نظام صحي متهالك.. قصة الموت في مستشفيات المثنى

كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء بتوقيت محافظة المثنى حين اصطحب الشاب ضياء صياح، صديقه إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة اضطرته إلى الصراخ من شدة الألم من دون أن يعرف أحداً سببها وأعراضها، وبدلاً من علاجه فارق الحياة بسبب حقنة خاطئة، وفيما تنفي دائرة صحة المثنى وجود إهمال طبي، يؤكد عاملون في القطاع الصحي تردي الخدمات الطبية في المحافظة.

ويقول ضياء صياح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “صديقي بدأ الصراخ من الألم بشكل مفاجئ اصطحبته إلى مستشفى الحسين التعليمي وسط مدينة السماوة، ودخلنا قسم الطوارئ وسط ضجيج المراجعين وعدم اتساع المكان وقلة الأسر، وبعد طول انتظار عثرنا على سرير بيستلقي عليه الشاب المريض (25 عاماً)”.

ويضيف “قام الكادر الطبي بزرقه حقنة وإعطائه المغذي، لكنه بدء يتقيأ دما، فذهبت مسرعا للكادر الطبي لإبلاغهم بذلك ولكنهم لم يجدوا حلا حتى توفي بسبب عدم وجود طبيب مختص يشرف على الحالة وترك الأمر بيد الممرضين الذين لم يقوموا بإجراء تحليل مختبري له أو التقاط أشعة”.

يشار إلى أن معظم المستشفيات الحكومية في العراق شيدت قبل أكثر من ثلاثة عقود، ومن ضمنها المستشفى المركزي الوحيد في المثنى الذي أنشأ في ثمانينيات القرن الماضي، ولم تشهد المحافظة بعد عام 2003 افتتاح أي مستشفى جديد على الرغم من ازدياد عدد السكان الذين ناهزوا المليون نسمة تقريبا؛ بحسب تقديرات وزارة التخطيط لعام 2023.

ويعاني مستشفى الحسين التعليمي من نقص في الكوادر الطبية المختصة والمستلزمات العلاجية والأجهزة المهمة مثل الرنين والمفراس، إضافة إقلة الأقسام التي تعنى بالأمراض المزمنة والخطرة مثل السكري والسرطان وغسل الكلى؛ حيث يضطر المراجع الانتظار لأيام لتلقي العلاج أو يضطر إلى السفر خارج المحافظة للحصول على العلاج اللازم، أو اللجوء للمستشفيات الأهلية.

بدوره يؤكد الشاب العشريني مرتضى طالب، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “تعرضت لحادث سير مميت وتم نقلي إلى مستشفى السماوة الحكومي ليلاً لكنني بقيت متروكا كجثة هامدة ولم يلمسني أي شخص من الكوادر الطبية، رغم النزيف الحاد والكسور المتعددة في مختلف مناطق جسمي، وكانت حجتهم لا نستطيع أن نجري جميع العمليات بوقت واحد، بل كل أسبوع نجري عملية واحدة فقط حيث يجب الحجز مسبقا”.

ويوضح “قالوا لي إذا كنت مضطرا فعليك التوجه للمستشفيات الأهلية، فاضطررت إلى الذهاب لمستشفى أهلي وهناك وجدت الطبيب نفسه الذي أبلغني في مستشفى السماوة الذي نصحني بالذهاب للمستشفى الأهلي، وقام بإجراء العملية لي”.

وكان وكيل وزارة الصحة خميس السعد، قد أعلن في 18 تموز يوليو 2023، عن تشكيل لجان تحقيقية للنظر بشكاوى المواطنين بخصوص الواقع الصحي في المثنى، مؤكداً أن الوزارة قررت إرسال فرق إدارية وفنية لتشخيص الخلل في الخدمات المقدمة للمواطنين في المؤسسات الصحية.

من جانبه، مصدر في دائرة صحة المثنى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مدن محافظة المثنى وبالأخص قضاءي الرميثة والخضر اللذان ينافسان مركز المحافظة بعدد السكان والقريبان من مدينة السماوة، يعانان من نقص في المستشفيات والمراكز الصحية والمستلزمات العلاجية وقلة سيارات الإسعاف، وجهود الصحة لا تتعدى توفير اللقاحات والعلاجات البسيطة في تلك المدن”.

وهو ما يتفق معه المسعف الفوري في مستشفى الحسين التعليمي عيسى بارق (اسم مستعار)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المستشفى يعاني من نقص في الأجهزة المهمة مثل الرنين وغيرها، وإذا المراجع التقاط أشعة فعليه الانتظار أكثر من شهر أو دفع مبلغ 50 ألف في القسم الخاص لتصبح مدة الانتظار أسبوعا واحدا، إضافة إلى شح في العلاجات مثل الحقن والمغذيات وهذه أبسط الأمور التي يقوم المريض بجلبها من الصيدليات الخارجية”.

