العراق بلد النخيل والبساتين، وسمي قديما ارض السواد لكثرة بساتين النخيل فيه، إلا ان دوائر البلديات في المحافظات تصر على استيراد نخيل من البلاستك لتزين به شوارع المدن لتضفي البهجة والسرور على المواطن العراقي، خصوصا وان نفسيته قد تعبت من كثرة التفجيرات، وقلة فرص العمل والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وكثرة الشتائم بين السياسيين في القنوات الفضائية، وما أصابه من خيبة امل بعد ان اخلف السياسيون الوعد ونكثوا العهد، ولم يتمكنوا من تقديم الحل للأزمة السياسة المتفاقمة والتدهور الخطير في الملف الامني والعجز عن تقديم الخدمات البسيطة للمواطن العراقي.
نخيل من البلاستك لا جمال فيه ولا روعة، ينتصب في مداخل المدن والجزرات الوسطية، وشوارع المدن المليئة بالمطبات والحفر، ونشرات ضوئية تزين ذلك النخل في ظل نقص حاد بتجهيز الطاقة الكهربائية للمواطن العراقي الذي سئم حياة الظلام والوعود والكذب والاستخفاف به وبحياته.. نخيل من البلاستك هو آخر ما تفتق ورعف به ذهن المفسدين، فالعمولات ستكون كبيرة وستمتلئ الجيوب والحقائب وستكثر العمارات والسيارات وتكبر الكروش…. نخيل من البلاستك صنع خارج العراق وتم استيراده الى بلد المليون نخلة بالعملة الصعبة. فهل من غرابة في ذلك؟ الامر ليس غريبا، لكن الغريب ان تصر الجهات البلدية على عدم زرع اي نخلة عراقية من الخضراوي او البرحي او الشكر الى جانب النخيل البلاستيكي، والغريب ايضا ان تصر تلك الجهات على صيانة وتبديل التالف من النخيل الصناعي وما يقتضيه من مصاريف كبيرة في حين لا يحتاج النخيل العراقي سوى حفرة وسقي لشهر واحد فقط.
ان ما يكلفه شراء نخلة صناعية مستوردة يعادل 3 اضعاف شراء نخلة حقيقية متوفرة لدى اصحاب البساتين العراقيين وبسعر 1000 دينار عراقي للفسيلة الواحدة من نخيل \”الخضراوي\” او \”الشكر\” وهي من ارقى واجود انواع النخيل العراقي، في حين يحتاج استيراد النخيل البلاستيكي الى مبالغ طائلة من شراء ونقل ولجان متابعة ومستوردين وبدلات سفر، اضافة الى حاجته الى قواعد كونكريتية لتثبيته وما تحتاجه تلك القواعد من اسمنت واجور عمل وصيانة دائمة ومستمرة، خصوصا ان الاجواء العراقية والظروف البيئية لا تناسب هكذا نوع من \”النايلون\” فكيف اذا كان\” النايلون\” المعاد، والمستورد \”يشتري من غير وجع كلب\” ولا يؤنبه ضميره لإتلافه أموال العراقيين بشكل عشوائي وغير مدروس.
ان النخيل العراقي رخيص الثمن جميل المنظر وله فوائد بيئية وصحية، بالاضافة الى المردود المالي المتحقق مما ينتجه من ثمر وفسائل يمكن بيعها والاستفادة منها في اكثار النخيل في البلد، وتشجيع اصحاب البساتين على العناية بنخيلهم بعد ان تصبح فسائل النخيل مطلوبة في السوق، وتوفر لهم مردودا ماديا لا بأس به.
ان على الجهات الرقابية في البلد ان تحقق في هكذا صفقات فاسدة ومريبة على اساس اتلاف المال العام في غير ذي نفع، واحالة كل من يتعمد ترويج هكذا صفقات الى القضاء ومراقبة صفقات الدوائر الحكومية وتقيمها من حيث الفائدة والضرر ومدى اهميتها وقدرتها على تطوير وبناء البلد.