إنَّهُ موسم الانتخابات في العراق – في بداية مايس 2014. ويبدو واضحا أن هذا الموضوع يثير شجون الجميع نظرا لأهميته.
يُعتبر الانتخاب في الأنظمة الحرة الشعبية (الديمقراطية) حقا وامتيازا وواجبا. فهو حق مشروع لمَن وُلِد وعاش في البلاد حتى سن البلوغ القانونية. وهو امتياز لمن اكتسب جنسية البلاد الأجنبية حسب القانون. وفي الحالين فإنه واجب وطني مقدّس على كل مَنْ تتوفّر فيه شروط الانتخاب لاختيار نوّاب وحكومة قادرة على خدمته وفق الدستور والقوانين، وبذلك يضمن استمرار النظام السياسي الحر الشعبي (الديمقراطي).
وبسبب أهمية المشاركة الجماهيرية في الانتخابات فقد شرّعت بعض الدول، مثل أستراليا ومالطا، قوانين تُوجب على الناخب أن يشارك وإلا تعرض للعقاب. لذلك نرى أن نسبة مشاركة الناخبين فيهما تزيد على 95%، وهو أمر لا تحلم به أكثر الأنظمة الشعبية (الديمقراطية) عراقة مثل بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، والولايات المتحدة الأمريكية التي تتأرجح نسبة المشاركة المتدنية فيها بين 50 و55% فقط. ويميل السياسيون الفاسدون إلى تفضيل سياسة الأمر الواقع للاحتفاظ بامتيازاتهم المادية.
تشريع الزيف
من ناحية أخرى يُعتَبَر العراق الآن \”شبه دولة\” و\”ناقص الاستقلال\” – جرّاء النظام الاستبدادي للطاغية صدام حسين، والاحتلال الأمريكي ـ البريطاني بقيادة (مجرمي الحرب) جورج بوش وتوني بلير، و(عملاء الاحتلال) من أعضاء مؤتمر لندن لعام 2002. فالنظام السياسي الذي خلقه الاحتلال في العراق هو نظام \”حر شعبي مزيف\” ـ له أسماء كل المؤسسات الشعبية (الديمقراطية) لكنها معطلة بطريقة \”قانونية ـ شرعية\”، وصمّموا المجلس النيابي بحيث تكون نسبة 70% من النواب من العملاء المخلصين للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
الهجوم أفضل وسيلة للدفاع
نظرا لمقاطعة شرائح كثيرة من المجتمع العراقي التصويت على الدستور عام 2005 وما تلاه من انتخابات مزيفة، ولم تزِدْ المشاركة فيها عن 50% فقد استطاع المتعصبون الطائفيون التسلط على رقاب الأغلبية الصامتة حتى الآن. مع ذلك كلّه يمكن القول أن الحكومة ومجموعة الـ70% من مجلس النواب أدركوا أنهم هذه المرة خاسرون لا محالة، وأن كل خبراء العلاقات العامة والإعلام والفتاوى والصلوات والأدعية لن يستطيعوا تثبيتهم في مناصبهم. كما أدركوا أيضاً بأن الكثير من العراقيين المؤهلين للانتخاب في الداخل والخارج يُعدّون العدّة للإطاحة بهم وتنصيب جيلٍ جديد ربّما يكون أقل منهم فساداً وظلماً وأكثر منهم ميلا للعمل الجاد والعدالة. لذلك تفتّقت قريحتهم عن إصدار قانون جديد للانتخابات في تشرين الثاني من عام 2013 يحرم حوالي 6 ملايين عراقي في الخارج من حقهم الدستوري بالانتخاب، ويناقض حقوق الإنسان والدستور والقوانين، برغم ضعفها وتهافتها. من الناحية العملية فإن عراقيّي الداخل والخارج يكملون بعضهم بعضا من النواحي الاجتماعية والسياسية، ولا مجال للتفاضل بينهما إلا بالعمل المثابر من أجل العراق والعراقيين.
لعلّ من المفارقات المؤلمة أن عصابة مؤتمر لندن الطائفية التي تحكم العراق منذ بداية الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني حتى الآن أدخلت قانوناً جديداً في عام 2003 لمنح أعضائها جنسية عراقية مع أن كثيراً منهم عاشوا منذ طفولتهم أو معظم حياتهم خارج العراق، ولم يؤدوا الخدمة العسكرية نهائيا، وما زالت عوائلهم تعيش خارج العراق باستمرار. بل وشمل هذا القانون رند رحيم وأحمد الجلبي وغيرهم.
