من بيروت

العلاقة الثقافية بين العراق ولبنان، علاقة قديمة في ظاهرها متجددة في الممارسة، تفرضها معطيات كثيرة؛ منها ما هو تاريخي واجتماعي. فقد زارَ كبار العلماء اللبنانيين العراق لدراسة العلوم الدينية؛ (الفقه وأصول الفقه) في مدارس النجف والحلة، ثم طلبة لبنانيون في جامعات بغداد والموصل في أيام مضت ما زلنا نتذكرها بحسرة. العلاقة الثقافية المتبادلة، لا تقتصر على البلدين فقط، بل مع دول كثيرة، بحكم كون العراق المهد الأوّل لبدء الفرق الكلامية واللغوية: البصرة والكوفة، وأيضًا، نشوء المذاهب الإسلامية.
للعاصمتين: بغداد وبيروت تاريخ كبير. واقعيًا: بيروت الممتدة كلسانٍ في البحر تمتلك: طبيعة خلابة، ونساء جميلات، وبنوك كثيرة، وانفتاح على اخر قادم من دول عربية وأوروبية. مدينة تتحدث العربية، بوجوه أوروبية، تختزن الكثير من موحيات الكتابة التي كانت تملكها أختها بغداد في السبعينات والتي تنازلت عنها في العقود تلت لأسباب باتت معروفة. تلك عوامل مهمة ومؤثرة لقيام عاصمة عربية بمواصفات عالمية كما قال أدونيس في حديثه عن سنوات وجوده في بيروت. حضورالمثقف العراقي في بيروت، ولسنوات طويلة يميل دائمًا إلى الفردية في العمل: محاضرة ثقافية هنا، وأمسية شعرية، ومعرض للرسم هناك، بعيدًا عن العمل الجماعي والموجه لصناعة هُوية وطنية. سلوك المثقف العراقي مبرر في ظل تعامل السفارة العراقية معه، وكذلك الملحقية الثقافية في ثلاثة عقود لا يريد العراقي تذكر أوجاعها ومآسيها وخيباتها.
بعد افتتاح المركز الثقافي العراقي في بيروت حديثًا، وهو أوّل مركز من نوعه في أوّل عاصمة عربية، بدأت الثقافة العراقية تستعيد جزءًا كبيرًا من صورتها الحقيقية التي افتقدتها لسنوات، وإن كان العمل ليس بمستوى الطموح الذي نريد، نظرًا لأسباب تتعلق بالمدة الزمنية على تفعيل دوره، لا بأداء الكادر كي نكون صريحين في توصيف الحال وتشخيصه، بدءًا بمدير المركز الأستاذ د. علي العبادي، والأستاذ باقر عبد الكريم مدير العلاقات الثقافية، والأستاذ أمين ناصر وبقية العاملين. لدينا جالية ثقافية مهمة في بيروت، تضم أسماء كثيرة بعضها هاجرَ إلى بلدان فكان لبنان معبرًا، وبعضهم بقيَ مقيمًا وله حضوره المميز. منهم: د. فالح عبد الجبار، د. جواد الأسدي، د. عبد الحسين شعبان، الفنانة سحر طه، فرقد القزويني، سلام عمر، الروائية رشا فاضل، والفنانة هديل كامل، وقائمة طويلة من أسماء كثيرة يضيق بها المقام. أقول: لدينا أسماء مهمة وجديرة بإنتاج ثقافة عراقية حقيقية لقارئ عربي ينتظر منا المزيد.
الحديث عن العراقي داخل الثقافة اللبنانية موضوع يفضي بنا إلى علامات إستفهام كثيرة: كيف يتمَّ تسويق الثقافة العراقية: كتابًا وفنًا؟ ما هو دور وزارة الثقافة العراقية بعد الاحتلال في ذلك؟ وهل سيكون المركز الثقافي وجهاً حقيقًا لدعم نشاط المثقف العراقي واحتضانه؟.  عمل المركز الثقافي يدعو إلى التفاؤل. لكن الأمر يحتاج إلى رؤية واقعية أكثر، واستراتيجية واضحة على مستوى العمل. الإشتغال في عاصمة عربية، تُعتبر من أهم العواصم إعلاميًا، ليس بالأمر الهيّن، بل يفرض عليك ضبط إيقاع خطابك، تجنبًا للإنزلاق في تفاصيل لبنانية كثيرة.

إقرأ أيضا