ازوداجية العمل والنهج الحكومي، لم تترك خياراً للشباب في كربلاء، غير التوجه للمقاهي والكازينوهات، بعد أن طالت أيادي تجار المولات والمطاعم، منتديات الشباب التي عملت بأقسى الظروف وخرجت العديد من رموز العراق رياضياً وثقافيا وفنياً، أعرق منتدى شبابي في كربلاء تستولي عليه شركة مجهولة يسندها جناح مسلح، وملاكاته تُجبر على إخلاءه.
ويقول مدير شباب ورياضة كربلاء، عامر العامري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المنتديات التابعة لدائرتنا والتي منحت للاستثمار خلال الفترة الأخيرة، قد أنشأت منذ سبعينيات القرن الماضي، وكانت تلعب دوراً هاماً في استقطاب الشباب بمختلف الأنشطة والفعاليات الرياضية والفنية والعلمية وغيرها، وكثير من أبطال العراق من أبناء المحافظة كانت بداياتهم في تلك المنتديات لا سيما منتدى شباب الوحدة ومنتدى شباب كربلاء”.
ويضيف “منتدى الوحدة هو من التصنيف (أ) على مستوى محافظات الفرات الأوسط، وهناك أثر سلبي كبير جدا في منحه للاستثمار، إذ أننا نطالب دائما بدعم الشباب وجذبهم، ومقابل ذلك تؤخذ المنتديات منّا”.
ويؤكد العامري، أن “واقع الشباب والرياضة في كربلاء يُرثى له، إذ أننا ومنذ سنوات ننادي بدعم مؤسساتنا وتوفير متطلبات صيانتها ووسائل جذب الشباب، إلا أنه لا مجيب، واستمرت مشاكلنا ومعوقات عملنا دون حلول لا سيما بعد نقل الصلاحيات من وزارة الشباب والرياضة إلى الحكومة المحلية”.
يشار إلى أن العراق يشهد زيادة سنوية في عدد سكانه تبلغ مليون نسمة، وبحسب تصريح سابق للمتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، لـ”العالم الجديد”، فإن تعداد العراقيين الأخير هو 43 مليون نسمة نصفهم من الشباب.
بدوره يوضح مصدر مقرب من مديرية الشباب والرياضة في كربلاء، فضل عدم ذكر اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملف الشباب والرياضة في المحافظة، تشوبه الكثير من الشبهات، وهناك هدم للعديد من المؤسسات الشبابية، وهو أمر مقصود وممنهج ومخطط له بشكل واضح، والهدف هو التجارة والأموال على حساب المدينة وأبنائها”.
ويشير إلى أن “هيكلة مؤسسات الشباب في كربلاء، بدأت خلال حقبة وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد الحسين عبطان، ومدير شباب ورياضة كربلاء الأسبق علي شمس الدين الشهرستاني الذي أصبح فيما بعد مديراً عاماً لدائرة الاستثمار في الوزارة، وإستمر بهذا النهج”.
ويبين المصدر، أن “مؤسسات وزارة الشباب والرياضة بكربلاء أغلبها في المنطقة الأبرز بمركز المدينة وهو حي الحسين، الذي يصل سعر أراضيه إلى أكثر من عشرة ملايين دينار للمتر الواحد”.
ويتابع أن “منتدى شباب كربلاء، في منطقة باب بغداد وسط مركز المدينة، من المنتديات العريقة، وتخرج منه أبطال العراق بمختلف الرياضات والفنون، وبعد عام 2003 جرى ترميمه بمبلغ 200 مليون دينار، ومن ثم خُصص مبلغ 170 مليون دينار أخرى لترميمه مرة ثانية، ورغم ذلك لم تتم الاستفادة منه وترك مهجوراً لسبعة أعوام، في حالة مثيرة للشبهات بشكل واضح، ومن ثم منحت أرضه للاستثمار وتم تهديمه”.
ويلفت إلى أن “المنتدى النسوي في منطقة الجميعة، وسط مركز المدينة، كانت نسبة إنجازه 80 بالمئة لكن تم هدمه ومنحت أرضه للاستثمار وأصبحت مولاً تجارياً، وهناك إدعاء بإنشاء المنتدى النسوي على أرض صغيرة جوار المول، لكن لا يوجد شيئاً ملموساً لغاية الآن”.
