انتهت “المنازلة الكبرى” بتشييع جنازة “الدولة العراقية”، كما يصف بعض النواب والخبراء في الشأن الأمني الاستعراض الذي شهدته العاصمة بغداد من قبل فصيل مسلح خارج إطار الدولة، مؤكدين أن ما جرى يحمل رسائل للقوى السياسية، وقد يستدعي “تدخلا دوليا”، في حين برر المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، الأمر بأنه نقل لبعض قطعات الحشد الشعبي، مناقضا بذلك ما أوردته هيئة الحشد ذاتها في بيانها الذي تبرأت فيه من أي أمر عسكري، فيما اكتفى رئيس الحكومة بتغريدة تدعو العراقيين لـ”الابتسام”.
ويقول النائب عن تحالف سائرون، رياض محمد علي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أي جهة خارج إطار القوات الأمنية، هي غير رسمية، لاسيما وان الحشد الشعبي مؤسسة تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، لكن الملفت في استعراض الفصيل هو استخدام عجلات تابعة للحشد الشعبي واسلحة متوسطة ومقاومة للطائرات، فيما كانت الحكومة على غير دراية بالامر، بل ومتفاجئة”.
وشهدت العاصمة بغداد يوم أمس الخميس، استعراضا مسلحا لجماعة تدعى “ربع الله”، وتجسد بعجلات دفع رباعي كثيرة وأسلحة متوسطة وثقيلة، وبمسلحين يرتدون زيا موحدا، وجاب الاستعراض اغلب واهم مناطق العاصمة بغداد، وحسب ما اعلن في البيان الذي قُرئ في الاستعراض من قبل الجماعة، فانهم خرجوا ضد تمرير حصة إقليم كردستان في الموازنة، فضلا عن دفع الحكومة الى تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الدينار.
وهذا ما برره المسؤول الأمني لكتائب حزب الله أبوعلي العسكري، صباح اليوم الجمعة، بالقول إن ما “تم نقل قوات من الحشد الشعبي التي نشرف على إدارتها ودعمها إلى أحد أطراف بغداد لأداء مهامها للدفاع عن بلدنا العزيز، وهذا النقل روتيني، ولا يحتاج للتنسيق مع أي جهة، وبسبب بعض العوامل الأمنية والفنية تغير مسار الرتل إلى وسط العاصمة. استثمر بعض الشباب المتحمس (غير المنضبط) هذا المسار ليعبروا عن مطالب حقة، لكن بطريقة غير مقبولة لنا”.
وأضاف العسكري “أما مفهوم ضبط السلاح فإن تم، فيجب أن يسري على الجميع دون استثناء، ونتمنى من الجهات الإعلامية والحكومية توخي الدقة في نقل الأخبار”.
ويضيف علي، أن “مثل هذه السلوكيات ستضعف موقف الحكومة سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا، خاصة وان بغداد مقبلة على قمة ثلاثية عربية بين العراق ومصر والاردن، وعليه فهي رسالة غير إيجابية”، مؤكدا أن “البيان الذي أذيع من الاستعراض فيه مجالات متعددة، فانه خاطب الولايات المتحدة والبرلمان بشأن الموازنة ووجه جزءا منه للبرزانيين ايضا، لكن ما حصل هو رسالة سياسية لكل من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والبرلمان والحكومة”.
ويلفت الى ان “الاستعراض العسكري وسيارات الحشد والاسلحة الحاضرة تمثل رسائل بعيدة”، مضيفا ان “تشويه صور احمد ابو رغيف، رئيس لجنة مكافحة الفساد خلال الاستعراض، وبحسب المعلومات فانها تخص صدور مذكرات قبض بحق شخصيات رفيعة المستوى، كما ان هناك خيوطا تخص التحقيق بملفات نزاهة وتفجيرات بغداد، وهذه جميعا لها علاقة بما جرى اليوم”.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لم يكن بمعزل عن ما جرى، فقد قال في تغريدة عبر حسابه الشخصي في تويتر “لقد لجأت الميليشيات إلى الاستعراض العسكري المسلح، والانتشار المكثف في العاصمة الحبيبة بغداد من أجل مطالب مثل صرف الدولار”.
