إذا كان لمصطلح “السقوط لأعلى” مظهر حي، فسيتجلى بشخص رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، بحسب مقال منشور في مجلة نيو لاين الأمريكية أمس.
ويستطرد المقال الذي كتبته الصحفية العراقية رشا العقيدي، وترجمته “العالم الجديد”، بأن “المالكي كان شخصية مجهولة في صفوف المعارضة العراقية قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وكان لهامشيته سببا في اختياره لرئاسة الوزراء، حيث حل محل إبراهيم الجعفري، الذي كان يعتبر أكثر أيديولوجية”.
بحلول العام 2010، صار المالكي ينغمس في الروايات السامة، مستخدما السوابق التاريخية ذات النغمات الطائفية المتعمدة التي اندمجت مع الشعبوية لتحويل المأزق السياسي في العراق الى مأزق أيديولوجي، ومع ذلك بقي مرغوبا من قبل الولايات المتحدة، والجنرال الإيراني (الراحل) قاسم سليماني، كما تقول صاحبة المقال.
وتضيف المجلة الأمريكية المهتمة بالشرق الأوسط “بدا أن العدوين اللدودين (الولايات المتحدة وإيران) خلال المراحل الأولى من محادثات الاتفاق النووي السري، متفقان على أن العراق سيكون أفضل حالاً مع بقاء المالكي في القيادة، لكن خلال فترة ولايته الثانية 2010-2014 أصبح العراق مليئا بفضائح الفساد والنكسات العسكرية والانتهاكات وقتل المدن ، كما أنّ الجهاز الأمني كان في طريقه الى الانهيار النهائي، ما أدى الى خسارة ثلث أراضي العراق لصالح تنظيم داعش الإرهابي”.
تم بعدها استبدال نوري المالكي لكن لم تتم محاسبته، بحسب الكاتبة، وواصل لعب دوره خلف الكواليس، بأمل كبير بالعودة الى السلطة بعد الأداء اللائق في الانتخابات العامة في تشرين الأول أكتوبر 2021، لكن سلسلة من التسجيلات الصوتية المسربة، ربما ستحطم كل آماله، بما في ذلك حياته السياسية.
وتسترسل الكاتبة “بدأ المدون والناشط المقيم في فرجينيا علي فاضل في تسريب أجزاء من تسجيل صوتي مزعوم للمالكي خلال محادثة مع اثنين من رجال الميليشيات، وتم التحقق من صحة الصوت من قبل منظمة التقنية من أجل السلامة، وهي منظمة موثوقة لتدقيق الحقائق في العراق، على الرغم من النفي المتكرر من قبل فريق المالكي”.
وتتطرق إلى مهاجمته زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ووصفه قوات الحشد الشعبي بأنها “أمة جبناء”، وفيما استثنى قيس الخزعلي، أقرّ بأن “العصائب، والكتائب كلها مسيطر عليها من قبل إيران”، محذرا من “تسلل البعثيين” في مناصب حكومية رفيعة المستوى في ظل أحزاب وكتل سياسية سنية، وكذلك من مؤامرة بوساطة بريطانية لإخراج الشيعة من السلطة وإعادة تثبيت السنة”.
وتضيف المجلة “ما يكشفه التسجيل الصوتي هو طبقة سياسية ممزقة بشكل لا يمكن إصلاحها، يقودها أفراد مهووسون ومتشبثون بالسلطة من أجل قدر ضئيل من الأهمية، فقد اختُزلت كلمة العراق نفسها الى خلفية لفظية ضائعة بين الكلمات الأكثر فاعلية مثل “طائفة” و”مرجعية” (سلطة دينية)، وعلى الرغم من كل تصريحاته الصاخبة عن السيادة، يتحدث المالكي وضيوفه عن إيران بصفتها صانع القرار الفعلي”.
تُظهر التسجيلات، كما تشير الكاتبة، المالكي على أنه مصاب بجنون العظمة، لا يتمكن من تفهم أي عمل في العراق خارج حدود رؤيته الطائفية الضيقة، وذلك بشكل لا يصدق، حتى أنه يرى أن هناك استيلاءً سنيا ومؤامرة في كل شيء.