الظلم أساس الفوضى
إن أهم أسباب الوضع المأساوي الراهن في العراق هو إقصاء معظم المجتمع العراقي من المشاركة في صنع القرار السياسي ـ الاجتماعي. وهذا الإقصاء تعمّده الاحتلال وعملاؤه بعد أن أدركوا أن إشراك الشعب في القرار يؤدي حتماً إلى طردهم بسرعة. ومن نتائج الإقصاء أن بعض الناس أخذت تمارس \”العدالة\” على طريقتها الخاصة وهي شريعة الغاب والنهب المنظم لثروات الشعب.
لذلك فإنَّ موسم الانتخابات في العراق هو في الواقع موسم الحمقى والحماقات. فكل أحمقٍ طائفي متعصب متطرف يرى في هذا النظام الزائف فرصة العمر التي لا تُفوّت للإثراء السريع واكتساب الجاه والسلطة، ثم الاختفاء في مكانٍ ما من العالم، تاركاً وراءه العراق حطاماً والعراقيين أكثر بؤساً من ذي قبل. أمّا الحماقات فيرتكبُها بعض الناس مُرغَمين تحتَ وطأة الحاجة إلى لقمة العيش وتأثير الإعلام السياسي المُضلِّل والدِّيني الكاذب.
وعلى مر السنين العشر الماضية رأينا وخبرنا بأنفسنا الروحَ العبثية الانتهازية والنفس المتورّمة المريضة والعقلية العنيفة المتطرفة في معظم النواب وأعضاء الحكومات المتعاقبة منذ بداية الغزو والاحتلال الأمريكي ـ البريطاني عام 2003 حتى الآن.
كما لاحظنا باطّرادٍ غياب الرؤيا الوطنية الموحِّدة لكل العراق والعراقيين، وتشرذمَ الوطنيين الصامتين، و\”عدّاد\” الضحايا يتحرك بسرعة ولم يتوقف دقيقة واحدة منذ عام 2003.
كُلُّ صوتٍ مهمّ… لِذا أعدَدْتُ قائمة الجرد
إذا امتنعتُ عن التصويت أكونُ قد فرّطتُ بحقّي وقصّرتُ بواجبي الوطني المقدّس، ومنحتُ الطائفيين فرصةً ذهبية للفوز السهل. وإذا منحتُ صوتي لشخصٍ طائفي وحزبٍ طائفي أكونُ قد شاركتهُم في الفساد الإداري الشامل والجرائم ضد البشرية والجرائم الاقتصادية. ولِكَيْ أُفوّتَ الفرصةَ على أولئك الّذين عبثوا بالعراق وعاثوا فساداً وانتهكوا الأعراض المصونة وأهدروا الدماء الزكية وبعثروا الثروات الطبيعية الوطنية، وضعتُ لِنفسي مقاييس أساسية لا تفريطَ فيها وشُروطاً واقعية لا تنازلَ عنها. يجب أن تتوفّر هذه الشروط والمقاييس بكل شخصٍ يُريدُ أن يكونَ نائباً أو حاكماً في العراق.
أولا: الانتخاب السلبي
أقصد بذلك الامتناع التام عن انتخاب أيّ عضوٍ في المجالس النيابية والحكومات منذ عام 2003 حتى الآن لاسيما أعضاء مؤتمر لندن لعام 2002 وأتباعهم. وهذا يشمل كلَّ مَنْ يُقدّم طائفته على عموم الشعب العراقي، ومَنْ يؤمن بالحصص الطائفية في الحكم، ومَنْ يؤمن بالتقسيم والانفصال عن العراق، ومَنْ يعِدُ ويدَّعي ولا يُنفِّذ، ومَنْ لا يُقيمُ في العراق 365 يوما في العام الواحد، ومَنْ أثرى خلال وظيفته الحالية بسبب القرابة والقرب من العصابات الحاكمة، ومَنْ تعاون مع دولة أجنبية، ومَنْ فرّط بشِبرٍ من العراق، ومَنْ أهدر الأموال العامة وسرقها وهرّبها، ومَنْ شجّع وحرّض وشارك في فرق الإعدام قبل وبعد الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني.
ثانيا: الانتخاب الإيجابي
أعني بذلك المواصفات الواقعية للنائب والحزب السياسي المناسب للإدارة والحكم.
1. كلّ شخص متعلّم، مثقّف، نزيه، مستقيم، وطني، متسامح، متفتّح، متطوّر، متواضع، إتّحادي، جريء، شجاع، مباشر في كلامه ومواقفه. يجب أن يكون الشخص معروفاً بهذه الصفات ويمكن التحقّق منها بشهادات مناسبة.
