اعمل مذيعا للاخبار منذ منتصف 2005 ولغاية الان. في البداية كنت منتشيا بالظهور التلفزيوني، خاصة عندما اشاهد نفسي في نشرة اخبارية مسجلة بعد منتصف الليل. ان تعمل مذيعا هناك قواعد شبه متفق عليها، ولا اعرف من وضعها، ويؤمن بها العديد من زملاء المهنة، عكسي تماما، كالأمتناع عن تناول لفة فلافل بمكان عام او شراء ملابس البالة او حتى تفحصها في باب الشرجي. وعدة امور اخرى تصل احيانا الى تغيير بعض اللهجات الاصلية واستبدالها باخرى (لعد بدلا من جا) انموذجا. كل ما اعلاه يندرج ضمن بند (ضريبة الشاشة).
ضريبة شاشتي القاسية والمزعجة هي عندما يسألك الناس
ها زاير شنو الاخبار ؟؟
اقسم اني اتسمر بمكاني، لا لشيء الا لحقيقة لا اعلم.. يستغرب السائل لكنك للتو انهيت اذاعة نشرة باسرها.. كيف لا تعلم؟ يستغرب ويتفاجأ، بل ويكذبك احيانا ويتهمك في حلقة لا اعلم الاخيرة بالمتكبر الذي لا يريد التحدث مع احد او شيء من هذا القبيل.
ولكن فعلا كيف لا اعلم؟
الجواب بسيط جدا، مثلا سياسيا. انا آخذ الامور من جذورها وليس من اغصانها المتهالكة. عمليتنا السياسية بنيت على المحاصصة الطائفية، فما الذي اتوقعه من عملية سياسية على شفا جرف هار، وهل لا نعيش الانهيارالتام في بحر من الدماء لدولة برلمانها مشلول، ورئيس جمهوريتها متوفى سرسريا ورئيس وزرائها يتغنى بحب ابنه الذي ليس له مثيل؟
أمنيا، وهنا مأزقي الصعب فعندما يبدأ الخبر بـ(استشهد واصيب العشرات) ستتأثر وتفرد لها بذاكرتك مساحة مناسبة للمعلومات عن الحادث لو كانت بالشهر مرة او في اسبوع على الاقل، ولكن يوميا وبنفس المتن الخبري ونفس كل التشابه بين خبر منذ 2005 الى الان لابد من اللجوء الى المسح السريع لمتابعة عملك اولا ثم حياتك، رغم صورة شبحية تمر عليك وانت تقرأ احصائيات الموت. انك ستغدو غدا ربما في هذه القائمة الرقمية المجردة من الاحساس وتقرأ روحك رقما لدى مذيع اخر، ربما زميلك في محطتك نفسها.
الحقيقة انا اقرأ الاخبار مركزا على الامور المعتادة في قراءة الاخبار، مشغلا جزءا اوتوماتيكيا من عقلي يفي بالغرض.
اما البقية فانا في مكان اخر، لا اعلم اين بالضبط؟ اماكن عشوائية غير منتظمة بانتظار نهاية حريق الاخبار، وهكذا لا اعلم حقا عندما يسألني أحد
ها زاير شنو الاخبار؟