قبل أيام قليلة، انتهت انتخابات نقابة الفنانين العراقيين بفوز الأستاذ صباح المندلاوي نقيبا للفن العراقي للمرة الثانية، وان كانت هذه النتائج غير نهائية، كما أكد لي المرشح الثاني لهذا المنصب الأستاذ صاحب بزون. ولاننا دولة حديثة عهد في الديموقراطية، فقد شابت عملية الانتخابات بعض المشاكل تكاد تشبه مشاكل الانتخابات البرلمانية عندنا. لا يهم، سنتعلم الديموقراطية ونعتادها ذات يوم. بالنسبة لي، لم اذهب الى الانتخابات، وقررت الوقوف جانب الحياد، لان المرشحين لمنصب النقيب كلهم أصدقائي. كان علي ان انتظر النتائج، وفي داخلي قلق مزمن بسبب هذه النقابة، التي هي من المفترض، عبارة عن اتحاد يحمي حقوق الفنان العراقي. الآن، وعلى طوال وجود هذه النقابة الموقرة، أي فنان حمته النقابة؟ واي فنان اعادت له حقه المستلب منذ نشأتها وحتى اليوم؟ اليوم، مثل الأمس، يكاد يختزل دور النقابة في منح الهويات الى الأعضاء، وتوزيع المنحة السنوية التي هي اقرب الى الجدية منها الى المعونة الاجتماعية. هذه السنّة التي سنّها صدام حسين (100) الف دينار عراقي شهريا لكل فنان، والتي تستمر الى اليوم مع غبن لكثير من الفنانيين المهمين الذين لا يستلمون هذه التي تعرف باسم المنحة. الآن وقد بدأت الدورة الجديدة للنقابة، ماذا عليها ان تعمل من اجل الفن والفنان العراقي؟
اعتقد ان اهم مشكلة تواجه الانسان هي؛ مسألة ضمانه الاجتماعي والاقتصادي والتقاعدي. كثير من الفنانين ماتوا على جانب رصيف العوز والقهر والحرمان والنسيان، وكثير ينتظرون دورهم وهم يتوسلون مستشفيات حكومية بائسة من كل شيء، إلا من القذارة وفقدان الطبيب الاختصاص. وهذا يفسر سفر اغلب المرضى الى لبنان والهند وتركيا لأغراض العلاج. اعتقد ان على النقابة ان تصبح اقوى من قبل، وان تستنسخ على الأقل تجربة نقابة الفن السورية او المصرية لترتقي بنفسها أولا وبالفن العراقي.
على النقابة ان تصبح أولا ثرية، تمتلك رأس مال مدور سنويا لتدعم به الفنان العراقي، وهذا يتطلب منها ان تسيطر على عملية الإنتاج الفني في العراق، مقابل حمايته وحماية الفنانين العاملين فيه، فلا ينتج مسلسل تلفزيوني مثلا، إلا مقابل نسبة مئوية بسيطة من تكاليف الإنتاج تدفع للنقابة، 5 % مثلا، كذلك الفلم السينمائي والمسرح. ولا تسجل اغنية من قبل أي مغن إلا بدفع رسوم بسيطة للنقابة، مقابل هذا، ماذا تفعل النقابة؟ عليها مقابل الأموال الضريبية التي تكسبها، حماية العاملين في العمل الفني الخاضع لرسومها، ضمان الحقوق المالية والمعنوية للفنانيين وكذلك حماية الحقوق الفكرية للمنتج والكاتب الخ، هذه المبالغ تودع في صندوق النقابة لتوزع كرواتب تقاعدية للفنان الكبير في السن او الذي لا يمتلك راتبا تقاعديا من الحكومة. فهناك الكثير من الفنانيين ممن لم يرتبطوا بعمل حكومي وتفرغوا للفن، هؤلاء نهايتهم حزينة.
وشيء اخر، على النقابة ان تقنع الحكومة بضرورة تخصيص مبلغ مالي سنوي من الميزانية الاتحادية الى نقابة الفنانين العراقية لدعم الفنان والحركة الفنية في العراق. هذا يحتاج الى قانون يرفع الى البرلمان، وسيقوم الفنان العراقي بالضغط على البرلمان لتشريعه. الامر لا يحتاج اكثر من حلم بسيط ومنظم، وإصرار على تحقيق هذا الحلم.