر في عمله الذي يفيد منه المدينة بكاملها: الشباب الذين يتعاونون على ترتيب الرفوف وتنظيفها، وتدوين أسماء الكتب وعناوينها وتصنيفها بحسب موضوعاتها كي يسهل على القارئ الحصول على ما يريد بطريقة أسرع وأيسر.
كانت مكتبة السائح التي ولدت في فضاء حركة الشبيبة الأرثوذكسية، حيث تأسست في العالم 1970م صغيرة الحجم، لا تتجاوز غرفة واحدة فقط. دخلت المكتبة في مغامرة النشر، فقامت في العام 1980 بطباعة المنشورات الارثوذكسية. ومنذ العام 1981 بدأت بإصدار المنشورات الجامعة.
توالت الأيام والمطبوعات، فقرّرَ ثلاثة أشخاص تطوير مشروعهم بما تيسر لهم. فكانوا سمير مخول وطوني بولس وإبراهيم سرّوج يناضلون من أجل المكتبة.
مؤخرًا: شهدت مدينة طرابلس محاولة لتشويه صورتها، عبر قيام مجهولين بإحراق مكتبة السائح، الأمر الذي أدى إلى موجة استنكار عمّت المدينة. وكان الأب سروج كما كتبت جريدة السفير، تلقى تهديدات من مجموعات مسلحة في أسواق المدينة، قبل يومين، على خلفية اتهامه بإصدار بيان يسيء إلى النبي محمد، ولكنه أكد أن لا علاقة له بأي بيان، وقام بإبلاغ القوى الأمنية.
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، رفض إحراق المكتبة، معتبرًا أنّ \”أي إساءة إلى مدينة طرابلس وأبنائها، طرابلس كانت وستبقى مدينة العلم والعلماء. نحن أمة اقرأ ونرفض كل تصرف انفعالي يسيء\”.
الحديث عن إحراق مكتبة تعتبر جزءًا من هُوية مدينة طرابلس يثير أسئلة عديدة، قابلة للاستغلال واللعب عليها دينيًا وطائفيًا في وقت حرج في المنطقة العربية بعامة، ولبنان بخاصة. لكن ما قاله الأب سرّوج يعبر تمامًا عن انتماء الرجل لأرضه وثقافته: أنا كاهن رومي أرثوذكسي، أحمل لواء المسلمين وأجاهد معهم، كي يكونوا خير أمة أخرجت للناس.