نادين البدير إعلامية بقناة الحرة عرفها المشاهد العربي عبر برنامجها \”مساواة\” هذا البرنامج الذي يناقش قضايا المرأة العربية وهمومها. نادين البدير قيل فيها وعنها الكثير كإعلامية عربية من بيئة خليجية لها خصوصيتها الاجتماعية تظهر بجرأة عبر قناة ليست عربية لتثير الجدل وتقول ما لم تقله الأخريات ربما.
هنا نسألها ونمضي معها عبر هذا الحوار إلى مناطق مهمة في مسيرتها وآرائها:
• كيف وجدت العمل مع قناة الحرة؟
– أتنفس الحرية في هذه المحطة الحرة. العمل بها مهني للغاية. حر للغاية. مستقل ويعتني بأدق التفاصيل. الأهم في هذه القناة الفريدة من نوعها بين المحطات العربية أن لا وجود للرقيب فيها. منذ بدأت العمل وحتى اليوم لم أسمع أحد المسؤولين يعترض على سؤال تم طرحه أو حلقة يجب أن تلغى. يمكنك القول ان الحرية مطلقة. لكن بالطبع العاملين في المحطة وأنا منهم تجمعنا قواسم واحدة ومنها الرغبة في تغيير المجتمع نحو الأفضل بطريقة تقدمية لا همجية ونشر الحريات والديمقراطية وتمكين النساء في العالم العربي وهو ما يتوافق مع توجهات القناة.
• اختارك لقناة الحرة؟
– هم اختاروني. كنت أكتب بمجلة المجلة السعودية، واستضافني برنامج المجلس وكان يقدمه وقتها الإعلامي الكويتي محمد الجاسم، انتشرت تلك الحلقة انتشارا كبيرا لأني طرحت أمورا لم يكن التعرض لها عادياً في ذلك الوقت. رآني القيمون على القناة وعرضوا علي العمل وكان بخاطري مشروع برنامج يخدم النساء فقدمت الفكرة وقبلت وتحمس لها الأستاذ سليمان أبو زيد مدير المحطة الإقليمي الذي شجعني كثيرا في البدايات وما زال حتى اليوم .. هكذا بدأت.
• حجم طموحاتك ما قبل الحرة وهل حدث تحول تمهيدا لمرحلة ما بعد الحرة؟
– طموحاتي تتمدد وليس لها حدود. قبل الحرة كان طموحي أن أعد وأقدم البرنامج الذي أعمل به الآن وهو مساواة. اليوم وبعد 4 سنوات من تقديم البرنامج أعمل على تحقيق ما تمنيته داخل الحرة، وهو الخروج من منطقة الخليج والحديث عن نساء منطقة الشرق الأوسط برمته، وهذا ما بدأته قبل حوالي 6 أشهر. صار البرنامج ذو أفق أوسع وأهداف أشمل. تغيرت الوجوه أمامي. وفي ذلك فائدة للمشاهدين والمشاهدات ولي شخصياً، حيث قمت أرسم خطوط الفرق بين ناشطات مجتمعي الخليجي والناشطات الشرق أوسطيات عموما. أن تستمع لقصة ناشطة عمرها 70 عاما يعني أن تستمد طاقة مذهلة. فحين أناقش سيدة عربية على أبواب الثمانين غير متحجبة وتتحدى كل من يقف بوجه حرية مجتمعها وبنات جنسها وتروي أحداثا عاشتها ومارستها في الخمسينيات أو الستينيات يشتد حماسي للبدء من جديد وأتغاضى بل أخجل أن أعير اهتماماً لأي نقد غير موضوعي وأي هجوم لاذع.
نحن على أعتاب 2014 ويجب أن تكون حدة الحركة النسوية قد ارتفعت عنها في الستينيات.. لكن مع الأسف النكسات تتوالى. والمرأة هي من يشدد على أهمية القضبان. جيل الشابات الجدد مستسلم تقريبا ويحتاج للاستماع لما فعلته المناضلات في بدايات القرن العشرين. يحتاج لمن يخبره بما شقيت عليه أولئك النساء ويأتي داعية يرتدي الجينز أو الجلباب ليحطم كل شيء والشابات يستمعن إليه ودموع الخشية تتساقط على الخدين ويقمن من الحلقة يبحثن عن قماش يغطين به خصلات الشعر.
طموحي اليوم أن تصل رسالة الأوليات لكل امرأة عربية.. وأن تتم توعيتها بأهمية التفرقة بين الداعية والنبي.
أما خارج نطاق الحرة وحقوق المرأة فأعمل الآن على كتابي الأول الذي آمل أن يكون على أرفف النشر بعد عدة أشهر.
