صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

نهايات مظلمة.. رجال تحت طائلة «الزواج بالإكراه»

حالة تقليدية عرفتها المجتمعات منذ العصور القديمة ولا زالت مستمرة لدى بعض العوائل، تتمثل بـ”الإكراه” على الزواج أو ما يعرف بـ”الزواج الإجباري” الذي يحدث نتيجة ضغوط عائلية تنتهي بقبول لفظي فقط، دون موافقة العقل والقلب، وهو أمر رفضته الشرائع السماوية واعتبرته “زنا”، والقوانين النافذة.

وبينما تقع الفتيات ضحية لهذا النوع من الزواج في العادة، لا زال بعض الشباب يقعون ضمن هذه الدائرة، وفي أحيان كثيرة لا يستطيعون تقرير مصير حياتهم الزوجية لأسباب عدة.

ويقول أحمد عطا، التدريسي في إحدى الجامعات الأهلية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “تزوجت بنت صديقة والدتي والتي تصغرني بنحو خمس سنوات بسبب ضغط وإصرار كبيرين من والدتي حتى اضطررت أخيراً للقبول بالأمر الواقع”.

ويضيف عطا، “والدتي لا تثق كثيرا بالفتيات اللاتي يدرسن في الجامعات، كما أن ثقتها شبه منعدمة باختيارات القلب والعاطفة، لذا فهي كانت دائمة الضغط علي للزواج من بنت صديقتها التي لم تحصل سوى على الشهادة الإعدادية”.

ويتابع “تزوجنا وأنجبنا بنتا لكن بعد ثلاث سنوات، اكتشفت زوجتي أنني متزوج سرا من إحدى زميلاتي في الجامعة كنت على علاقة بها منذ أيام الدراسة، لكن زواجنا بعقد شرعي فقط وليس عقد زواج رسمي موثق في المحكمة”.

ويوضح عطا “خسرت الزوجتين، فالأولى تركتني بعدما علمت بزواجي السري وتركت ابنتنا معي، أما الزوجة الثانية فلم تتحمل وجود طفلة ليست ابنتها في حياتنا وطلبت الطلاق هي الأخرى”.

يشار إلى أن الزواج الإجباري في الغالب يكون لأسباب عائلية وعشائرية وأخرى اجتماعية، فهناك عوائل ترفض زواج أبنائها من فتيات من غير الأقارب وترفض أن يتزوج من إحدى بنات أعمامه أو عماته أو أخواله أو خالاته، فيما تفرض عوائل أخرى على بناتها الزواج من رجال غرباء.

ويشير مصطفى هشام (29 عاما)، الذي يعمل مهندسا في إحدى الشركات النفطية بمحافظة البصرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أنه “أتقاضى راتبا شهريا مقداره 1900 دولار، ونتيجة يسر الحال فإن أبي وأمي يلحون علي للزواج من بنت عمي لأنها وبحسب قولهم إنسانة بسيطة وهي أفضل من فتاة لا يعرفانها، فما كان مني إلا الموافقة والزواج منها”.

ويؤكد “لم يمض شهران على زواجنا حتى انتهى، بعد أن اكتشفت زوجتي أنني على علاقة مع بنت جيراننا وأننا نخطط للزواج فافتعلت زوجتي مشاجرة مع الفتاة وفضحت أمر علاقتنا وحصلت مشاجرة بيني وبين والد حبيبتي وضربته ضربة كادت تقتله، فتطور الأمر إلى الأعراف العشائرية والتي حكمت علي بالجلاء من منطقة سكناي، وبالنتيجة خسرت سكني وعملي أيضا وزوجتي التي طلبت الطلاق”.

ولأسباب متعددة بينها الإجبار على الزواج، سجّل العراق خلال 2023، إحصائية بحالات الطلاق بلغت 72 ألفا و439 حالة طلاق في عموم البلاد، باستثناء إقليم كردستان، بمعدل بلغ نحو أكثر من 6 آلاف حالة في الشهر، وأكثر من 200 حالة في اليوم، وأكثر من 8 حالات في الساعة، وفق بيانات مجلس القضاء الأعلى.

ولا تختلف قصة مصدق إحسان، سائق الـ”دلفري” في أحد مطاعم بغداد، المعين لأمه وشقيقه الأصغر ووالده المقعد، إذ يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “تزوجت من بنت عمي بعد إلحاح شديد من والدي وأنا بعمر 21 عاما بينما بنت عمي عمرها 15 عاما، لكن والدي كان يلح على أنه يريد أن يرى زفافي قبل أن يفارق الحياة”.

ويردف “عمي والد الفتاة لم يمانع هذا الزواج دون مهر وحفلة بل أن كل ما يريده هو حلقة وقلادة صغيرة وأقراط، فتزوجنا لكن بعد نحو ستة أشهر من الزواج لجأت إلى مواقع التواصل للتعارف وتكوين علاقات مع فتيات عبر لعبة (بوبجي) التي شكت منها زوجتي كثيراً لأنني أقضي معظم وقتي فيها”.

