صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ممثلوها خيبوا ظنها.. تشرين تشكو “شيطنتها” في ذكراها الرابعة

مع اقتراب مرور أربعة أعوام على أوسع احتجاجات ضد النظام عرفها العراق في تاريخه الحديث، تحدّث ناشطون عن تعرض الحراك التشريني إلى “شيطنة وتسقيط” من قبل ماكنة إعلامية داخلية وخارجية، وفيما اختلفوا في جدوى المشاركة في الانتخابات والدخول بالعملية السياسية، أكدوا أن ممثليهم في البرلمان ساهموا في تراجع التأييد الشعبي لتشرين بسبب تجربتهم “الفاشلة”.

مع الاحتفال بذكرى مرور أربعة أعوام على أوسع احتجاجات عرفها العراق في تاريخه الحديث، شكى ناشطون من تعرض حراك تشرين إلى “الشيطنة” و”التسقيط” من قبل ماكنات إعلامية داخلية وخارجية، وفيما اختلفوا حول جدوى المشاركة في الانتخابات والدخول بالعملية السياسية، أكدوا أن ممثليهم في البرلمان ساهموا في تراجع التأييد الشعبي لتشرين بسبب تجربتهم “الفاشلة”.

وانطلقت تظاهرات شعبية في الأول من تشرين الأول أكتوبر 2019، للمطالبة بتوفير الخدمات وإبعاد الفاسدين عن سدة الحكم، ووضع حد لنفوذ وسطوة الأحزاب على مقدرات البلد، لكن سرعان ما تحولت هذه التظاهرات إلى انتفاضة شعبية بدأت من بغداد وصولا إلى البصرة في أقصى جنوبي العراق.

ويقول الناشط محمد عفلوك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “انتفاضة تشرين واجهت أعداء داخل العراق وخارجه، إذ عملت أجهزة مخابراتية قمعية ووسائل إعلام ومدونات على شيطنة وتشويه هذا الحراك، لإيصال الناس إلى قناعة أن البقاء في البيوت أسلم، وهذه الشبكات والتنظيمات الإلكترونية رصدت لها ملايين الدولارات مقابل إظهار هذه الانتفاضة ورموزها بمظهر الحالم العبثي الذي لا يملك نهاية، لكن في الوقت نفسه أن هناك من مازال يؤمن بتشرين وأن هذا الوضع لن يدوم”.

وعمّن مثلوا تشرين في السلطة التشريعية، يرى عفلوك، أنهم “أحد أسباب تراجع الناس وتكاسلهم عن دعم الحراك لأن تجربة هؤلاء فاشلة ومريرة، انعكست آثارها على الشعب العراقي والمجتمع الناقم على السلطة بمردود سلبي ومحبط جعلهم يفقدون الأمل في العمل السياسي، سواء من تشرين أو غيرها، وهم سبب في تراجع الناس وابتعادها عن ساحات الاحتجاج”.

ويكشف أن “حلول ذكرى الانتفاضة في الشهر المقبل، سيشهد يوما استعراضيا للإبادة والمجزرة التي تعرضنا لها أيام الانتفاضة في 2019 ونستذكر الشهداء والجرحى وذوي الاحتياجات، مع عرض صور ولافتات تدين المجازر بحق الشباب، ونحن بالتأكيد لا نتوقع من السلطة السلام بل المزيد من البطش، فمن تتلطخ يده بالدماء لا يمكن أن تبرأ وتصبح يد سلام مرة أخرى”.

وشكلت هذه “الانتفاضة” نقطة فارقة في تاريخ العملية السياسية بعد عام 2003، وأصبحت أيقونة عراقية جمعت كل أطياف المجتمع ووحدت مطالبهم، خاصة بعد القمع الذي رافقها، وأدى إلى مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة 26 ألفا آخرين، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، بناء على دعوة المرجعية الدينية العليا في النجف، التي ساندت مطالب المتظاهرين، ما أدى إلى تكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة فيما بعد. 

لكن بريق “الانتفاضة” خفت نسبيا بعد تفشي وباء كورونا في العراق في شهر آذار مارس 2020، إلا أن خيام الاعتصام بقيت شاخصة في الساحات دون المساس بها من قبل القوات الأمنية لفترة وجيزة، ومن ثم جرت حملات لإزالتها بالكامل ودخلت بعض المدن مثل الناصرية بصراعات مع بعض الجهات المسلحة التي حاولت إزالة خيام الاعتصام، ومن ثم تم التوصل لقرار يقضي بإزالتها بشكل نهائي.

