وضع علاوي الطويل المسدس أسفل مقعد السائق، والبندقية الكلاشيكوف في صندوق السيارة تحت بطانية وضع فوقها دولاباً متهرئاً. فتح قنينة البيرة وأمر السائق بأن يحرِّك سيارته إلى منطقة حسينية الراشدية في أطراف بغداد.
كانت سيارة التاكسي التي تقلنا جديدة، لم يبدُ علاوي خائفاً أبداً، كانت الموسيقى المنبعثة من مسجل السيارة صاخبة، لكنه كان يدخن كثيراً، وصل أوّل سيطرة اعترضت طريقنا، ابتسم بوجه الشرطي، ونفذنا منها بسهولة، وكأن الأسلحة في السيارة لا وجود لها.
يعمل علاوي الطويل في بيع الأسلحة منذ العام 2004، يعرف جميع أنواع الأسلحة، حتى القديمة والنادرة منها، وهو لا يتوانى عن شراء أيِّ قطعة سلاح مربحة بالنسبة إليه.
ويتكفل علاوي، الذي تجاوز منتصف الثلاثينات، بإيصال السلاح إلى المشتري في أي منطقة في بغداد، حتى لو كانت ملغومة بالسيطرات، بحسب ما يقول، وأحياناً إذا كانت الصفقة مربحة بالنسبة إليه فهو يسافر إلى المحافظات، لكن الجنوبية حصراً.
اشترى علاوي مؤخراً منزلاً لكي يتزوَّج، أصبحت تجارة السلاح مربحة جدّاً بعد تفاقم الأزمة السورية، فأسعار السلاح ارتفعت إلى أضعاف، لكن المسدسات لم تعد تجارتها مغرية فأرباحها قليلة، كما يقول.
الذي يجعل يجعل علاوي ينجح كل مرة من تجاوز السيطرات دون ان يخضع للتفتش هي هويته الامنية، فهو شرطي في وزارة الداخلية، ولديه أحد الضباط الذين يدعمونه في حال تعرَّضه لأي مساءلة عن السلاح الذي يحمله معه من منطقة لأخرى.
يقول علاوي أنه لا يشتري سيارة، فهو يعتمد على سائقي تاكسي يعرفهم، ويمنحهم مبالغ مالية جيدة مقابل تهريب السلاح من منطقة لأخرى، ويؤكد أن الكثير من سائقي التاكسي يتمنون العمل معه، لأن المبالغ التي يمنحها مجزية.
كانت تجربة صعبة في أن تسير في سيارة فيها سلاح غير مرخص داخل بغداد المليئة بالسيطرات، لكن الوقوف على كيفية تهريب السلاح مهمّة، أصرَّ علاوي في بداية الأمر أن يحمل أكثر من كلاشنكوف إلى منطقة الحسينية، حيث يسكن تاجر كبير هناك يتعامل مع مهربين أسلحة في محافظة الانبار يبيعون السلاح إلى الميليشيات في سورية، لكن الخوف جعلني أرجوه بأن يخفّف من حمل الأسلحة في هذه الصفقة قدر المستطاع، وأن يجعلها صفقة خاسرة لو تطلّب الأمر.
قال علاوي ساخراً أنه في أحد الأيام هرّب أكثر من 25 رشاشاً نوع كلاشنكوف إلى منطقة الحسينية حيث فككها جميعها ووضعها في \”طقم قنفات\” جديد، وتوقّع أن يكون هذا الطقم في سورية الآن. أكد علاوي أنه يتعاطف مع الشعب السوري لما يعانيه من أزمات أمنية، لكنه يبرر بيعه للسلاح للميليشيات بأنه عمل مثل أي عمل آخر.
لم تعد تجارة السلاح بشكل مفرد مربحة، فالعائلات البغدادية لم تعد تريد شراء السلاح بسبب استتباب الأوضاع الأمنية؛ \”العشائريون فقط من يبحثون ويسألون عن السلاح بحسب ما يؤكد علاوي\”، ويضيف أن \”السلاح أصبح غالياً الآن، فالبندقية التي كانت تباع بمئة ألف دينار قبل عام ونصف، أصبحت تباع اليوم بمليون وأكثر، ما يجعل هذا سبباً آخر لعدم اقتناء العائلات للسلاح في منازلها\”.
وهناك الكثير من المنتسبين في سلك الشرطة يعملون في بيع الأسلحة، وأحياناً بإشراف وحماية ضباط كبار في وزارة الداخلية \”باجاتنا (الهوية العسكرية) تمنحنا أماناً كبيراً، لكن سيطرات وزارة الدفاع ترعبنا بسبب العداء بين منتسبي وزارة الداخلية ووزارة الدفاع\”، بحسب ما يؤكد.
وصلنا إلى منطقة الحسينية، كان الظلام يخيّم على كل شيء، لكن منزل المهرب بدى مهيباً وفيه أكثر من ضوء في الكراج، كان المهرب مبتسماً، قبّل علاوي. أنزل السلاح من السيارة وفحصه من دون أن يضرب أي طلقة في الهواء، طلب منه أن \”يشد حيله أكثر\”، وأكد علاوي أن لديه عدّة رشاشات في المنزل سيحضرها له قريباً.
لم يدر حديث طويل بين مهربي الأسلحة، فتلقيم السلاح بطلقة نارية يغني عن الكثير من الحديث.
يقول علاوي أن مهربي الأسلحة يخافون من الصحافة أكثر من الأجهزة الأمنية، ويضيف \”تجارة السلاح واسعة ونسمع عن شخصيات كبيرة في الحكومة تعمل فيها\”.
وعلى الرغم من أن السلاح أليف جداً بالنسبة له، إلا أنه لا يحتفظ لنفسه شخصياً سوى بكلاشنكوف مطلي بالذهب كان في قصر صدّام واشتراه من أحد \”الهواة\”، ومسدسه الذي منحته إياه الحكومة، ويؤكد أنه لم يستعمله إلا مرّة واحدة حين فاز المنتخب العراقي على المنتخب البرتغالي.