هناك تراكيب لغوية يتم استبدال الاحرف فيها فقط، ولكن معناها وسلطتها لا تتغير، مثلا \”بيان البيانات\”، تركيب من حقبة البعث مستمر في لغتنا ويمكن النسج على صوتيته ممّا يمنح كل جديد في التركيب المعنى المتعالي ذاته، والسلطة الصوتية الممتدة عبر العقود. شعرت بالحيرة في ايجاد صفة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح الذي انتهى قبل ايام، خصوصا ان المهرجان بدأ بالنسبة لي من العدد الجديد الذي صدر من مجلة آفاق ادبية مزامنا لافتتاح المهرجان، وكالعادة احتوى على 15 صورة لمدير دائرة السينما والمسرح وكالة، نوفل ابو رغيف، بالاضافة الى مقال عن الادارة الواعية لمعرض اقامته دار الشؤون الثقافية يتحدث فيه عن نوفل ابو رغيف ايضا. بعد ذلك بدأ المهرجان، وحضرنا كما الآخرين. وفي صالة استقبال المسرح الوطني تبادر الى ذهني التركيب التالي \”مهرجان المهرجانات\” لسبب بسيط وهو اللافتات الالكترونية المعلقة عاليا، والتي تتكرر فيها ابيات من احدى قصائد ابو رغيف والتي اعرفها جيدا، لانه قرأها في حفل افتتاح بغداد عاصمة الثقافة، حتى قبل ان يقرأ نوري المالكي كلمته. بعد ان تنظر بحرص ستشاهد صور مدير دائرة السينما والمسرح وكالة، والذي يفتخر في لقاء تلفزيوني انه يتولى هذا المنصب كما تولاه يوما ما يوسف الصائغ ولؤي حقي، والصور يرافقه فيها الكثير من الفنانين العراقيين والعرب، وهذه الصور ستجعلك تعيش مهرجان المهرجانات بصدق، فهي تحتل المساحة المخصصة للمعرض الفوتوغرافي، فيما تقف صور المسرح العراقي بعيدا وقريبا من دورات المياه!.
بدأ التركيب اللغوي يصبح الصق بالمخيلة الآن، خصوصا مع اعظم انجازات مهرجان المهرجانات، واقصد هنا \”جريدة المسرح\” فبعد تقليب صفحة أو صفحتين تجد هنا وهناك صور مدير عام دار الشؤون الثقافية وكأنها محاولة من المصمم لسد الفراغات الناجمة عن ضعف المتن المكتوب، ولكن المانشيتات كانت هي الاقسى، وتحديدا ذلك الذي يتضمن \”نوفل ابو رغيف .. فارس الكلمة والفعل\”، هنا بدأ تركيب \”مهرجان المهرجانات\” يصفق داخل جمجمتي وكان ذلك مؤلما حد التعب.
لم يعد من الممكن أن ينتهي \”مهرجان المهرجانات\” بصورة اخرى، فهناك صورة واحدة لا غير تجعل الامر صحيحا جدا ومنطقيا جدا وهي جائزة باسم المتحدث الرسمي باسم فعاليات بغداد عاصمة الثقافة، وكان ذلك محسوبا بدقة وجاهزا بالدرع وبقعة الضوء على المسرح والتصفيق لتكون لدينا لاول مرة في تاريخ المسرح العراقي جائزة باسم شاعر ينتمي للزمن الماضي والحاضر في وقت واحد، ويمكنه ان يكون اعلاميا واديبا واداريا وناشطا سياسيا!.
هل انتهى \”مهرجان المهرجانات\” ؟ لا اعتقد، الموضوع ببساطة يتطلب تجربة طويلة مع الضياع، لكي تعلم جيدا انه دائرة، وذلك بعد ان تلمس كل مساماته في عماك اللانهائي. اللغة، التي اورثوها الموتى قبحها، تضع بثورها على السطر قبل ان تجد الورقة احيانا، وتعيش على انتظام حزنك وغيبوبتك المعرفية كأي نوتة تحرك ايدي العازفين المتعبين لا من العزف، بل من التصفيق الذي لا يسمعون تكسر الايدي فيه.