تعج البلاد منذ أيام وحتى اللحظة، بظاهرة “نبش الصور القديمة” عبر “الفيسبوك”، إذ لم تستثن من هذه الظاهرة أية فئة أو طبقة، ولا حتى الساسة ورجال الدين والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين.
طقس رمضاني جديد!
لم يدر في خلد حسين الجزناوي، الطالب في كلية الإعلام بجامعة بغداد، أن نبشه لصور الأصدقاء والأحبّة عبر “الفيسبوك” في رمضان قبل ثلاثة أعوام، سيتحول الى ظاهرة وطقس رمضاني، اذ يقول في حديث لـ”العالم الجديد”، ”في رمضان، وقبل أعوام ثلاث، عندما كنت في الصف الدراسي الأول بكلية الإعلام، وفي الامتحانات النهائية بالتحديد، قمت ودونما تفكير بالدخول لحسابات أصدقائي، والنبش في صورهم القديمة“.
ويضيف الجزناوي “كان ذلك قريبا من وقت السحور، وبعدما نبشت حسابين لا أكثر، سرعان ما انضم اليّ صديق آخر، لكنه بدأ النبش في حسابي أولاً، ثم اتفقنا بعيد ذلك، بنبش صور جميع أصدقائنا الطلبة في الكلية حتى بزوغ الفجر”.
ويضيف الشاب العشريني ”فوجئنا في اليوم التالي بأن ما فعلناه كان حديث الساعة، بل وأن جميع الطلبة كان يبحث عنا لمعاتبتنا، وبعد ذلك بأسبوع صار كل طلاب الكلية ينبشون صور بعضهم البعض، بل وزاد ذلك الحد حتى وصل إلى نبش صور الأساتذة“، لافتا ”ماهو مستغرب لديّ، أنني لم أكن أدري يوماً أن تلك الظاهرة ستصبح طقساً من طقوس رمضان السنوية فيما بعد، إذ اجتازت بقعة الكليّة وتحولت لعموم العراق في السنتين الأخيرتين، وفي رمضان بالذات”.
ترحيب ورفض
هذه الظاهرة، مثلها مثل الأمور الأخرى، قوبلت بالترحيب، مثلما جوبهت بالرفض أيضاً، فـ«همام دحام” (22 عاماً) يقول ”تقبّلت نبش صوري برحابة صدر، ولم تحدث لي أي انزعاج يُذكر، بل على العكس تجاوبت معها، وقمت بالرد على جل التعليقات بصورة فكاهية“، معتبرا أن ”من شأنها كسر روتين المنشورات المتكررة والمُملّة في ذات الوقت”.
ويعزو دحام حدوثها في رمضان، الى “الفراغ والوقت الطويل الذي يقضيه الناس في رمضان بالبيت بانتظار وقت الإفطار أو السحور، ولذلك فانهم يفعلون ذلك كي يجدوا شيئاً يُؤَنّسهم ويقتل الفراغ الحاصل لديهم“.
أمّا مريم عقيل (27 عاماً) فكانت على العكس من سلفها، لم تتقبل الموضوع، معربةً عن انزعاجها الشديد من الظاهرة،إذ تقول لـ”العالم الجديد”، ”لم أتقبل تلك الظاهرة، ولم أُولِها اهتماماً يُذكر، حتى لم أرد على تعليقات من رفعوا صوري القديمة، ولم أعرها وقتي“، مضيفةً ”هي حركة غير لائقة، وليست موفّقة في الوقت نفسه، فضلاً عن انزعاج الكثير منها”. وترجع سبب الظاهرة الى “كونها نابعة من الفراغ، ومن قبل أُناس لا شغل ولا عمل يُذكر لديهم البتّة“.
