ترجلت زينة (23 عاما) من سيارة أجرة صفراء، وطلبت من السائق الانتظار ريثما تعود له بالأجرة، أسرعت نحو شقة جارتها الواقعة في عمارة بشارع السعدون وسط العاصمة بغداد، واقترضت منها 10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات)، لتنزل مسرعة وتسلمه الأجرة.
زينة حالها حال الكثير من النساء اللاتي فقدن عملهن في المقاهي والكافيتريات العصرية المنتشرة في بغداد، ولم يجدن ما يقمن به لإعالة أنفسهن وعوائلهن، بعدما قامت سلطة المحافظة بغلق عدد منها لأسباب ترجعها إلى المحافظة على العادات والتقاليد في شهر رمضان الحالي.
النادلة التي لم تشأ أن تذكر مكان أو اسم المقهى التي تعمل فيه، تقول في حديثها لـ\”العالم الجديد\” أمس الاثنين، \”لقد توقفت عن العمل في المقهى الذي أعمل فيه منذ شهرين بسبب المخاطر التي نشعر بها من جهات مجهولة قد تلحق بنا الأذى\”.
وتضيف زينة \”بعد إغلاق عدد من المقاهي الآن بشكل رسمي بحجة شهر رمضان، تأكدت لنا تلك المخاوف، ما اضطرني للبحث عن عمل آخر في إقليم كردستان، حيث الاستقرار الاقتصادي والأمني\”، مؤكدة \”وقد أعمل قريبا في محافظة أربيل، لأني لا أستطيع الاستمرار بالاقتراض من الآخرين، والبقاء من دون عمل\”.
وتستفيض زينة في الحديث \”أنا أعيل نفسي بنفسي، فقد انفصلت عن زوجي قبل أكثر من عام، وأبي متزوج من امرأة أخرى غير أمي التي توفيت منذ سنوات، أما إخوتي فمستقلون بحياتهم ولا يسألون عني وعن احتياجاتي\”، مبينة \”أعيش في بيت خالتي التي لا تتحمل نفقاتي، ما جعلني أعتاد على ما أتقاضاه من العمل في المقاهي والكافيتريات\”.
وكان علي التميمي محافظ بغداد أمر بإغلاق المقاهي الليلية والأندية في رمضان، انطلاقا من قرار كان قد صوت عليه مجلس المحافظة السابق، كما يبرر التيار الصدري الذي ينتمي إليه التميمي، واعتمادا على شكوى سابقة لأهالي الكرادة من المقاهي الليلية والكافيهات التي تشغل البنات كنادلات كونها مخالفة للأعراف والدين.
لكن ردود الأفعال المستنكرة لم تتوقف من قبل مثقفين وناشطين مدنيين، واعتبروها مخالفة صريحة للدستور الذي يصون الحريات العامة، ولا يسمح بالتعدي عليها، فضلا عن أنه لم يحرم أو يجرم عمل النساء في المقاهي أو الأماكن العامة.
من جهتها، تشكو أم سيف (29 عاما) من توقفها عن عملها في المقهى الذي كانت تعمل فيه بمنطقة الكرادة، قائلة \”عملت في هذا المقهى منذ عامين، وكنت أعين زوجي الذي يتقاضى راتبا قليلا لا يكفي لمتطلبات أسرة تعيل طفلين وتسكن شفة بالإيجار\”.
وبانت علامات الأسف على وجه النادلة وهي تتساءل في حديثها لـ\”العالم الجديد\”، \”قل لي كيف سأتدبر معيشتي ومعيشة أولادي الآن بعد أن توقف مصدر رزقي الوحيد\”، موضحة \”كنت أحصل على أجر يومي بمقدار 25 ألف دينار (نحو 20 دولارا)، وكان كافيا لسد الكثير من نفقات العائلة\”.
وزادت \”أنا لا أجيد عملا آخر كي أقوم به، ولا أعلم إلى متى سيستمر هذا الوضع، فمع كل يوم تزداد عائلتي بؤسا\”.
وتعرضت المقاهي في بغداد وعدد من المحافظات الأخرى، إلى هجمات مسلحة راح ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء، معظمهم شباب.
ويعد العراقيون المقاهي متنفسا لهم في ليل رمضان، إلا أن تحولها إلى هدف جديد لأعمال العنف اليومية، اضطر روادها إلى ملازمة المنازل بعد الإفطار.
وغالبا ما يمارس رواد المقاهي في رمضان ألعابا شعبية، أبرزها لعبة \”المحيبس\” التي يتنافس فيها فريقان وتقضي بالعثور على خاتم يوضع في يد أحد أعضاء الفريقين ويغلق عليه. كما يقصد الشبان العراقيون المقاهي لمتابعة مباريات كرة القدم بسبب غياب الكهرباء معظم الأوقات عن منازلهم.
لكن الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي استهدفت المقاهي على مدى الأسابيع الماضية وراح ضحيتها العشرات خففت من حماسة العراقيين تجاه المقاهي.
وشهد مساء 13 تموز الحالي أعنف تفجير يضرب مقهى خارج بغداد منذ تفجير العامرية، حيث فجر انتحاري نفسه في مقهى \”كلاسيكو\” في الضاحية الجنوبية لكركوك، وقتل 41 شابا كما أصاب 35، وروى شهود أن المهاجم الانتحاري طلب السماح من رواد المقهى قبل ان يفجر نفسه.
وفي 17 تموز الحالي، فجر انتحاري نفسه في مقهى شعبي وسط الموصل، فقتل 6 أشخاص وأصاب 21، وأعلن تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم.