انتهت الجلسة الصباحية الاولى للحلقة الدراسية، فانتهزت الفرصة لاجراء عدد من اللقاءات القصيرة حتى استكمل التقرير التلفزيوني الخاص الذي اتولى اعداده حول ما تم طرحه من اوراق نقدية وبحوث . لم تصادفني اية عقبات مع الشخصيات التي اخترتها.
قبل ان اغادر القاعة ارتايت ان استعين بالناقد الاكاديمي (م) ليُدلي برايه، نظرا لاهمية كتاباته، وسمعته المرموقة التي تجاوزت حدود مدينته وبلده الى المنطقة العربية،ولما طلبت منه ذلك، اجابني بهدوء:”انا لااتحدث مجانا.. كم ستدفعون؟”.
فوجئت بالرد…، واوضحت له بانني لا احتاج سوى ثلاث دقائق فقط للاجابة على سؤال واحد لااكثر.. اعتذر مني بكلمات مقتضبة واصر على ان لا يتحدث دون مقابل مادي.
في اليوم التالي اتصلت عبر الهاتف بصديق يعمل استاذا جامعيا،واخبرته بتفاصيل مادار بيني وبين زميله الناقد الاكاديمي. فما كان منه الا ان اطلق ضحكة قوية، فهمتُ من خلالها انه لم يفاجأ مما سمعه مني، ولما طلبت منه ان يسعفني بتفسير، اخبرني بان اغلب من كَتب عنهم الشخص المعني من شعراء وادباء قد استلم منهم الثمن مقدما، وعلى اقل تقدير 100 دولار عن المقال النقدي.
هنا استدعت ذاكرتي عديد الاسماء المتواضعة جدا في مستواها الفني والتي سبق ان كَتب عنها بحوثا او كلف حاشيته المعروفة في الوسط الاكاديمي ان تكتب بدلا عنه لكثرة ارتباطاته.
بين فترة واخرى اقرأ خبرا يشير الى ان هناك رسالة ماجستير اواطروحة دكتوراه سيتم مناقشتها في احدى الكليات العراقية تتناول تجربة القاص (هـ) ممن يرتبطون بصلة معرفة وثيقة مع الناقد (م) وبعد مضي بضعة اشهر اقرأ ايضا في المواقع الالكترونية مايشير الى ان هناك مناقشة رسالة ماجستير اخرى عن القاص ذاته، وهكذا تكرر الامر خلال الاعوام الماضية بشكل بات يدعو الى التساؤل حول اهمية تجربته وقصور وعينا الادبي وهزالة ذائقتنا بالشكل الذي لم نكتشف ما يحمله نصه الادبي من تميز فني، وإلاّ فلماذا أمسى في دائرة اهتمام طلبة الدراسات العليا بينما لم يحظى بهذا الاهتمام كتاب لهم ثقلهم وتاريخهم في هذا الميدان.
المتابع لمسيرة الكتابة القصصية في العراق لابد ان يكون لديه ما يكفي من المعلومات عن الاسماء المهمة المعاصرة في هذا الحقل الابداعي، ولا أظنني مخطئا اذا ما اكدّتُ على ان اسم القاص المعني بموضوعنا لا وجود له بينهم اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار القيم الفنية كمقياس للفرز والتقييم بين الكُتَّاب، وليس القيمة النقدية المدفوعة للنقاد.
باعتباري معدا ومقدما لبرنامح ثقافي في احدى المحطات الفضائية دائما ما تصلني من قبل الكُتَّاب (شعراء، ادباء، نقاد، كتَّاب مسرح) اصداراتهم الجديدة، على شكل هدايا، لكي استعرضها في البرنامج وأسلط الاضواء عليها، وغالبا ما كنت أفاجأ بكثرة الكتب التي تصلني من القاص (هـ) على شكل دراسات تتناول جوانب مختلفة من تجربته القصصية وقد اضطلع بكتابتها الناقد (م) أو واحد من زملائه النقاد المقربين منه، وتجمعه معهم على مايبدو في ظاهر الصورة شراكة عمل نقدي، وجلّهم من حملة الشهادات العليا،حتى انني بدأت اشك في موهبة القصاصين المعروفين في الثقافة العربية مثل” يوسف ادريس، زكريا تامر، محمد خضير، محمود جنداري، عبد الستار ناصر، واخرين”، لانني كلما تفحصت كتبهم التي اصدروها لم اجد لديهم اي اصرار على ان يذكروا في الفهرس قائمة بالبحوث والدراسات التي تناولت تجاربهم،مكتفين بنصوصهم الادبية كمعيار اساسي للحكم على منجزهم،بينما القاص المعني بالموضوع كان شديد الحرص على تعدادها بالتفصيل المُمِل.
واضافة الى هذا القاص هناك اسماء اخرى نالت رعاية كبيرة من قبل السيد الناقد الاكاديمي بالقدر الذي كانت تدفع له من نقد مقابل نقده،بما يجعلنا نخجل من انفسنا لاننا لم نكن على قدر معين من الذكاء والثقافة الادبية حتى نكتشف مستواها الفني. دائما ماتصلني اشرطة فديوية لحفلات توقيع كتب بعدد فصول السنة ابطالها هؤلاء لكي اعرضها في برنامجي التلفزيوني، كنت اصغي لطروحات السيد الناقد وجماعته وهو يغلف مقولاته النقدية بمصطلحات مُستلة من المناهج الحديثة لتوصيف وتحليل بنية نصوصهم، وبطبيعة الحال من لم يقرأ تلك النصوص ستتشكل لديه صورة جميلة ومدهشة عنها ، من وحي تلك النقود، وفي ما بعد،إذا ماتوفرت له فرصة قراءتها سيصاب بالخيبة ، وسيتأكد بان الناقد الجهبذ قد مارس الخديعة معه.
السؤال الذي يطرح بهذه المناسبة: هل اصبح النقد في قائمة البزنس ؟.. وإلاّ فلماذا يلجأ ناقد اكاديمي عُرِف عنه تمكنه العالي من ادواته الى النزول بمكانته الى هذا المستوى، مقابل القليل من المال،مع انه ليس في حالة عوز؟!