صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

موسم التحالفات الانتخابية.. كيف تقلص الدور الإيراني؟ 

بدا الدور الإيراني المعتاد في موسم التحالفات الحزبية لدخول الانتخابات التشريعية العراقية ضعيفا أو منعدما هذه المرة، فبعدما كانت المواسم السابقة تحفل بالزيارات الإيرانية لجمع الفرقاء إلى طاولة واحدة، لاحظ مراقبون أن جملة أسباب قلصت هذا الدور، منها سيطرة الإطار التنسيقي على الساحة وغياب القوى المعارضة كالتيار الصدري، والمتغيرات الإقليمية، من غير أن ينسوا رحيل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، المعروف بتأديته هذا الدور.

ويرى الباحث في الشأن السياسي، مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدور الإيراني في ضبط إيقاع الأحزاب الشيعية في العراق كان فاعلا ومباشرا خلال السنوات التي أعقبت 2003، خصوصا في ظل وجود قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي لعب دور الوسيط والمنسق والضامن لوحدة القرار الشيعي”.

وقبيل أي انتخابات نيابية، كان الجنرال الإيراني سليماني يجري زيارات سرية وعلنية إلى بغداد من أجل جمع الفرقاء “الشيعة” إلى تحالفات وعقد تسويات سياسية، وذلك قبل أن تغتاله الولايات المتحدة في كانون الثاني يناير 2020 قرب مطار بغداد، وبعد أن تسلم الجنرال إسماعيل قاآني منصبه، حاول تأدية هذا الدور، لكن ظهر أنه لم ينجح كثيرا كسلفه.

 ومع اغتيال سليماني، يضيف التميمي، أن “الدور الإيراني تراجع تدريجيا، لا بفعل غيابه فقط، بل أيضا بسبب تصاعد الضغوط الأمريكية على طهران، والأزمات الداخلية التي تواجهها إيران، إلى جانب المتغيرات الإقليمية كضعف حزب الله، سقوط نظام الأسد، والقضاء على قوة حماس في غزة”.

ويتابع أن “كل هذه العوامل أضعفت قدرة إيران على التدخل الحاسم في الشأن العراقي، ما سمح بتزايد الخلافات بين الفصائل الشيعية، وغياب القرار الموحد، وبالرغم من أن طهران ما زالت تحتفظ بنفوذ مهم عبر بعض الجماعات السياسية والمسلحة، إلا أن قدرتها على رسم المشهد أو فرض تسويات كالسابق لم تعد بالقوة ذاتها، مما جعل الساحة العراقية أكثر تعقيدا وتداخلا”.

ونقلت وسائل إعلام عن مصادر من داخل “المطابخ الانتخابية” تابعة لقوى كبيرة في الإطار التنسيقي، إنهم يلمسون “تراجع إيران في مكاتبهم، إذ لا يشعرون للمرة الأولى بضغطها في رسم التحالفات، لكنهم موجودون فعلا لحماية الحلبة من الاقتلاع”.

وتراجع الدور الإيراني في العراق والمنطقة عموما، بعد انكفاء محورها في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتضعضع حزب الله في لبنان، بعد مقتل زعيمه حسن نصر الله بغارة إسرائيلية.

من جهته، يجد رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات أحمد الياسري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الدور الإيراني لم يتقلص أو يتمدد حتى الآن، إلا أن ركودا حصل بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وما ساعد على امتداد حالة الركود أيضا، سيطرة الإطار التنسيقي على ساحة القرار وعدم ظهور قوى عراقية مناوئة لإيران”.

ويضيف الياسري، أن “حالة الركود تعني تجنب تكرار ما حصل في سوريا وجنوب لبنان، وهذا هاجس تعيشه طهران، فالمحافظة على النظام لديها الآن أهم من المحافظة على النفوذ والفصائل، لأن هذه السياسة تدعم عمر النظام في إيران، لأن العراق سلة اقتصادية مهمة لها في تصدير المنتجات واستيراد السياح، فبقاء النظام العراقي صديقا لإيران في هذه اللحظة مهم جدا وأهم من أن تساهم الفصائل بإضعاف هذه الصداقة”.