ويبين أن “اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض ويجب على الحكومة الحيلولة لعدم وقوعه مرة أخرى”، مؤكدا ان “هذه الجهة التي قامت بالاستعراض إن كانت تنتمي للحشد فعلى الحشد معاقبتها، وإلا فإعلان البراءة منها”.
ويتابع “لعل تلك المليشيا تظن أنها ستنال تعاطف الشعب معها كلا فالعنف خارج عن تعاطف الشعب فكفاكم عنفا وأذى، وإياكم وكسر هيبة الدولة وخصوصا إن استعراضكم لم يك بتنسيق معها”.
وسرعان ما صدر بيان من هيئة الحشد الشعبي، نفت فيه “نفيا قاطعا وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد الشعبي داخل العاصمة بغداد، حسبما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام”.
ويبين أن “تحركات قوات الحشد تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة”، مضيفة أن “ألوية الحشد تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أن مديرياته تحمل التسميات الرسمية المعروفة”.
وحول ما جرى والمواقف الحكومية، يقول الخبير الامني العميد الركن المتقاعد أعياد الطوفان في حديث لـ”العالم الجديد” إن “ما جرى حسم الجدل على صراع البقاء بين الحكومة والفصائل المسلحة”.
ويؤكد الطوفان، أن “الاستعراض شكل المنازلة الكبرى، وانتهت لصالح الفصائل”، موضحا أن “الاستعراض استهدف القمة الثلاثية التي ستعقد في بغداد، فالقمة سيكون فيها ربط سككي وخطوط كهرباء وتطوير المنافذ الحدودية، وستشترك السعودية فيها أيضا”.
ويوضح أن “السيادة انتهت، وهناك خيبة أمل كبيرة وخاصة بعد حديث رئيس الحكومة، الذي قال ان هذه الافعال تريد تأخير العراق، ويجب ان نضحك لنبني البلد، فهل هذا رد من المسؤول الاول؟”، مؤكدا ان “الحكومة لا تملك القرار السياسي للمواجهة”.
ويشير الى ان “هناك كلمات أصبحت فارغة من معناها ومجوفة، منها وجود دولة وقانون وسيادة، فهذه الكلمات تم تشييعها وانتهت”، مستدركا “وإلا كيف يخرج الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة ويقول (فوجئنا بالاستعراض)، خاصة ونحن العسكر لدينا مقولة ذهبية وهي (توقع غير المتوقع)”.
ويستطرد “كيف خرج كل هؤلاء بعجلات واعداد كبيرة واسلحة متوسطة وثقيلة وبقيافة موحدة وجابوا اغلب مناطق العاصمة، هل نزلوا من السماء، أين القوات الامنية المنتشرة في العاصمة، ولماذا عند خروج كم متظاهر في ذي قار للمطالبة بالتعيين والخدمات تدفع الدولة بكافة قطعاتها الامنية وتجرى إبادة لهم؟”.
وزارة الداخلية من جانبها، وعقب اعلان الحشد الشعبي البراءة من فصيل “ربع الله”، أصدرت بيانا وفيه “في إطار المهام التنفيذية وواجباتها المنصوص عليها دستوريا المرتكزة بالأساس على حفظ الأمن والاستقرار وتعزيز السلم المجتمعي ومكافحة الجريمة والظواهر الخارجة عن القانون، تود وزارة الداخلية أن تبين أنها ماضية في عملها بجوانبه الأمنية والعسكرية والخدمية وسوف لن تدخر جهدا بالعمل الصادق والمهني بهدف إشاعة أجواء السلام واشعار مواطنينا الكرام بالطمأنينة وهيبة الدولة وعراقة مؤسساتها شاهدها في ذلك ملفات عديدة حسمت أغلبها ولا زال العمل جار في القسم الآخر منها وصولا إلى غلقه وحسمه وفقا للضوابط والإجراءات القانونية”.
وتبين أن “هيئة الحشد الشعبي هي مؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة التي تدعم جهود وزارة الداخلية وتساندها في كل ما يعزز السلم المجتمعي وترفض كل ممارسة أو توجه غير قانوني قد يقدم عليه البعض، وستضل الداخلية وكما عهدها أبناء الشعب العراقي صمام أمان العراق وسيادته وحفظ أمن واستقرار أبنائه”.