ويستطرد “كذاك أرض المسبح الرياضي وهي بموقع مميز جدا في حي الحسين، ذهبت أيضا إلى الاستثمار منذ سنوات وبثمن بخس جدا ولفترة طويلة، وأصبحت الآن منتجعا ترفيهيا تجاريا”.
ويتابع “منتدى الثقافة والفنون في حي الحسين، هو الآخر تمت المباشرة بإنشائه وكان مخطط أن يكون من المؤسسات المميزة، ووصلت نسبة إنجازه إلى النهايات، لكن أهمل لأكثر من خمسة أعوام وأصابه الاندثار، ومؤخرا تم منح مرآب السيارات التابعة له للاستثمار، وهناك معلومات أن أرض مرآب السيارات الخاص ببناية مديرية الشباب والرياضة في حي الحسين، في طريقها للاستثمار أيضا، وستلحقها أرض القاعة الرياضية المغلقة في ذات المنطقة لتعطى إلى المستثمرين”.
وينبه المصدر إلى أن “الوزارة أنشأت بيتا للشباب على أرض تابعة لها في حي الحسين، ليكون فندقا للأندية والفرق الشبابية التي تشارك بالبطولات والمهرجات التي تقام في المحافظة، لكن تم منحه أيضا للاستثمار والإبقاء على جزء بسيط منه وهو في حالة معيبة جدا، فضلا عن أرض الاتحاد الوطني لطلبة العراق (سابقا) إذ طالها الاستثمار أيضا وهي بموقع مميز في ذات المنطقة الأغلى أسعاراً على مستوى المحافظة”.
ويواصل المصدر حديثه “هناك بناية ثانوية خلف مبنى مديرية الشباب في حي الحسين، استحوذت عليها منظمة مدنية تابعة لزوجة أحد كبار المسؤولين في كربلاء، إضافة إلى استحواذ إحدى تشكيلات مديرية شرطة المحافظة على نصف بناية منتدى قضاء الهندية (20 كم شرقي مركز مدينة كربلاء)، ومنتدى قضاء عين التمر (110 كم غربي مركز مدينة كربلاء)، هو بناية آلية للسقوط ومغلقة وربما ستذهب للاستثمار أيضا”.
ويختم المصدر، بالقول إن “آخر ما منح للاستثمار هو أرض منتدى شباب الوحدة في حي الحسين، وهذا المنتدى الأول على مستوى الفرات الأوسط، وعمره يناهز الخمسين عاما، وخرج منه الكثير من رياضي ومبدعي كربلاء، ويجري الآن إخلاءه ليستلمه المستثمر ويهدمه وينشأ مولا تجاريا”.
وشهدت أغلب المدن العراقية خلال السنوات الأخيرة موجات من افتتاح الكافيهات، حتى بات وجودها يشكل ظاهرة فلا يكاد يخلو حي سكني من أحدها بينما تتزاحم في المناطق التجارية، وأصبحت بديلا عن المراكز والمنتديات الشبابية.
من جانبه، ينبه مدير منتدى شباب الوحدة في كربلاء، ضياء الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “منتدياتنا تستقطب فئات مختلفة من الشباب وتزجهم بنشاطات وفعاليات رياضية وثقافية وعلمية وفنية كثيرة، ولدينا مختلف الألعاب والفنون، وقد ساهمنا بإيصال العديد من الشباب إلى مستويات عالية وتأهلوا إلى الأندية والمنتخبات”.
ويردف “كنا هناك حديث في وقت سابق حول منح أرض منتدى شباب الوحدة للاستثمار التجاري، لكننا فوجئنا بالتبليغ بأمر إخلائه وتسليمه إلى المستثمر، وهذا شكل صدمة لنا ولملاكاتنا”.
ويوضح الموسوي، أن “منتدانا من أكبر منتديات محافظات الفرات الأوسط، ويرتاده قرابة 400 شاب يوميا خلال الفترتين الصباحية والمسائية، ولم يعد بإمكاننا استقبالهم وسيتوجهون نحو الأماكن العامة والكازينوهات والمقاهي وغيرها”.