2. سليم العقل والجسم ومتّزن نفسيا وعاطفياً واجتماعياً وله قدرات قيادية واضحة وروح تعاونية.
3. له جنسية عراقية وجواز سفر عراقي قبل عام 2003.
4. أدّى الخدمة العسكرية في الجيش العراقي الباسل وتسرّح حسب القانون قبل عام 2003.
5. عمل في دوائر الدولة العراقية ما لا يقل عن عشر سنين وله عمل حاليا في القطاع العام أو الخاص.
6. يذكر عناوين الوظائف التي شغلها في حياته المهنية وعناوين الدوائر التي عمل فيها.
7. يُقدّم شهادات عدم محكومية من كل الدول التي أقام فيها لمدة ستة أشهر أو أكثر خلال السنين العشر الماضية.
8. يُقدّم شهادات حسن السلوك والسيرة والسمعة من مكان عمله ومن مكان سكنه مُعزّزة بأربعة شهود لكل منهما ومؤكَّدة من قبل مسؤولي المصلحة المهنية والمجلس البلدي أو المختار.
9. غير محكوم عليه بأية جريمة أو جناية أو جنحة مخلة بالشرف داخل وخارج العراق خلال الأربعين سنة الماضية.
10. يكشف كل شهاداته العلمية والمهنية ليتمكن الناس من التحقّق منها بأنفسهم.
11. يُقدّم كشفاً بحساباته المصرفية داخل وخارج العراق عن نفسه وأقربائه من الدرجة الأولى ويُودَع الكشف لدى دائرة الانتخابات (المفوضية العليا).
12. يتعهّد خطّيّاً ألا يُقدّم أيّة مقاولة أو منفعة مادية أو معنوية بقرار خاص أو عام إلى نفسه وأحد أفراد عائلته وأقربائه إلى الدرجة السابعة وأصدقائه وجيرانه خلال مدة المنصب.
13. له عنوان بريدي فعلي في العراق وعنوان الكتروني وموقع خاص في الشبكة الدولية (الإنترنت) وهاتف للاتصال به وعرض الأفكار ومناقشة أفكاره ومشاريعه.
14. رسالته إيجابية مركّزة على الأفكار وليس على الأشخاص، ويعالج المشاكل بطريقة شمولية وليس بطريقة ترقيعية جزئية.
15. حزبه السياسي شامل لكل العراقيين أي ليس خاصا بطائفة قومية، عنصرية، عشائرية، دينية، مذهبية، إقليمية، مهنية، الخ.
16. يذكر مصادر وكميات التمويل للدعاية الانتخابية وطرق الإنفاق معززة بالوثائق.
17. يؤمن بضرورة فصل المؤسسة السياسية عن الدينية ـ أي أنّ رجل السياسة لا كلام له في الدين والمذهب، ورجل الدين لا كلام له في الأحزاب السياسية وطريقة الحكم.
18. يؤمن بضرورة تغيير الدستور الطائفي والقوانين الطائفية المنبثقة عنه بطرق سلمية شعبية.
19. يؤمن بمبدأ اللاعنف في حياته الشخصية والعامة واستخدامه للسلطة. أي أنّه يؤمن بأن الحوار والمناقشة المتمدنة العادلة أفضل من الحوار بالأسلحة والتهديد بها.
20. يتعهّد خطّيّاً أن يُحقّق الأمور التالية عند انتخابه رئيساً للوزراء خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات فقط من بداية تسلمه الوظيفة:
أ. الأمن والأمان لكل العراقيين في الأرواح والممتلكات.
ب. العمل المناسب لكل شخص قادر، والضمان الاجتماعي الكافي غير القادر استناداً إلى تقارير اللجان الطبية والاجتماعية.
ج. السكن الحديث اللائق بالإنسان.
د. السلامة المهنية لكل العاملين والدارسين في العراق.
هـ. إصلاح وتوسيع البنى التحتية المجانية لكل المواطنين والمستويات من طرق وجسور ومراكز علمية وصحية واجتماعية وحدائق عامة وتشجير وكهرباء وماء ومجاري صحية وهاتف وإذاعة وتلفزيون والشبكة الدولية (الإنترنت)، الخ.
و. تيسير الحصول على الأغذية الصحية والأدوية من مناشئ عراقية وأجنبية خاضعة للرقابة الحكومية وتتوفر فيها المواصفات والمقاييس المطلوبة.
ز. ضمان حرية الرأي والاعتقاد والتجمع والتظاهر دون خوف من القتل والسجن والتعذيب والتهديد والملاحقة والطرد من الوظيفة والدراسة.