من جهته، يشير مؤسس ورئيس منظمة تشرين لحقوق الإنسان، علي الدهامات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “تشرين بعد أربع سنوات ما زالت حاضرة في الشارع والسياسة، وهناك من مثلها في أروقة البرلمان ومن سيمثلها في مجالس المحافظات مطالبين بما خرجت به الانتفاضة، فتشرين فكرة تزرع في الأجيال هدفها تغيير إدارة النظام وليس النظام نفسه، فنحن ندعم النظام الديمقراطي، لكن هذه الحكومة ومن سبقها أساءت لفكرة النظام”.

وبالنسبة لمدى تصالح تشرين مع الانتخابات المقبلة، يؤكد الدهامات أن “هذا التوجه غير متفق عليه، هناك قسم يرغب بالاشتراك في الانتخابات وآخر يرفضها تماما، وشخصيا مع التغيير السلمي لأننا لا نملك أي حل وليس لدينا القوة أو المال لمقارعة هذه الأحزاب، إذ سيكون خيارنا دخول الانتخابات والنجاح لإزاحة الطبقة السياسية الحالية بالتدريج”.

وعن مدى تأييد الشارع لممثلي تشرين في البرلمان، لا ينكر الدهامات أن “بعض تأييد الشارع تراجع عمن دخلوا في العملية السياسية، لسببين الأول؛ أنهم لم يمنحوا الفرصة ولم يسندوا فحتى عندما يحضرون إلى الاحتجاجات والاجتماعات يواجهون بالطرد والإبعاد، والسبب الآخر عدم استطاعتهم مجاراة الأحزاب، فمنهم ملتزم بمبدأ تشرين ومطالبها، لكنه لا يقوى أمام سلطة الأحزاب ونفوذها”.

وكانت حركة “امتداد” المنبثقة عن احتجاجات تشرين تمكنت من الفوز بـ9 مقاعد في البرلمان، بعد قرارها المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من تشرين الأول أكتوبر 2021، في وقت أعلنت فيه قوى تشرينية أخرى المقاطعة.

وبالنسبة، للانتخابات المحلية المقبلة فإن قوى تشرين، بحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، خيم عليها الانقسام والتشتت مجددا، في ظل امتناع جزء منها عن المشاركة، لتبدأ مرحلة “كيل الاتهامات”، كما جرى في الانتخابات الماضية، ما قد يضيع عليها فرصة المنافسة مع القوى التقليدية.

إلى ذلك، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تشرين مازالت موجودة في ضمير وقلب وعقل الشباب العراقي والشعب بكل فئاته وطبقاته وشرائحه، وهي موجودة طالما بقي الظلم والفقر والاستبداد وانعدام الاستقرار والبطالة”.

ويلفت إلى أن “تشرين إذ لا يمكن احتواؤها كما حصل في 2019 أو قبلها وبعدها عبر مواجهة الشباب بالقتل واستخدام القنص وغيرها وتوجيه اتهامات غير مشروعة وغير مسندة وعادلة للشباب العراقي الذي انتفض للدفاع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحرية التعبير”.

ويضيف فيصل، أن “الطبقة السياسية لم تنجح بعد 20 عاما في إجراء إصلاحات جذرية ومراجعات نقدية للسياسات الاقتصادية المتخلفة التي قادت البلد إلى كوارث وفقر وفساد مالي، وإذا لم تراجع هذه الطبقة السياسية ما ارتكبته من انتهاكات خطيرة في المعتقلات غير المشروعة وانتشار شبكات الجريمة المنظمة وبقية الكوارث، فإن تشرين ستلقى المساندة الشعبية دائما”.

ويتابع “من دون توصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى إجراء إصلاحات وتطبيق العدالة وسيادة القانون ستبقى تشرين قوة دافعة نحو المطالبة بالتغيير الجذري على كافة المستويات، لأن الثقة معدومة ومحاولة احتواء تشرين بالوعود الكاذبة لا يمكن أن يلغي فكرة أن الانتفاضة ممكن أن تنطلق في أي لحظة لمواجهة الظلم والعوز وانعدام الأمن”.

ويحيي ناشطو تشرين منذ 2020 ذكرى “الانتفاضة” سنويا، وسط تحذيرات أمنية وإجراءات مشددة، ومن المتوقع أن يعيد الناشطون هذه الوقفة الاحتجاجية في تشرين الأول المقبل، في بغداد والمحافظات.

إقرأ أيضا