في الغرب وكما هو معلوم تم فصل الدين عن الدولة بهياكلها السياسية والقانونية رغم استناد القوانين الوضعية على التشريع الديني، ولم تكن حقوق الإنسان واضحة في ذلك الفصل فقد تم نقلها من العهدة الدينية إلى عهدة الدولة حتى قيام مفاهيم الديمقراطية والعقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وتوج كل ذلك بلائحة حقوق الانسان، التي تجوهرت حول انتزاع حقوق الإنسان من الدولة فتحولت الدولة من خزان للحقوق ومصدر للواجبات إلى تأدية حقوق المواطن. وهذا في مجال التاريخ الإسلامي توفر بعضه في العصر العباسي إلى حد ما ورغم ذلك فدعاة الإسلام السياسي الجدد لا يحبذون الفصل بين الدين والدولة، بل انهم ركبوا مشروع الديمقراطية للوصول إلى الحكم واعادة الدمج بين الدولة والدين دمجاً غريباً تتعدد فيه سلطة الدين حكومة ومليشيات تأمر بالمعروف والنهي على المنكر وتفسيرهما واضخ فالأمر بالمعروف هو شطب كامل لحقوق الإنسان على طريقة اليوناني \”بروكسيت\” يقوم بتطويل الناس وتقصيرهم وفقاً لمقاس سريره، فيقطع من طويل القامة ما يراه زائداً ويخلع مفاصل القصير القامة كي يصبح مناسباً لسريره، وهكذا انتشرت اسّرة الإسلاميين وسرير معروفهم وما ينكرون في مصر والعراق، وفي العراق وفي عاصمته بغداد التكسير والتطويل البروكسيتي قائماً على قدم وساق والفاعل معلوم عند العامة ومجهول عند السلطات التنفيذية والقضائية، وفي مصر أراد الإسلاميون تبليع موس معروفهم ونجحوا بعض الشيء حتى جاء يوم الثلاثين من يوليو ليعيد الاعتبار للعقل المصري وحيويته، الأمر الذي جعل صديقنا الكبير أدونيس يعود إلى مقالته التي حذر فيها من انقراض العرب ليقول بإمكانية ولادتهم هذه المرة إذا تفهموا بأن الفصل بين الدين والدولة ليس كفرا،ً وبأن الديمقراطية هي الاعتراف بالآخر بصفته مواطناً والتحرر من العنف والقتل النظري للآخر وإعطاء الغالبية النسائية حضوراً مسؤولاً في الحراك السياسي، وغير هذه وتلك من النقاط الحيوية التي ذكرها الشاعر والمفكر أدونيس، فهل يسمع الإسلاميون ايقاع الاحتجاجين، الثقافي والديني ايضاً فالإسلام جعل الإنسان غاية والدين وسيلة.
في وضعنا العراقي، الدولة والدين يتجاذبان حقل الحقوق فلا الدولة قادرة على حسم توجهها الحداثي ولا رجال الدين بتشتتهم الفقهي يستطيعون معالجة الهوة الفاصلة بين استنتاجاتهم الفقهية وبين الحداثة.. وتكمن الخطورة في هذا الوضع حين تصبح الدولة وقوى الإسلام السياسي يتنافسان في تمثيل الإسلام، وهو الأمر الذي حذر من خطورته المستقبلية الباحث حامد نصر أبو زيد.. والمصيبة في هذا التنافس في نتائجه التي ستكون حتماً على حساب حقوق الإنسان وقد تجسد هذا في التشدد الذي ووجهت به ظاهرة الإيمو من قبل وزارة الداخلية والتيارات الدينية ومليشياتها رغم ان المرجعية العليا في النجف وقفت بالضد من التوجهين وامتداداتهما التنفيذية في الأحياء الاجتماعية وفي المدارس حيث سنشهد ذلك التواطؤ المريب لوزارة التعليم .وهناك ملاحظة حول سعي الوزارة المذكورة إلى توسيع كليات البنات وصولاً إلى الفصل النهائي بين الذكور والإناث والتزام الزي الشهير والمقبول عند معروفهم وما ينكرون. وفي هذا السياق أود العودة إلى تقاطع هذا مع لائحة حقوق الإنسان، حيث نقرأ في المادة رقم 18 التي تثبت، \”لكل انسان الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية التعبير عن ديانته أو عقيدته وحرية الأعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك سراً أو مع الجماعة\”.
ويقول دستورنا الموقر مستجيباً لبعض ما ورد في هذه المادة \”تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني 35\” وتقول المادة 40 من الدستور العراقي \”لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة..!.. فعلى ماذا يستند هذا التيار الديني أو ذاك في مخالفاته الصريحة للدستور وفي تجاوزه للقانون وتنفيذه لإجراءات الغاب في بلد مازال يئن من مسلكيات أمراء القطاعات والجيش الشعبي وكيف يسمح رجل دين لنفسه ان يكون وصياً على سلوك الآخرين، ولو طبقنا قواعد التحليل النفسي عليه لظهر انه الأخطر على جوهر العدل الإلهي وبلباس ديني!..
والشريعة الإسلامية ليست خالية من قوانين متعددة تضمن توافر الحقوق خصوصاً –حق الحياة، سلامة الجسد، الحرية، المساواة في المعاملة،حماية الملكية الخاصة، حرية الضمير، الزواج، سماع أقوال المدعى عليه قانونياً، براءة المتهم حتى تثبت ادانته، لا عقاب بدون سابق انذار، الحماية من التعذيب، حق اللجوء كل هذا كان مقروراً قبل 1400 عام، فأين ينام الغافلون؟!