ويشير إلى أن “التدخل والنفوذ الإيراني سيتضح أكثر بعد النتائج التي تؤول إليها المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، فإذا حصل اتفاق سيتم تحديد مساحة النفوذ الإيراني في العراق، وإذا لم يحصل الاتفاق النووي ستندلع مواجهتها مع أمريكا وإسرائيل وهنا سيتقلص النفوذ أيضا لأن العراق يريد أن ينأى عن هذه المواجهة، وهي تصر على أن تجعل الأخير ساحة حرب لها”.

وتنشغل طهران الآن بالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأت جولاتها الأولى الشهر الماضي في مسقط، بعد ضغط مارسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ تسلمه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن في الأسبوع الماضي، كشفت مصادر سياسية مطلعة، عن تلقي قادة الإطار التنسيقي، رسالة من الجانب الإيراني تتعلق بملف انتخابات البرلمان العراقي المقبلة، وقالت إن الرسالة أكدت على “ضرورة الإبقاء على وحدة كتل وأحزاب الإطار ما بعد انتخابات مجلس النواب العراقي المقبلة، وعدم تفرقة تلك القوى بسبب الصراع الانتخابي، لضرورة هذه الوحدة خلال المرحلة المقبلة ولمواجهة التحديات المختلفة”.

بدوره، يربط المحلل السياسي نزار حيدر، تقلص التدخلات الخارجية في رسم التحالفات الانتخابية، بغياب الصدر وعدم جدوى التحالفات، بالقول إن “زعيم التيار الوطني الشيعي الصدر لم يقرر خوض الانتخابات بشكل من الأشكال ولذلك لا أظن أن قوى الإطار التنسيقي ستخشى من شيء، لأنها ستنافس نفسها فقط”.

ويضيف حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التحالفات السياسية ما قبل الانتخابات لم تعد ذات معنى أو جدوى ولذلك نراها تتغير وتتبدل بعد الانتخابات بشكل جذري”، مشيرا إلى أنهم “قرروا خوض الانتخابات منفردين ليعودوا ويتجمعوا مرة أخرى بعد الانتخابات ليشكلوا بمجموعهم الكتل النيابية المعروفة الشيعية والسنية والكردية، لإعادة تموضعاتهم المذهبية والإثنية وحماية مواقعهم في الدولة”.

وكان الإطار التنسيقي، كشف السبت الماضي، عن عزمه المشاركة بالانتخابات النيابية المقررة يوم 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، بثلاث قوائم انتخابية تضم جميع القوى والكتل السياسية الشيعية المنضوية فيه.

ويعتقد حيدر، أن “دور طهران وبقية العواصم الإقليمية والدولية سيقتصر على تسمية الرئاسات الثلاثة، مع قليل من الاهتمام في تشكيل تفاصيل الحكومة التي تنتجها الانتخابات النيابية، وذلك يعود لسببين: الأول هو إلغاء قيمة صوت الناخب الذي يدلي به في صندوق الاقتراع، لأن هذا الصوت لا علاقة له بفوز المرشح حسب قانون الانتخابات، كما أنه لا علاقة له بتسمية الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة”.

والثاني، يرى أنه بسبب “تجاوز القوى السياسية للدستور في تسمية الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة، ففي الوقت الذي ينص فيه الدستور على طريقة الاقتراع السري المباشر لاختيار كل ذلك، كما نص الدستور على فكرة الكتلة النيابية الأكثر عددا، نلاحظ أن القوى السياسية توافقت على اعتماد ما تسميه بالنتائج المتوازنة والتي تعني القفز على نتائج صندوق الاقتراع واعتماد الأوزان السياسية من دون الاكتراث بالأوزان الانتخابية”.

إقرأ أيضا