• كل هذا الكم العارم من الهجوم وخصوصا في السعودية ضدك. بما وقفت أمامه؟ بالمراجعة.. أم بالغضب تجاه من هاجموك ولماذا؟
– مراجعة وغضب؟ أعرف خطواتي تماما وأؤمن بكل ما أفعل. لا أشعر بالخوف وأكره هذا الشعور.
لم أفعل شيئا بخصوص أي هجوم. إلى يومك تكتب مقالات ناقدة، بعضها مملوء بالشتائم لكني لا أفعل شيئاً. فالناقد يعترف عبر كلماته الموضوعية أو المتطرفة بمدى تأثيري.
وأنا أفكر أغلق رأسي أمام النسق الفكري السائد في المجتمع فلا تتأثر كلماتي بما يحدث حولي. وكذلك وأنا أكتب فلا أتهيأ لما سيقوله أحد. لم يحدث وأن فكرت قط بردة فعل أحد سواء كان تيارا أو حزبا أو حكومة أو مؤسسة دينية.
هناك الكثير من الكتاب والكاتبات ممن يخشين ردة فعل المجتمع أو غيرها لكني أعتقد أن الوظائف تملأ الدنيا، فمن ليس باستطاعته أن يكون جريئا ليسمي الأمور بمسمياتها ويطرح كل ما يدور بشفافية فلما الاستمرار بمجال الإعلام؟ النفاق أو الخوف لا مكان لهما في دنيا الإعلام الحقيقي. لكن مع الأسف فما يحدث اليوم أن كثيرا من الإعلاميين هم أو هن امتداد لشعراء البلاط بالأمس. يمدحون السلطان ويزورون الحقائق ويكرسون ثقافة الاستبداد.
وكما قلت سابقا بخصوص ناشطات العصر النسائي الذهبي، فحين أقرأ عن قوتهن، أخجل من أرواحهن حين ترى أن كل ما فعلنه قد ذهب هباء سدى. كيف لي بعدها أن أقلق من نقد أو شتيمة. هؤلاء يريدونك أن تتقاعس عبر سيل الشتائم فهم يعرفون أن المرأة العربية تهتم بألا يمس اسمها أحد. لكني أقول لهم استمروا في شتائمكم وهذيانكم وسأستمر في طريقي. يهمني أن تكون سمعتي جيدة عند أناس معينين أما مستخدمو الشتائم البذيئة فلم يمتلكوا السمعة يوما ليعلموا أهميتها.
إجمالا فحياتي لم تكن سهلة أبداً، بدأت بسجن اجتماعي عائلي، لكني الآن أحيا حرية لذيذة لأني حصلت عليها بيدي.
تغلبت في السابق على أي موانع صادفتني لأنني قررت في داخلي أني قوية وأريد أن أحيا حياة طبيعية مثل أي فرد عالمي. وعلى العكس كل معوق كان له دور دفعني للأمام.. حتى الشتائم ومحاولات تلطيخ السمعة منحتني دافع روحاني لأداء المزيد، اعتبرتها أدوات تكوين القوة ولم أعتبرها تحديات يمكن أن تهزمني يوما. لأني علمت وقتها أني مؤثرة بالفعل.
• هل تقارنين بين الحرة وبقية القنوات الإخبارية والسياسية العربية؟
– كما قلت لك الحرة حالة فريدة من نوعها فحتى الآن لم تتمكن أي فضائية أجنبية ناطقة بالعربية من منافستها، أما على مستوى القنوات العربية المحلية فالحرة منافس قوي على مستوى البرامج التي تتميز بحرية مطلقة وهذا ما تفتقده أعتى القنوات العربية المسيسة والمسيطر عليها من قبل الحكومات.
• ما حجم السقف الموضوع للحوار الآن في القنوات الفضائية وخاصة السياسية التحليلية منها؟
– كل قناة لها سقف رسمه السياسي، الإعلام العربي في مجمله يفتقد للموضوعية ولا أقول لك أن الإعلامي يجب أن يكون محايدا بصفة مطلقة لكن نسبة كبيرة من عمله تعتمد الموضوعية، أما الإعلام العربي فنسبة كبيرة من عمله تعتمد التحيز وتتبع مواقف حكومية.
اقرأ مقالات أشهر الكتاب المحليين ستجد آراء طريفة تملؤها التبعية. إذ لا يلبث أن يصدر الحاكم قرارا حتى يتسابق الكتاب لامتداح ذلك القرار رغم أنهم أنفسهم كانوا ينتقدون القرار قبل أسابيع أو أيام.
• اختيارك لضيوف برنامجك \”مساواة\” من أي منطلق يكون: لقناعتك بالضيف أو لشهرته وحضوره أو تأكدك من أنه سيخدم الموضوع المطروح للنقاش؟
– ضيوف مساواة من الجنسين لأن قضية المرأة بنظري يستحيل أن تتم داخل أسوار أنثوية محصنة دون وجود الرجل.
