صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هرولة أوباما نحو مصر: نجاح أم فشل؟

الرهان المصري اليوم على العلاقات الخارجية، لاسيّما مع دول الخليج باستثناء قطر التي تعتبر في مأزق بين ناري اعترافها بشرعية الإرادة الشعبية المصرية، ودعم جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن الرهان على روسيا والصين في معادلة العلاقات بالمنطقة وكقوى بديلة لأميركا، وطبيعة مواقف تلك الدول عقب اكتمال خريطة الطريق في مصر.

 

تأثرت العلاقات الخارجية المصرية بشكل واضح بما شهدته مصر منذ 3 يوليو وحتى الآن، لاسيما بعد أن رفضت معظم دول العالم الاعتراف بالنظام الجديد الذي تشكل إبان عزل مرسي عن السلطة واصفين الخطوات التي اتخذت للإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في البلاد بغير الديمقراطية، كما علق الإتحاد الإفريقي عضوية مصر به، وتوترت العلاقة مع العديد من دول المنطقة كتركيا وقطر وتونس بسبب وصفهم لما حدث في مصر بالانقلاب. ولا ننسى توتر العلاقات المصرية الأمريكية والأوروبية وما ترتب عليها من إيقاف المعونة الأمريكية لمصر. وبالمقابل اكتفت مصر منذ عزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بدعم دول الخليج خاصة السعودية والإمارات.

 

ومن هنا تعتبر رسالة الملك السعودي لمصر عقب الإعلان الرسمي بفوز السيسي بانتخابات الرئاسة بأنها رسالة مهمة، وتؤكد أن السعودية تقف بصلابة بجانب مصر، وبالتالي ستجر بجانبها بقية دول الخليج في دعم مصر، فالدعم السعودي لمصر يأتي في إطار المصالح المشتركة بين البلدين، خاصة أن السعودية رأت في ثورات الربيع العربي تهديداً كبيراً عليها في ظل سيطرة فصائل تيار الإسلام السياسي على دول الربيع العربي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي بينها وبين آل سعود عداوات كبيرة، فالمملكة تخشى من الإسلاميين، فلو نجح الإخوان في مصر ستتعرض ممالك الخليج لمخاطر كبيرة.

 

نتيجة صمود ونجاح مصر في اجتياز المرحلة الحرجة السابقة أدت إلى تبدّل الموقف الأمريكي تجاهها، فالدعم الاقتصادي من جانب السعودية والإمارات نجح في تفويت فرصة الضغط اقتصادياً على مصر من جانب الإدارة الأمريكية، كذلك كان تعليق الصفقات العسكرية من جانب الولايات المتحدة غير ذي جدوى بسبب التعاون العسكري بين مصر وروسيا التي أثرت في مصالح الولايات المتحدة السياسية في المنطقة، فتراجع دور قطر المدعومة من الولايات المتحدة أسهم في أن يكون لدى السعودية والإمارات دوراً أكبر على المستوى الإقليمي، فمن سوريا إلى ليبيا لا يغيب عن المتابعين الآثار الواضحة للدور الخليجي في مجريات الأمور، كذلك دخول المنطقة في حالة من التهدئة بعد حوالي ثلاث سنوات من الغليان السياسي والاجتماعي، وتحسن العلاقات الخليجية الإيرانية وانتهاء سيناريو الإطاحة بنظام الأسد، والمصالحة الفلسطينية وغيرها من الملفات التي لا يمكن إبعاد فاعلية الدور المصري عنها. وهنا لا يمكن إغفال دور مصر في سيناريوهات التهدئة التي تسود المنطقة، لذلك فليس لدى الإدارة الأمريكية بديل جيوسياسي يعوض ما تمثله مصر، فالعوامل السابقة جعلت الإدارة الأمريكية تتراجع عن مواقفها المتشددة تجاه مصر، وتمثلت ملامح هذا التراجع في ترحيب وقبول الإدارة الأمريكية بنتيجة الانتخابات الرئاسية، كذلك إعلان البيت الأبيض عزم الرئيس الأمريكي الاتصال بنظيره المصري في الأيام القادمة، وأن الولايات المتحدة تتطلع إلى العمل مع السيسي لتعزيز الشراكة الإستراتيجية، والمصالح المشتركة بين أمريكا ومصر، وكل هذا يشكل خطوة مهمة تمهد لإنهاء التوتر الذي يخيم على أجواء العلاقات بين الدولتين، فضلاً عن أن مسألة حضور وفد من الكونجرس الأمريكي حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس المنتخب السيسي تشير إلى إمكانية استئناف العلاقات العسكرية والاقتصادية التي توقفت بناء على قوانين أصدرها الكونجرس خلال الشهور الماضية. 

 

وهنا يمكنني القول  إنه على مصر أن تستعيد مكانتها القديمة، وذلك من خلال تدعيم العلاقات المشتركة مع الدول العربية عن طريق تفعيل معاهدتي الدفاع العربي المشترك لإعادة القومية العربية، والثانية هي تفعيل المشروع العربي المشترك للتصنيع الحربي، ويكون بدعم عربي مشترك وذي فائدة مشتركة لإنتاج كل أنواع الأسلحة لتحقيق التوازن العسكري في المنطقة.

 

وأخيراً ربما أستطيع القول إن دول العالم الكبرى أصبحت مجبرة على التعامل مع مصر الآن، فمصر بسبب موقعها الإستراتيجي ودورها الرئيس تحظى باهتمام القوى الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وتعمل جميعها على إقامة علاقات سياسية واقتصادية معها، وهذا ما يثير حنق وغضب أعداء مصر الذين لا يريدون لهذا البلد أن يقوم بدوره الطبيعي في المنطقة، بل يريدون مصر ضعيفة تستجدي المساعدات من القوى الكبرى وتخضع لإرادتها وتمتثل لأوامرها، لذلك أرى أن مصر السيسي ستكون أفضل، ولهذا ستكون هناك عين على الداخل لإحداث نقلة نوعية في حياة الناس، وعين على الخارج تستطيع من خلالها أن تعيد رسم التحالفات من جديد في المنطقة.

 

* د. خيام محمد الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، khaym1979@yahoo.co

إقرأ أيضا