\”المستهتر\” هو الشخص الذي يستخف بفكرة ما أو بمجموعة قيم يحملها أفراد. والانطباع حول كل ما يصرح به السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في معرض ردود أفعاله المتشنجة على مناوئيه أو منتقديه يوحي بأنه قد فقد صوابه وبات قاب قوسين أو أدنى من قلب الطاولة على نفسه. فاستهتاره ليس مجرد رد فعل يصدر من رجل مصاب بجلطة في الوعي، بل هو استهتار بضيم العراقيين وأوجاعهم.
ولم يعد لمبرراته بعد اليوم قيمة يمكن البناء عليها في تفسير قراراته الضعيفة والتي تترجم حالة انعزاله عما حوله. باختصار، انه لا يريد أن يعترف بفشله التاريخي في قيادة العراق. وبالتالي فهو دائم التملص من المسؤولية، بل وفي أقصى ردود أفعاله يحمّل الجميع مسؤولية إخفاقاته بما فيهم الشعب العراقي نفسه. فهو بات غير معني بجثث الكادحين التي تتقطع فوق إسفلت الشوارع، ولا بالواقع الاقتصادي والاجتماعي المزري. ما يعنيه فقط هو كيفية الدفاع عن نفسه في مواجهة الكم الهائل من الأسئلة المزدحمة في صدور الناس.
ولجميع هذه الأسئلة لا نجد سوى إجابة واحدة أقل ما توصف بأنها رخيصة وهي التي فيها إجازة براءته وجوقة الطبالين التابعين له من كل ما يحدث وتحميل الخصوم المسؤولية المطلقة. لكنه وبتواطئه المفضوح مع ذاته المرتبكة قد حرّم على الآخرين حق النقد وأنتج مفارقة سمجة بتعاطيه مع واقع العراقيين المرير من خلال رفضه الاعتراف بفشله وفشل رجاله، الذين أختارهم ليكونوا جزءاً فاعلاً في صناعة المأساة.
أجندة المالكي مزدحمة بالأزمات، وتحمل بين طياتها يوميات عن عطب في معمل التفكير المنطقي والتخطيط السليم لإدارة الدولة. وبين الأزمة المستفحلة وخلل التفكير ثمة رابط مهم وهو الشلل التام في إمكانية اتخاذ قرارات واقعية يمكن من خلالها تنمية مشروع للتعاطي مع أبسط واجبات الحكومة تجاه شعبها. فلم يبق في جعبة هذا الرجل سوى الكذب سلاحاً يغطي به عورات السكتة الدماغية التي أصيب بها. انه يكذب ويكذب ولكن لا يصدقه الآخرون، لأن كذبه من النوع الساذج والمفضوح.
عندما شاهدته من على شاشة العراقية وهو يتحدى كل من يقدم دليلاً واحداً على احتضانه للمليشيات وبشكل خاص مليشيا واثق البطاط أصبت بالغثيان وحاولت أن أجد إجابة شافية أرتق بها فتق الفضيحة فلم أجد غير الضحك المرّ على هذا المستوى الذي وصل إليه رئيس وزراء العراق.
وبمناسبة التحدي الذي أطلقه المالكي أعلن نفسي متحدياً وأضع بين يديه دليلاً يؤكد احتضانه ورهط طباليه لمليشيا حزب الله العراق. وشاهدي بذلك هو ملعب الصناعة القريب من محل سكني. وأُشهد بذلك أيضاً أصحاب الدور السكنية المقابلة للملعب، بل وأُشهد عمال غسيل السيارات الذين طالما طردتهم قوات وزارة الداخلية من الرصيف المجاور للملعب مع كل احتفالية لمليشيا البطاط في الملعب المذكور. وأُشهد كذلك إدارة الملعب وربما، فيما لو توفرت الإرادة، أُشهد وزير الصناعة نفسه. فقبل مدة ليست بالبعيدة أُغلقت الشوارع المحيطة بالملعب وانتشرت فوق الجسر القريب منه مجاميع من الشباب بالزي العسكري والمدني وتم إحكام السيطرة على كل المنافذ المؤدية الى ملعب الصناعة من قبل قوات تابعة لوزارة الداخلية، حيث قامت تلك القوات بحماية الملعب وغلق الشارع المؤدي الى ساحة معارض الحبيبية بسيارات الشرطة الزرقاء وسيارات الهامر العسكرية. وهناك، في الملعب ارتفعت رايات حزب الله البطاطي وصدحت حناجر قادته المعممين بخطب تحكي انتصاراتهم ومآثرهم. ولساعتين أو أكثر كانت مكبرات الصوت تخرج من قلب الملعب وتبث في الرقعة الجغرافية المحيطة أناشيد الانتصارات المزعومة.
حدث كل ذلك بحماية مباشرة من رجال وزارة الداخلية، ومن داخل صرح رياضي تابع لوزارة عراقية. فإذا برر المالكي هذا الاستخفاف البطاطي بهيبة الدولة ومؤسساتها بعدم إحاطته علماً بهذه المهرجانات والتجمعات العلنية لمليشيات عاثت في الأرض فساداً، فعليه أن يسأل وزير الداخلية بالوكالة ووزير الصناعة عن الكيفية التي تم فيها احتضان تجمع لفصيل مسلح وحمايته بآليات وأسلحة الدولة العراقية.
لقد أضعنا الوصف الدقيق لكل ما يحدث في العراق وسط خراب عقول الساسة الجدد وانكفاء الشعب المغلوب على أمره، وسطوة المال الحرام وسلطة الجهلة، ولم يبق لنا سوى أن نضع بيننا وبين ساستنا ناموساً من الرفض قائما على عبادة الحقيقة والانحناء لها وتأثيثها بكل مقومات الصراخ النبيل، لكي تصبح لاحقاً دستورنا الأول الذي نكنس فيه نفايات المستهترين.
* كاتب عراقي