يتجدد ملف إعادة اللاجئين العراقيين المرفوض لجوؤهم من الدول الأوروبية، بعد أن كشف مستشار النمسا عن بحثه هذا الملف مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وفيما أكد مسؤولون وخبراء بالقانون، أن الإعادة القسرية ممنوعة ومرفوضة، وصفوا بحث الأمر من قبل الكاظمي بأنه “تطلع إلى مصالح شخصية”، ولاسيما أن إعادة اللاجئين تتطلب من الحكومة العراقية خططا عديدة وتوفير فرص عمل لهم، وهو ما لا تملكه الحكومة.
ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة علي البياتي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك نحو 100 ألف عراقي في أوروبا رفضت طلبات لجوئهم، والجانب الأوروبي يبحث عن حلول لقضيتهم مع السلطات العراقية، ومن بين الحلول المقترحة توفير وظائف لهم إذا عادوا إلى العراق“.
ويضيف البياتي أن “الحكومة العراقية ليس لديها خطط على ما يبدو لمعالجة هذا الملف”، لافتا إلى أن “تقديم أي شخص طلب لجوء في دولة أخرى يعني أنه مهدد في بلده ويطلب الحماية في الخارج، وبحسب الاتفاقيات الدولية ينبغي على الدول منح اللجوء لمستحقيه“.
ويتابع البياتي أن “الإعادة القسرية لطالبي اللجوء غير ممكنة ومخالفة للقوانين والاتفاقيات الدولية”، مبينا أن “الجانب الأوروبي يبحث عن حلول إنسانية لهذا الملف، ولكن المشكلة في الجانب العراقي الذي يحاول دائما أن يجامل أي طرف من دون تخطيط مسبق والنظر إلى تبعات الموضوع“.
وكان الكاظمي، التقى قبل أيام، على هامش اجتماع جمعية الأمم المتحدة في نيويورك، مستشار (رئيس وزراء) النمسا كارل نيهامر، وبحسب تغريدة الأخير فأنه بحث مع الكاظمي”ملف الهجرة والعودة إلى الوطن”، مؤكدا أن “سياسة اللجوء والهجرة الموثوقة تتطلب أيضا سياسة إعادة منسقة إلى الوطن، لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التعاون الجيد“.
يشار إلى أن رئيس الجمهورية برهم صالح، التقى نائب المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية اوغوشي دانيلز في بغداد، في حزيران يونيو الماضي، ودعا إلى تسهيل العودة الطوعية للمهاجرين مع احترام القانون الدولي الضامن لحقوق الإنسان وخياراتهم، وضمان عودة الحياة الطبيعية لمناطقهم.
إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك اتفاقيات دولية تؤكد حق اللجوء إلى جانب بقية حقوق الإنسان، وهذه الاتفاقيات لا تسمح بالإعادة القسرية لطالبي اللجوء إلى بلدانهم حتى وإن كانت طلباتهم مرفوضة“.
ويشير التميمي إلى أن “هذه الاتفاقيات ملزمة للعراق ولجميع الدول، ولا يحق لأي جهة إعادة طالب لجوء إلى بلده إلا برغبته الشخصية“.
ويشهد العراق موجات هجرة مستمرة نحو بلدان اللجوء في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، فضلا عن بحث مئات الآلاف من مواطنيه عن اللجوء في دول مثل تركيا والأردن، وسابقا كانت سوريا الوجهة المثلى للعراقيين الباحثين عن اللجوء.
وكان الكاظمي، قد دعا العام الماضي خلال زيارة بابا الفاتكيان فرنسيس إلى العراق، إلى عودة أبناء المكون المسيحي للبلاد، والذي انخفض وفقا للكاردينال لويس ساكو، من مليوني مواطن إلى 400 ألف فقط، إلى جانب هجرة أبناء المكونين الإيزيدي والصابئي المندائي، حيث لم يتبق منهم سوى آلاف وفقا لتصريحات مسؤولين في المكونين.
من جهتها، تذكر النائب سهيلة السلطاني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الكاظمي يتصرف بطريقة تخدم مصالحه الشخصية أكثر من مصالح العراقيين، وتساهله مع اقتراح النمسا إعادة طالبي اللجوء العراقيين قسرا إلى العراق، ينطوي بالتأكيد على مصلحة شخصية، حيث أنه يجامل الأوساط الأوروبية بهدف الحصول على الولاية الثانية، بعد أن تم رفضه بشكل قاطع لأن الأوضاع في زمنه هي الأسوأ بالنسبة للعراق“.
وتلفت السلطاني إلى أن “على الكاظمي مراعاة مصالح الشعب باعتباره المسؤول الأول في الحكومة حاليا”، مؤكدة “عدم وجود قوانين تسمح بإجبار طالبي اللجوء على العودة إلى بلدانهم“.
وتضيف “نحن بدورنا كأعضاء في البرلمان، ستكون لدينا تساؤلات واستفهامات حول هذا الأمر عندما تعود الجلسات للانعقاد، لمعرفة ما إذا كان الكاظمي سيوافق على إعادة العراقيين قسرا من النمسا“.
يذكر أن مؤسسة “القمة” العراقية المتخصصة بشؤون اللاجئين، أعلنت في عام 2020 عن هجرة 562 ألفا و293 عراقيا خلال الأعوام الخمسة بين 2015 – 2020، وقد توفي منهم 242 شخصا وفقد 171 آخرون، بسبب ظروف هجرتهم الصعبة، سواء عبر البحار أو الغابات.
وشهد العام الماضي، موجة هجرة كبيرة من العراق نحو الأراضي البيلاروسية، في رحلة للوصول عبرها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تسهيلات قدمتها بيلاروسيا للمهاجرين بعد أزمة سياسية مرت بها مع أوروبا.
واستقبلت الدول الأوروبية وأمريكا وأستراليا مئات الآلاف من العراقيين، ووافقت على طلبات اللجوء لنسبة كبيرة منهم، فيما رفضت استقبال أعداد كبيرة لأسباب مختلفة، وبقي المرفوضة طلباتهم يعانون داخل تلك الدول، وبذات الوقت يتم تهديدهم بالترحيل وإعادتهم إلى العراق.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين، سبق وأن أعلنت عن رفضها العودة القسرية للاجئين المرفوض لجوؤهم وأكدت أن “المواطن العراقي عانى وتحمل الكثير من أجل الحصول على اللجوء“.