زيشدد “نحن كمسؤولين وموظفين سنغادر المنتدى عند وصولنا إلى سن التقاعد لكن هذه المؤسسة باقية للأجيال المقبلة وإغلاقها ومنح أرضها للاستثمار هو خسارة كبيرة لأجيال من الشباب حاليا ومستقبلا”.
ويختم الموسوي بالقول إنه “كان ينبغي تهديم بناية المنتدى وإعادة بنائه وتطويره، خلال فترة الوفرة المالية التي كانت لدى الحكومة خلال الأعوام الماضية، لكن لماذا ترك هو وباقي المنتديات دون دعم ولا اهتمام؟”.
وعلى الرغم من إعلان الحكومات المتعاقبة على مئات المشاريع في مختلف القطاعات الخدمية والترفيهية والسكنية وغيرها، إلا أن المشاريع التي تعنى بالشباب تكاد تغيب عن البرامج الحكومية، وخاصة في المحافظات.
وبهذا الصدد يقول مصدر مطلع آخر، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ملف منح أرض منتدى شباب الوحدة إلى الاستثمار جرى قبل أن يتسلم الوزير الحالي أحمد المبرقع مهام وزارة الشباب والرياضة، بل أن المبرقع ألغى صفقة الاستثمار وأبقى على المنتدى عبر المحاكم المختصة، وكانت المعلومات تؤكد نجاحه بهذا الأمر، لكن بعد كسب الدعوى القضائية من قبل الوزارة، تغيرت الأمور بشكل مفاجئ لصالح الشركة المستثمرة التي ما زالت هويتها مجهولة ولا يعرفها أحد”.
ويضيف أن “عملية تسليم موقع منتدى شباب الوحدة في كربلاء للمستثمر، جرت بشكل فوري ومن دون إشعار ملاك المنتدى لإخلائه بشكل مسبق، كما أن لجنة من الوزارة رافقت ممثل عن المستثمر ومعه شخص تابع لجهة سياسية تمتلك جناحا مسلحا وأجرت عملية تسليم البناية له مباشرة، مع وجود الموظفين خلال وقت الدوام الرسمي، وتركتهم في موقف صعب جدا، ومجبرين على إخلاء أثاثهم”.
تجدر الإشارة إلى أن معظم الاستثمارات لعقارات وأراضي الدولة، تذهب لصالح جهات أحزاب وشخصيات متنفذة سياسيا وقيادات في الأجنحة المسلحة للأحزاب والكتل السياسية، بحسب تصريحات للعديد من المسؤولين الحكوميين والنواب.
من جهته، يرى نقيب الفنانين في كربلاء، علي الشيباني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “منتديات الشباب هي مؤسسات لرعاية وتنمية المواهب، كانت وما زالت ترعى الشباب في أقسى الظروف التي مرت بها الدولة، وتحول تلك المؤسسات إلى مولات ومطاعم أمر لا يخدم الشباب، فالحضارة لا تأتي من البنايات والمطاعم والمولات، بل تبنى بالشاب الواعي فهم قادة المستقبل، وينبغي أن يكون بناء الإنسان قبل كل شيء”.
ويعتبر أن “منح أراضي منتديات الشباب في كربلاء للاستثمار بأنه دعوة واضحة جدا لأن لا يكون للشباب رعاية وتوعية وتنمية، وإن إغلاق تلك المنتديات هو بمثابة هدم مدرسة أو منبر علمي أو ثقافي أو رياضي، والشاب بدلاً من أن يذهب للمنتدى ليتعلم مهارت وفنون وثقافة، سيتوجه إلى المقاهي والكازينوهات والأمر ليس هين، إذ سيكون الشاب عرضة لكل شيء سلبي وهذا ضار حتى للآباء الذين سيعانون معنويا وماديا من أبنائهم.”.
وينتقد نقيب فناني كربلاء “ازدواجية الخطاب والنهج الحكومي، إذ أن الحديث عن التوجه لبناء البلد هو خلاف ما نراه من عمليات هدم للمؤسسات الشبابية المهمة، فهل يا ترى بناء الدولة بالمطاعم والمولات أم بالإنسان السوي والواعي”.
منتديات شباب كربلاء.. ضحية لشركات مجهولة وجهات مسلحة
2024-02-19 - تقاريرنا