وفي خضم هذه “المنازلة”، افتتح رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مقر نقابة الصحفيين الجديد، واستغل الفرصة ليعلق على الاستعراض المسلح وسط العاصمة وسط غياب قوات الامن، قائلا “يجب ان نبتسم ونضحك كي نبني العراق، ووالله لن نخاف من أحد ونخاف من ضمائرنا فقط”.
وأكد في كلمته بحفل الافتتاح أن “الاستعراض هدفه إرباك الوضع وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي، وهناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة”.
الى ذلك، يرى النائب عن تحالف الفتح محمد البياتي، في حديث لـ”العالم الجديد” أن “الكثير من الفصائل لم تدخل ضمن هيئة الحشد الشعبي، وعليه لا يمكننا اتهام جهة معينة بالوقوف خلف الاستعراض الذي حصل الخميس بالعاصمة بغداد، خاصة واننا لسنا الحكومة لمعرفة من استعراض، فهي تعلم عبر مخابراتها واجهزتها الامنية”.
ويلفت الى ان “ما حصل يؤثر بشكل كبير على هيبة الدولة وشخصيتها اذا حصل من دون تنسيق وعلم الحكومة”، متابعا “ما جرى يعتبر حالة سلبية، حيث لو كان الامر كما في السابق بشأن ذهاب الفصائل للحدود ومقاتلة داعش، لكان مختلفا فهو حالة ايجابية، لكن الاستعراض والمسلحين من دون علم الدولة غير صحيح وعلى الدولة ان تحل هذه المشكلة”.
ومن جانبه، يشير الخبير الامني والستراتيجي عماد علو في حديث لـ”العالم الجديد” الى أنه “يجب ان ننظر للموضوع كنظرة شاملة للواقع الامني في العراق، خاصة وان صيغة التعامل السياسي بين القوى التي وصلت الى درجة استعراضات عسكرية تكررت في الاشهر الماضية، سواء من قبل التيار الصدري او كتائب حزب الله واليوم ربع الله”.
ويقول “هذه الاستعراضات العسكرية تؤشر الى أن هناك استعدادا لدى الاجنحة العسكرية التابعة لقوى ممثلة في البرلمان، باستخدام السلاح لفرض اجندات، وهذا بالتالي يهدد الامن والسلم الاهلي والاستقرار في البلد ويجعله بيئة طاردة للاستثمار، ما يعني اننا نتجه الى مصير مجهول”.
ويؤكد ان “هذه المسألة يجب التوقف عندها، فعندما يهدد السلم الاهلي ويصل الصراع السياسي الى لغة السلاح، سنصل الى لحظة التدخل الدولي، علما ان العراق ما زال تحت البند السابع في الامم المتحدة، وبأي لحظة ممكن ان يخضع للتدخل الدولي وهذا ما لا يريده اي عراقي وطني شريف”، مضيفا “لقد ضقنا ذرعا من التدخلات الدولية والمخابراتية الاقليمية”.
ويتساءل “أين الدولة.. فالدولة هي شعب وارض وسيادة وكيان واخلاق وقيم، وهذه كلها لم تحترم في البلد، كلها ألغيت مع وجود السلاح غير المسيطر عليه”، مستدركا ان “السلاح الذي نصفه بانه غير مسيطر عليه، هو بالحقيقة تحت سيطرة جهات مؤدلجة واصبح أداة للصراعات السياسية”.
ويختتم كلامه بـ”أي دولة يحدث فيها هذا الامر، يكون مصيرها الانهيار والتداعي ويصبح مصير أجيالها مجهول بالكامل”.
وجماعة “ربع الله”، نشطت على مواقع التواصل الاجتماعي وتم الترويج لها عبر منصات تابعة للفصائل المسلحة، وعرفت في الأوساط الشعبية بعد حادثة حرق مقر قناة دجلة الفضائية ومن ثم حرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، إضافة الى مهاجمتها محال بيع الخمور في بغداد.