ح. حماية السيادة الوطنية والاستقلال والحدود والأجواء، وإنهاء كل ارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
ط. حماية الثروات البشرية والطبيعية من التخريب والنهب والاستخدام الجائر.
ك. مكافحة الفساد الإداري والطائفية والحصص الطائفية وإلغاء لجان النزاهة والاجتثاث، وإلقاء القبض على مسؤوليها والتحقيق معهم بجرائم الفساد والقتل والتعذيب والظلم.
ل. منع البرامج والمحطات الإعلامية المحلية المثيرة للكراهية والمحرّضة على العنف، ومنع ممثلي ومراسلي المحطات الأجنبية المماثلة من التواجد في العراق ومنع مواقعها في الشبكة الدولية (الإنترنت) من الاستخدام في العراق.
م. منع البرامج والمحطات الإعلامية المحلية والأجنبية من تلفيق الأخبار الكاذبة ونشر الإشاعات بحجة \”استناداً إلى مصدر مطلّع رفض الكشف عن هُويّته\”، واعتقال موظفيها وإحالتهم إلى القضاء بتهم التحريض على الكراهية والعنف والإخلال بالأمن العام. أما إذا لم تكن لتلك الوسائل الإعلامية مكاتب وممثلين في العراق فإنه تصدر ضدهم مذكرات اعتقال دولية ويتم التعاون مع الشرطة الدولية أو محكمة الجنايات العالمية بهذا الخصوص.
21. لديه برنامج انتخابي شامل مطبوع على الورق ومنشور في الشبكة الدولية (الإنترنت)، ويقع في 50 إلى 70 صفحة، يذكر فيه تفاصيل خطته السياسية خلال مدة الحكم القادمة، ويُبيّن طرق التنفيذ ومصادر التمويل ومقدارها والجداول الزمنية لتنفيذها.
فإن توفّرتْ في أحدٍ المعايير الواردة أعلاه سأكون سعيداً بمنح صوتي له، وإلا سأحرمُهُ منهُ تماماً.
أسباب الشروط
إنّ مَنْ يُعيدُ انتخاب حكومةٍ عراقيةٍ فاسدةٍ كَمَنْ يُلدَغُ مِن جُحرٍ ثلاثَ مرات، ثُمّ يَشكو مِن لَدغَةٍ الأفعى للمرّة الثالثة. كما إنّ صوتي أثمن من أن أُفرّط به لكل منْ هبَّ و دبَّ أو أنْ أحجبَه عمَّن يستحقُّهُ.
لابد من الوقوف بالمرصاد لأيّة فئة سياسية أو دينية تُصدِر البيانات والفتاوى التي تحرّض وتشجّع وتنهى وتهدّد وتكفّر وتحلّل وتحرّم. ومَنْ يتحدّثُ عن أو باسم المرجعية الدينية في النجف الأشرف فإنّهُ كذّاب ومنافق لأن المرجعية لم ولن تنتخب أيّ فردٍ أو كتلة أو ائتلافٍ سياسي أيّاً كان اسمهُ أو إدّعاؤهُ.
بهذه الطريقة أكونُ قد قرّبتُ إلى نفسي كلّ مواطن عراقي مخلص، وتِعدادهم بالملايين وإن كانوا صامتين، وأبعدتُ عن نفسي كلّ مجرم طائفي عميل وهُم بالمئات فقط وإن كانوا صاخبين.
ملاحظة أولى: لو تحدّثتُ بهذه الشروط والمواصفات المطلوبة أمام مرشح سياسي في دولة ذات نظام سياسي حر شعبي (ديمقراطي) لواجهني بابتسامة إشفاق لأن هذه الشروط تحصيل حاصل وموجودة في القانون ولا حاجة للحديث عنها. بل لو تمّ تطبيق القوانين الغربية على أعضاء المجالس النيابية والحكومات العراقية لوجب إعدام أو سجن معظمهم بِتُهَم الخيانة العظمى والقتل والتحريض على الكراهية والعنف والفساد الإداري والأخلاقي والتخريب الاقتصادي والاختلاس والتهريب والتلاعب بالأموال العامة والكذب تحت اليمين وإعاقة العدالة والتستّر على المجرمين وغيرها من التُهم الخطيرة.
ملاحظة ثانية: يستطيع كل مواطن عراقي أن يطبع الشروط أعلاه (أو قائمة الجرد) على الورق ويلصقها على باب الغرفة والثلاجة ليتذكّرها ويُذكِّر بها الآخرين.
* كاتب وباحث عراقي مقيم في فانكوفر، كندا