ويلفت إحسان، إلى أن “زوجتي بدأن تعرب عن انزعاجها روتيني اليومي فهو عبارة عن عمل وقضاء ساعات طويلة في لعبة (بوبجي) تصل حتى وقت الفجر ثم أنام وفي الصباح أخرج للعمل، وبعدها اكتشفت أنني خنتها خمس مرات متتالية وجميعها كانت مع فتيات تعرفت عليهن عبر اللعبة”.

وبحسب مجلس القضاء الأعلى فقد سجل سجل العراق 65 ألفا و802 حالتي طلاق خلال 11 شهرا من العام 2022، وسجلت أكثر من 73 ألف قضية طلاق خلال العام 2021 في البلاد، وهي حصيلة مماثلة لحصيلة العام 2018.

وترى الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزواج الإجباري أعادنا إلى عصور ما قبل الإسلام وهذه حالة سلبية جدا تؤدي لانهيار القيم المجتمعية وتزيد حالات الطلاق، وهي نتيجة لتخلف وجهل بعض أفراد المجتمع عبر استخدامهم هذه السلوكيات غير المنطقية”.

وتحذر من أن “الزواج بالإكراه يقود لمشكلات عدة، إذ أنه يؤدي للطلاق في الكثير من الأحيان، ويولد الخيانات الزوجية، كما يزيد حالات العنف الأسري، وبالأساس الدين يرفض الزواج بالإكراه”.

وتسجل المحافظات العراقية معدلات عالية من العنف الأسري الذي يستهدف خصوصا النساء والأطفال وكبار السن، وقد زادت الحالات المبلَغ عنها في العامين الماضيين عن 15 ألف حالة عنف، الأمر الذي اضطر المعنيين إلى الدفع أكثر باتجاه الضغط لإقرار القانون الذي صوت على مسودته مجلس الوزراء في صيف عام 2020 من دون أن يقره مجلس النواب حتى يومنا هذا.

بدوره، يشدد عضو الأمانة العامة لعلماء العراق، الشيخ محمد خليل السنجري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على أن “الإسلام اشترط بأن يكون الزواج برضا الطرفين الزوج والزوجة باطنا وظاهرا، لكن الواقع أن المرأة يتم إجبارها في الكثير من الأحيان على الزواج، وفي ذلك يعتبر علماء الدين عقد الزواج غير شرعي والنكاح في هذه الحالة غير جائز بل أنه يعتبر زنا إلا في حال وافقت بعد ذلك”.

وينوه إلى انه “حتى لو كانت الموافقة لفظية لكن هناك رفض داخلي فعقد الزواج غير صحيح، وكذلك الحال للزوج فلابد أن يكون الزواج برضاه لأن العقود تشتمل على عقد وإيجاب فلابد أن يكون القبول من المرأة والإيجاب من الرجل”.

ويتفق السنجري مع سمر الفيلي، على أن “الزواج بالإجبار والإكراه ينتهي في غالبيته بالطلاق والفراق، لذلك يجب أن لا يكون هناك ضغوطا من عائلة الرجل أو المرأة لإتمام الزواج”.

يشار إلى أنه في العام 2023 سجلت مديرية الشرطة المجتمعية 7362 ضحية عنف أسري لفظي ونفسي وجسدي وجنسي واقتصادي، علما أن ذلك يشمل الإهمال والزواج بالإكراه وزواج القاصرات والضرب وغيرها وصولا إلى القتل.

من جانبه، يسرد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، الفقرات القانونية المتعلقة بهذا الأمر، بأن “المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 عالجت موضوع الزواج بالإكراه سواء للشاب أو الفتاة، حيث تنص على أنه لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص ذكرا كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار، منع من كان أهلا للزواج، بموجب أحكام هذا القانون من الزواج”.

ويلفت إلى أنه “يعاقب من يخالف أحكام الفقرة (1) من هذه المادة، بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبالغرامة المالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا كان قريبا من الدرجة الأولى أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء، فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات”.

ولا تقتصر أسباب الزواج الإجباري على رغبة الوالدين وإلحاحهما أو الأعراف العشائرية، بل هناك دوافع أخرى منها اقتصادية، كأن يتم إجبار الفتاة على الزواج من رجل لأنه ميسور ماديا، أو إجبار الشاب على الزواج من فتاة وضعها المالي جيد، وكذلك الإجبار على الزواج وفقا للتحصيل الأكاديمي أو المستوى العلمي أو الثقافي، إلى جانب الزواج لأسباب دينية أو مذهبية أو قومية أو مناطقية.

إقرأ أيضا