ويشير إلى أن “المشكلة المهمة في دائرة صحة المحافظة هي قيام بعض الجمعات التابعة لأحزاب مسيطرة تقوم بتعيين مديرا ضعيفا من خارج المثنى يسهل التحكم به لتنفيذ مصالحهم الخاصة”.

غير أن دائرة صحة المثنى تنفي هذه الاتهامات وتنكر وفاة بعض المراجعين جراء الإهمال الطبي، وكذلك لا تقرّ بقيام المراجعين بشراء الأدوية من الصيدليات الخارجية، حيث أكد عبدالله عبد الحسن، مسؤول في إعلام الدائرة، أن القطاع الصحي بالمحافظة في تحسن ضمن خطة وضعت مسبقا، وأن هناك حزمة من المشاريع الصحية في مناطق متفرقة من المحافظة خصوصا الريفية منها ووصلت نسب الإنجاز فيها إلى أكثر من 90 بالمئة.

ويبين عبد الحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حالات الوفيات عادة تكون بسبب خطي طبي وفي حال حدوثها فإن الدائرة تتخذ الإجراءات القانونية والإدارية كافة إذا ثبت تقصير من الطبيب”.

وينبه إلى أنه “بالنسبة للأمراض المزمنة توجد العديد من المراكز التخصصية التابعة للدائرة، منها مركز خاص بمرضى السكري، ومركزي الأمل والحياة، والرحمة الخاصان بغسل الكلى داخل المستشفى العام، إضافة إلى ردهات غسيل الكلى في كل من مستشفى الرميثة العام، ومستشفى الخضر العام، والعمل جار على إنشاء مركز خاص بالأمراض السرطانية، إضافة إلى ردهة الأورام السرطانية في مستشفى الحسين التعليمي”.

وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في العام 2012 عن المباشرة ببناء المستشفى الألماني بسعة 400 سرير في مدينة السماوة، إلا أن العمل شهد توقفا مع اجتياح تنظيم داعش لعدد من المدن العراقية، ثم عاد العمل به بعد عدة سنوات، ليتوقف مرة أخرى لغاية العام 2020، وكشفت دائرة المهندس المقيم لمشروع المستشفى أن نسبة الإنجاز تناهز 96 بالمئة في الأعمال الإنشائية، ونسبة 50 بالمئة في الأعمال المعمارية، و60 بالمئة في الأعمال الكهربائية والميكانيكية.

وللوقوف على أسباب التلكؤ وما إذا سيتم إنجاز المستشفى الألماني، تواصلت “العالم الجديد”، مع مسؤولين في المحافظة وكذلك مع عضو الفريق الطبي في وزارة الصحة ربى فلاح،  إلا أنها لم تتلقى أي رد من الطرفين.

تجدر الإشارة إلى قضاء السلمان الذي يقع على الحدود العراقية السعودية ليس فيه سوى مركز صحي واحد لتقديم الخدمات الطبية لأكثر من 10 آلأاف مواطن.

ويذكر الناشط المدني فهد والي شيال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من المشاكل التي يعاني منها قضاء السلمان وسكانه الواقع الصحي ونقص الكادر الطبي وكذلك النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية وهذا يسبب معضلة كبيرة لمن يعانون من أمراض خطيرة مما يتطلب نقله إلى مدينة السماوة التي تبعد عن القضاء 145 كيلومترا، كذلك الحال بالنسبة للنساء عند حالات الولادة، أو الحالات الطارئة”.

ويلفت إلى أنه “خلال العام الحالي سينتقل المركز الصحي إلى بناية جديدة ونطالب من خلالكم بزيادة الكادر الصحي خصوصا من سكنة القضاء الذي يشهد وفرة من الخريجين ذوي الاختصاصات العاطلين عن العمل، رغم أننا نعرف أن هذه الوظائف ستذهب إلى المسؤولين في القضاء وأقاربهم، إضافة إلى توفير جهاز (bcv) وتوفير تحاليل الحمل وحمى مالطا والتيفوئيد واليوريا”.

وبالإضافة إلى قلة المستشفيات والمراكز الصحية وعدم توفر الأجهزة الطبية والعلاجات، يواجه أهالي المثنى مشكلة أخرى تتمثل بارتفاع أسعار الأدوية في محافظة تعد الأعلى بنسبة الفقر والبطالة، وخصوصاً العلاجات السرطانية التي تبدأ أسعارها من 100 دولار صعوداً إلى أسعار لا يمكن للكثير من المرضى تأمينها.

إقرأ أيضا