وتنوه “أكثر ما كشف عنه هو مدى تحمّس المالكي ورغبته في الحرب، إذ صرّح مرارا وتكراراً أن المرحلة التالية هي الحرب، وأضاف أنه ليس لديه ما يخشاه، لأنه يستطيع الاعتماد على عشيرته بني مالك في الحماية، لكنه بحاجة الى هذه الحرب الحتمية للدفاع عن الطائفة”، إلا أنه ورجال عائلته لن يخوضوا تلك الحرب، بل سيذهب إلى تلك الحرب أفقر الناس وأقلهم إرادة، وهؤلاء لا تعني له حياتهم كثيرا.
عندما انغمس المالكي في الخطاب الطائفي في 2010-2014، بحسب المجلة الأمريكية، والذي تضمن تقليص مشاكل العراق الى امتداد لحرب أهلية طائفية في القرن السابع، كانت الرواية المقبولة في دوائر السياسة في واشنطن ولندن هي أن السنة الذين لم يعودوا في السلطة، هم المشكلة الرئيسية.
تم تبرير طائفية المالكي، بأنها تستهدف الوجود الجهادي المتزايد في غرب العراق، كما تقول الكاتبة، وأن تعليقاته الجديدة تظهره كسياسي طائفي يستمر في اتهام السنة سواء كان هناك تهديد جهادي أو لم يكن.
في هذه المرحلة من الفضيحة يصعب تمييز التأثير الحقيقي على حياة المالكي السياسية، ذلك مع بقاء سبب وتوقيت التسريبات لغزا.
بعد انتشار تلك التسريبات، نصح الصدر المالكي بـ”العودة الى الله” و”الانسحاب من السياسة، بينما نزل بعض مناصريه الى الشوارع للاحتجاج”، فيما يتهم أنصاره إيران أو المملكة المتحدة بتسريب وتلفيق التسجيلات، لأن المالكي “لا يرد على أي منها”.
وتشير إلى أن “التسجيلات باتت الموضوع رقم 1 في العراق اليوم، حتى لو امتنع معظم الخبراء العراقيين عن التعليق على الموضوع، في حين، يعلق أحد الشباب العراقيين بالقول: هذا لن يؤدي إلا الى الحرب، وبعد أن نموت جميعا يتصالح السياسيون أنفسهم ويقسمون غنائم الحرب، ويعد هذا مصدر قلق مشروع للعراقيين الذين يدركون أنه لا يوجد لاعبون لائقون في البلاد، وأن الأمور في ذهاب دائم نحو الأسوأ”.
كان الاستماع الى التسريبات صادماً، فكيف يمكن لرجل فشل باستمرار في جميع مهامه القيادية، أن يستمر بالتمسك في نفس الأفكار والخطابات منذ عقد مضى، ففي عام 2011، بدأ أتباع المالكي في الإشارة إليه على أنه مختار العصر، مستشهدين بشخصية تاريخية مثيرة للجدل، ظهرت في القرن الثامن، وهو المختار الثقفي، الذي يُزعم أنه انتقم لاستشهاد الإمام الحسين بذبح كل من كان له دور في قتله، على حد تعبيرها.
وبالنسبة للعديد من العراقيين، فقد كان تحريضه المتعمد على المستوى الشعبي واضحا، وظهر تأثير كلماته بشكل تدريجي في السلوك العدواني والانتهاكات التي ارتكبها العديد من ضباط الجيش في أماكن مثل الموصل والأنبار.
وتنوه “على الرغم من كل التحذير، نال المالكي دعما من الولايات المتحدة في ذلك الوقت، إلا أنها اليوم تتمتع بنفوذ أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2010، وعلى الرغم من الاتهامات، فمن المرجح أن تكون المملكة المتحدة منشغلة للغاية بسياساتها الداخلية على التفرغ للتآمر ضد المالكي وإعادة إنشاء قيادة عراقية سنية”.
وتختم الكاتبة مقالها بتساؤل: “هل يستطيع المالكي أن ينجو من هذه الأزمة، كما نجا سابقا من الأسوأ”.
لقراءة المقال بالنص الأصلي:
Leaked Recordings Reveal Toxic Paranoia Within Baghdad Political Class