بعد جفافها، فقدت بحيرة ساوة أمل العودة إلى سابق عهدها رغم كميات الأمطار الأخيرة التي هطلت في المناطق المحيطة بها، إذ قابلها استهلاك كبير للمياه الجوفية من قبل معامل الملح الواقعة قرب البحيرة والمشاريع الأخرى.
بدأت الحياة تنضب من بحيرة ساوة منذ عام 2011 بشكل تدريجي وبطيء وفقا لخبراء، إلا أن الانخفاض الأكبر شهدته في الأعوام الثلاثة الماضية حتى تقلصت مساحاتها البالغة 5 كيلومترات إلى ما يقارب 36 مترا مربعا فقط، واختفت من على مرئيات الأقمار الصناعية ولم يشاهد لها أي وجود سوى عين صغيرة وأرض جرداء متسبخة.
ويصف أستاذ علم الجغرافيا رحيم حميد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، البحيرة بأنها “ظاهرة جيولوجية فريدة، إذ أن كثافة الماء فيها تفوق كثافة مياه الخليج العربي وكثافة البحار، فالمياه تحوي تراكيب كيميائية وكبريتية، وتعد مصدرا علميا للباحثين، وأجريت عدة دراسات عنها”.
ويوضح حميد، أن “البحيرة لا يوجد لها عمر زمني محدد، نتيجة لملوحتها العالية التي قضت على جميع الآثار التي من الممكن أن ترشد الباحثين إلى عمرها الدقيق، فقد تصل نسبة الأملاح فيها إلى 3 آلاف جزء في المليون، لكن رغم هذا تعيش فيها أربعة أنواع من الأسماك”.
ويكمل، “من غير المتوقع أن تعود البحيرة إلى سابق عهدها أو حتى أن تصل إلى 25 بالمئة من وضعها سابقا”، مبينا أن “واحدا من أهم الأسباب التي تسببت بالضرر للبحيرة، بالإضافة إلى الجفاف والتغيّر المناخي، هو الاستثمار غير المدروس وغير العلمي في استنزاف المياه الجوفية المحيطة بها، فما بقي منها في الوقت الحالي هو أطلال وجروف بسيطة”.
وتقع البحيرة جنوب غربي مدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، وهي عبارة عن حوض مائي مغلق من جميع الجهات، ولا يوجد مخرج لمياهها.
يشار إلى أن وزير الموارد المائية السابق مهدي الحمداني، سبق وأن حذر من وجود آبار محفورة في محيط بحيرة ساوة، تصل لأكثر من 1000 بئر مائي، منتقدا قرار حفر الآبار الذي اتخذته الحكومة المحلية بعد أن تم اختيار المثنى عاصمة العراق الزراعية.
إلى ذلك، يؤكد مدير بيئة المثنى يوسف سوادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مجلس الوزراء أصدر مؤخرا قرارا يقضي باعتبار البحيرة محميّة طبيعية، وتم تكليف وزارة البيئة بإعداد خطة لإدارة البحيرة بالاعتماد على واقعها الجيولوجي والتنوع الإحيائي فيها، وبالتالي الحفاظ على ما تبقى منها”.
ويتابع، أن “انحسار البحيرة يعني فقدان أحد العناوين المهمة لمحافظة المثنى، فهي على المستوى الطبيعي بحيرة داخلية تتغذى على عيون مائية، كما أنها مركز استقطاب للسائحين بشكل مستمر، وقد وضعت على لائحة اتفاقية رامسر للأراضي الرطبة منذ عام 2015″، مبينا أن “التدخل البشري في محيطها كان هو السبب الأبرز والواضح بجفافها، من قبيل معامل صناعة الملح التي تعتمد على المياه الجوفية للآبار، فهي تنتج سنويا ما يقارب 500 ألف طن من الملح”.
ووفقا لتقرير سابق لـ”العالم الجديد”، فإنه وعلى عمق متر واحد في البحيرة، توجد طبقة لا يزيد سمكها عن 27 متراً، صفراء اللون وملساء، وبعد إزالة دائرة بقطر 50 سنتيمتراً، تظهر طبقات من حجر الكلس الصلد، على أشكال سداسية، وغير مستوية وذات لون أبيض، عند النظر إليها للوهلة الأولى يعتقد بأنها عبارة عن بلورات ملحية، وعند وضعها في منخل خشن وفركها داخل الماء، لإزالة العوالق منها تبين أنها أحجار كلسية صغيرة، وتكررت الحالة في أكثر من عشرة مواقع مختلفة من سطح البحيرة، وعلى أعماق مختلفة فظهر التكوين نفسه.
وتعتبر البحيرة محطة استراحة للخط الملاحي للطيور المهاجرة، والقادمة من دول الجوار والبلدان الأخرى منها: الغطاس الصغير، البجع الأبيض، أبو قردان، اللقلق الأبيض، أبو منجل الأسود، أبو ملعقة، النحام الكبير، صياد السمك، الهدهد، والسنونو، وذلك لما تتميز به من وفرة الأسماك، الغذاء الأساسي لهذه الطيور، ومختلف الحشرات القشرية.
ويرى الباحث الجغرافي حسين الزيادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “واقع البحيرة بحاجة إلى فريق علمي جيوفيزيائي وفريق متخصص في مجال التنمية للوقوف على حالها”.
ويحذر الزيادي، من “السكوت عن واقعها الحالي، الذي يعني فقدان مسطح مائي طبيعي يمكن الاستفادة منه كمورد إيجابي للبلد، عبر استغلال الأراضي المحيطة بها كمكان سياحي”.
من جانبه، يرى الخبير البيئي ليث العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جفاف هذه البحيرة أثر وبشكل واضح على مسار الطيور المهاجرة، حيث كانت البحيرة ملجأ مهماً للطيور التي تقطع مسافات طويلة”.
ويبين العبيدي، أن “البحيرة سجلت استقبال عدة أنواع من النسور المهددة بالانقراض، حيث كانت تتواجد قربها وتتغذى على طيور أخرى، وكذلك أنواع العديد من البط، ولكن مع هذا الجفاف فقدت الطيور أحد أماكن استراحتها، وبالتالي تغير مسار هجرتها بشكل بعيد عن هذه المنطقة”.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وعقد في بغداد، مطلع الشهر الماضي، مؤتمر بغداد الثالث للمياه، وخلال جلسة الافتتاح أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.