وفي السابق كان البرنامج معتمداً على الناشطين والناشطات في الخليج لأن البرنامج كان يعنى بقضايا خليجية بحتة. اليوم ومع التوسع في مناقشات عربية صارت نوعية الضيوف مختلفة. وصار التركيز في الحلقات على نساء متميزات بقصصهن وتجاربهن منهن وزيرات ومناضلات وعضوات برلمانات وفنانات ومخرجين ومخرجات وممثلات وكتاب وكاتبات وغيرهن من مختلف الدول، استضفت وزيرات وإعلاميات أمريكيات. وكذلك من المغرب العربي ومصر وكردستان والعراق والأردن وسوريا ولبنان.
• ألا ترين أن قناة الحرة تخدم الحرية الإعلامية والسياسية ولكن من زاويتها الأمريكية، أقصد بما يخدم المصلحة الأمريكية العليا في المنطقة وما يمهد للمشروع الأمريكونجلو في منطقة الشرق الأوسط ووجود إعلاميين عرب بها يجعلها تمتلك أدوات جيدة من داخل الطرف الآخر وهو العدو في نظر الولايات المتحدة الأمريكية \”العرب\”؟
– العرب الضعفاء لم يصلوا لمرتبة (أعداء) بنظر الولايات المتحدة.. أما قناة الحرة فتخدم الحرية الإعلامية والسياسية من زاويتها الإنسانية الحقوقية قبل أن تكون زاوية ذات جنسية شرقية أو غربية. هي قناة مستقلة وليس لها أي أجندة سوى أجندة نشر الديمقراطية والعدالة وحقوق المرأة في العالم العربي.
ما نفعله في قناة الحرة صنعناه بأيدينا العربية نحن العاملين والعاملات بها. هناك إدارة أمريكية لكن ليس هناك تدخل في العمل الإنتاجي. وعلى سبيل المثال فقد كنت أهدف لبرنامج يناقش التابوهات في حياة كل نساء الشرق الأوسط من أجل نشر توعية بضرورة المساواة بين النساء والرجال وتوعية المرأة بقوتها وإرادتها وحقوقها وأهمية نيل حريتها.
علمت أن ذلك النقاش مسموح به في قناة الحرة فانضممت بلا تردد للمحطة لأني عرفت أنه من المستحيل مناقشة ذلك في أي من القنوات العربية المحلية. هل كان لي أجندة لخدمة المصلحة الأمريكية العليا وقتها؟ أجندتي كانت خدمة المرأة والإنسانية.. وهكذا بقية من يعمل في هذه القناة.
أما عن المشروع الأمريكونجلو فلا وجود له سوى في مخيلتنا المليئة بصور التآمرات والتحديات الوهمية التي تواجه العرب.
• في عام 2004 ببرنامج \”خليك بالبيت\” حيث كان ضيف إحدى حلقاته الإعلامي المصري حمدي قنديل قال \”ما فيش موضوعية في الإعلام مطلقا\” توافقينه أم تعارضينه الرأي؟
– نعم إن كان قصده الإعلام العربي. أما بالنسبة للإعلام العالمي أو الغربي فليس هناك إعلام موضوعي بالمطلق، لكن هناك نسبة كبيرة وعالية من الموضوعية في الإعلام.. هذا الفرق بين الإعلام المهني الغربي والإعلام المسيس العربي التابع الخالي بالفعل من أية موضوعية.
• ما تابو المرحلة من وجهة نظرك؟
– الحقيقة هي التابو.. الحرية تابو تحرم مناقشته.. العدالة تابو.. نقد السياسي تابو. نقد الفتوى ورجل الدين تابو بل حرام ويدخل صاحبه الإعلامي جهنم.
• هناك من يقول ان الإعلام العربي يقوم بتفريغ الثوابت ولا يعكس الواقع ما رأيك؟
– لم أفهم ما المقصود بالثوابت. أتقصد النصوص والمعتقدات؟
إن كان هذا قصدك فالإعلام العربي صارت تحكمه الطائفية. الساسة. رجال الدين.
انظر إلى كم القنوات الدينية. وليس فقط الدينية بل حتى داخل القناة العادية هناك متسع لرجل دين يهذي هذيانا غير معقول وتنصت له مئات الألوف. فيما ليس هناك متسع لليبرالي لطرح ليبراليته. إضافة لظاهرة أخيرة هي ظاهرة الدعاة الإسلاميين الليبراليين الذين يجملون تطرف دعاة التسعينيات لكنهم في الحقيقة مكملين لهم ومتممين لسننهم المتطرفة بإطار من بنطلون الجينز واللحية الحليقة. كل ذلك بدعم إعلامي مجنون.