تعديل للخصوصية
هناك من نحى منحاً آخر، وهو خيار «تعديل الخصوصية»، ومن اولئك الذين سلكوا تلك الطريقة منهل فرج، (شاب جامعي) حيث يقول، ”ما إن رُفِعَتْ صوري القديمة، حتى سارعت في تعديل الخصوصية فوراً، وقمت بـ قفل الصور الخاصة بي؛ كي لا ترفع ثانيةً“.
ويوضح فرج ”فعلت ذلك، لأنها باتت تعبر عن مواقف حدثت في الماضي من خلال الكتابة فوق الصورة، أما عن عدم حذفي لها، فذلك لأن تلك الصور تبقى ذكريات جميلة، تشير إلى التغيرات الكثيرة التي حصلت وستحصل فيما بعد نتيجة تقدم السن“.
الإعلام حتى..
الإعلاميون لم يَسْلَموا، من ذلك أيضاً، بل إنها الفئة الأكثر تعرضاً لـ”النبش” من قريناتها، إذ تفسر الإعلامية خمائل الكاتب (مراسلة لإحدى القنوات الفضائية)، بالقول ”هي ليست سوى طرفة بين الأصدقاء، ومزاح لا أكثر، ولم تتعدّ تلك الخانة، وأنا شخصياً كنت جد مسرورة، ولم أنفر من الموضوع“.
وتضيف ”لقد رفعت لي الكثير من الصور، ولكن صورة واحدة جذبتني من بين كل الصور، وجعلتني أبتسم كثيراً وقتما رُفعَتْ، وهي صورة لي التقطتها شتاء 2016 في مدينة الصدر، وسط المياه وأنا في الشارع، خلال إحدى تغطياتي الصحفية، حيث كانت المنطقة غارقة بالمياه، ومنظري وسط المياه وهي تصل لنصف جسدي كان هستيرياً للغاية، ما جعلني أضحك بشدة وقت رؤيتي لها الآن بعد عامين على نشرها“.
للأساتذة نصيب من ذلك!
”نحن في الوسط الأكاديمي أيضاً لم نسلم من تلكم الظاهرة، ولكن هذه المرّة بصورة أخرى؛ فمن قام برفع صورنا القديمة ونبشها هم طلابنا الذين نُدَرّسهم وليسوا أصدقاءنا من الأساتذة“ هكذا يبتدئ حديثه التدريسي في كلية إعلام بغداد، الدكتور وسام فاضل، ليصنفها “كنوع من الدعابة المحببة”.
ويتابع فاضل ”هي ليست بسيّئة، وهي حتماً تحدث من باب المجاملة ولا شيء غير ذلك، ثم هم بالطبع يودّوننا ولذلك يفعلون ذلك، لأنها صور نشرناها نحن، ولو كان فيها إشكال؛ لما نشرناها في وقتها من الأصل، ولا جعلنا حساباتنا متاحة للجميع“، منهياً حديثه ”هناك عدّة خيارات متاحة إن كان الموضوع لا يعجب شخصا ما، مثل قفل الصورة أو حذفها وما شابه، ولكنني متيقن من أن الظاهرة هي كما أسلفت دعابة وليست بقصد الإنتقاص أو الاستصغار“.
نبش صور العبادي!
الظاهرة تفاقمت بسرعة لتصل الى أعلى هرم في السلطة، فمع انتشار هذه الظاهرة خلال الأيام الماضية من شهر رمضان، عاد بعض المواطنين لنبش صور رئيس الوزراء حيدر العبادي القديمة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، التي سبقت توليه المنصب في 2014 ورفعها من جديد.
ويعرف عن العبادي نشاطه المستمر على “فيسبوك” و”تويتر”، وقد ينشر صوراً، أو يرد على بعض التعليقات.
في الأخير، يبدو أن هذه الظاهرة الجديدة لدى الشعب العراقي، (بالنظر لتكررها للسنة الثالثة توالياً في شهر رمضان)، قد أضحت طقساً جديداً من طقوس ذلك الشهر، أكثر مما هي مجرد كونها هواية أو ما شابه.