أعادت الهجمات المسلحة في نينوى وسامراء، الحديث عن نشاط تنظيم داعش، وفيما أرجعها متخصصون بالأمن إلى محاولة خلايا التنظيم “إثبات الوجود”، أكدوا أنها لا تعني شيئاً ولا تؤكد قوته، إضافة إلى محاولتها “الثأر” لمقتل زعيمه مؤخرا، وسط تضاؤل عملياته في العام الحالي مقارنة بالماضي.
ويقول الخبير العسكري والأمني جليل خلف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذه الخروق تحدث بسبب الحواضن التي يتملكها داعش، على الرغم من أن التنظيم لم يعد يمثل ذلك الخطر الكبير في العراق، حتى وإن نفذ عمليات منفردة هنا وهناك، فقد قام التنظيم بتغيير أسلوبه في العراق بعد 2017، إذ أصبح ينفذ هجمات بواسطة عناصر قليلة تتراوح من 3 إلى 10، منتقيا الأماكن الرخوة التي لا توجد فيها رقابة أمنية مشددة، ومستخدما أسلوب: اضرب واهرب، ليوصل رسائل بأنه موجود”.
ويضيف خلف وهو لواء متقاعد، أن “داعش بعد مقتل زعيمه، يريد أن يثبت وجوده، ويعبّر بهذه الهجمات بأنها ثأر لقتل زعيمه، وما نلاحظه الآن أن العمليات بدأت تشهد تطورا واضحا، مثلا هو لم يعد يعلن عنها ويعمل بهدوء من دون شرح تفاصيل العمليات، كما أن دور الاستخبارات والمخابرات الآن أصبح أكبر”.
وشن تنظيم داعش هجوما انتحاريا يوم أمس، في قضاء سامراء بمحافظة صلاح الدين، ما أدى إلى مقتل ضابط ودخول النقطة الأمنية باشتباك مع عناصر التنظيم، أسفر عن مقتل عدد منهم.
كما هاجم داعش يوم أمس أيضاً، نقطة أمنية تضم قوة من الحشد الشعبي في قضاء النمرود، ودخل باشتباكات عنيفة معها، أسفرت عن مقتل أحد عناصر النقطة من هيئة الحشد الشعبي، فيما أعلن عن مقتل أحد عناصر التنظيم واعتقال آخرين، بعملية عسكرية موسعة على خلفية الهجوم والاشتباكات.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن مطلع الشهر الحالي، مقتل زعيم تنظيم داعش، أبو الحسين القرشي بعملية نفذها جهاز المخابرات التركي في سوريا.
يشار إلى أن أبو الحسين القرشي، نصب زعيما لداعش، بعد مقتل سابقه أبو الحسن القرشي في تشرين الثاني نوفمبر 2022.
وقد نصب أبو الحسن القرشي، زعيما لداعش، بعد مقتل زعيم التنظيم عبدالله قرداش في شباط يناير 2022، بضربة جوية أمريكية، شارك فيها جهاز المخابرات العراقي بالمعلومات، حسب الإعلان الرسمي العراقي في حينها.
وخلال الـ15 شهرا، أي منذ مقتل قرداش، شن تنظيم داعش عشرات الهجمات في بعض المحافظات العراقية، خاصة في كركوك وديالى والطارمية، ونفذ عمليات استهدفت نقاط الجيش، ما أدى لسقوط ضحايا بالعشرات، وقد سجلت هجماته تناميا ملحوظا في مطلع العام الماضي.
من جانبه، يبين الخبير الأمني هيثم الخزعلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن عناصر داعش في نينوى وفي سامراء كلهم يعملون بطريقة الخلايا النائمة، وتتركز حركتهم من غرب حدود العراق من الحدود السورية عبر تلال حمرين حتى مطيبيجة وهي منطقة النشاط، ومنها يتوزعون على باقي المحافظات في سامراء وتكريت وكركوك وديالى، أما في صلاح الدين فالحسكة التي تقع مقابل سنجار تمثل منفذًا جيدا لدخول هذه الجماعات الإرهابية”.
ويؤكد الخزعلي “وجود حواضن لهذه المجموعات في داخل المنطقة، وإن استتباب الأمن في الفترة الأخيرة يؤشر انعدام وجود داعش”، مستدركا أن هذه “الاشتباكات هي إعلان وجود يتخذه التنظيم ليقول إنه مازال موجودا في العراق علما أن عدد ما تبقى منهم لا يتجاوز الـ750 شخصا وهم يعملون بشكل عصابات متنقلة وخلايا نائمة يقومون بمهاجمة النقاط الضعيفة والمنعزلة من الجيش أو القوات المسلحة العراقية، وما هذه العملية إلا استعراض من أجل إثبات وجودهم”.
يشار إلى أن العمليات الأمنية لم تتوقف منذ إعلان التحرير عام 2017 ولغاية الآن، لتطهير كافة المناطق من وجود عناصر تنظيم داعش، ودائما ما تسفر عن العثور على مضافات فيها أدوات منزلية ومقتل عدد من عناصر التنظيم، وهذا إلى جانب مئات الطلعات الجوية التي تنفذ لاستهداف عناصر داعش أو عجلاتهم المفخخة في المناطق الصحراوية.
إلى ذلك، يفيد الخبير الأمني عماد علو، خلال حديث لـ”العالم الجديد” بأن “تنظيم داعش عادة ما يقوم بعمليات ثأرية عند حدوث عمليات تستهدف قياداته، وليس شرطا أن تكون في مكان معين، إنما في المنطقة التي تعشش فيها خلاياهم النائمة، لكن هذه العمليات لا تعني شيئًا أمام تراجع قوة التنظيم وقدراته على القيام بعمليات إرهابية في العراق، فمن الطبيعي أن تتراجع إمكاناته بشكل كبير”.
ويورد علو “في العام الماضي كانت حصيلة العمليات التي قام بها التنظيم 483 عملية، ولكن لاحظنا انه خلال الستة أشهر الأخيرة منذ استلام حكومة السوداني حتى الآن لم تتجاوز عمليات التنظيم 121 عملية، وهذا يدل على أن التنظيم لم تعد لديه تلك الحواضن الاجتماعية التي تسهل عليه القيام بعملياته إضافة إلى تراجع قدراته المالية والدعم اللوجستي الذي كان يتلقاه سابقا، خاصة أنه فقد الكثير من قياداته، ما يؤثر على خططه وعملياته كما يؤثر على معنويات عناصره، ولذلك نرى انه يحاول بين الفينة والأخرى القيام بعمليات ويمدها بوهج إعلامي اكبر مما تستحق”.
وينفي الخبير الأمني، أن “تكون هناك علاقة بين هذين الخرقين الأمنيين وجولات وزير الدفاع لبعض المقرات لأن جولات الوزير حدثت في القطاعات القريبة في بغداد، وليست في المناطق التي حصلت فيها الخروقات”.
وكانت “العالم الجديد” سلطت الضوء سابقا، على العمليات الأمنية لملاحقة تنظيم داعش، وعددها الكبير وأسباب عدم نجاحها بالقضاء على التنظيم بشكل كامل، الأمر الذي عزاه خبراء في الشأن الأمني إلى استمرار داعش بكسب عناصر جديدة بما يملك من مغريات عديدة، يستهدف من خلالها شباب المناطق “المهمشة والمظلومة”، وبالتالي فلا تزال الحواضن موجودة، وتفرز خلايا جديدة، والقضاء عليها بحاجة لوقت طويل.