اتفقت آراء المختصين على أن السيول الأخيرة في العراق ستسهم بتغذية الأهوار التي فقدت أكثر من 90 بالمئة من مياهها، ودفع اللسان الملحي عن شط العرب في البصرة، مقللين من إمكانية تشكيلها خطرا على السكان.
ويقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية علي راضي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الوزارة تتعامل بواسطة كوادرها المتخصصة مع أي أمطار أو سيول، وتعمل على الاستفادة منها بأقصى ما يمكن، وخاصة في مناطق الوسط والجنوب، وتوجيهها باتجاه المناطق التي عانت من الشح المائي، لاسيما في مناطق الأهوار، كونها مهمة جدا لتعزيز المياه وأيضا تحسين بيئة شط العرب ودفع اللسان الملحي”.
ويبين راضي أن “السيول مهمة لتأمين كل محطات الإسالة والاستفادة منها أيضا في الرية الأولى خلال الموسم الزراعي الشتوي”، موضحا أن “هناك إيرادات مائية من السيول والأمطار في الحزام الشمالي أو الشرقي من البلاد، وهذه تم تأمينها وتوجيهها باتجاه سد حمرين وسد العظيم، إلا أنها ستعزز الخزين بنسبة محدودة على اعتبار أنها ليست سيولا كبيرة”.
وشهدت البلاد منذ ليلة الخميس الماضي، أمطارا غزيرة وسيولا في بعض المناطق، ومنها كركوك، حيث فقد طفلان من أهالي قرية حصار ببلدة شوان بالمحافظة، بعد أن اجتاحت السيول القرية، ولاحقا تم العثور على جثتي الطفلين.
كما تعرضت جلولاء في محافظة ديالى إلى موجة سيول، اجتاحت المنازل في بعض القرى، كما أخلت القوات الأمنية العائلات إلى مناطق آمنة.
وكانت مدينة أربيل، تعرضت العام الماضي إلى فيضان وسيول طالت العديد من مناطقها السكنية بسبب غزارة الأمطار، وأدت إلى شل الحركة في المدينة وخسائر بملايين الدولارات.
بدوره، يوضح مدير موارد مياه المقدادية هاشم الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السيول التي تتجه من نهر الوند وتصب في ديالى، وتلك التي تأتي من كلار وتتجه أيضا إلى نهر ديالى مرورا بجلولاء وقرة تبة، والقادمة من وادي نارين نحو نهر كفري، كلها تصب في بحيرة حمرين، وهذه كلها في صالحنا”.
ويضيف الموسوي أن “السيول القادمة من مناطق الشوهاني ودلي عباس تتجه نحو نهر الخالص وتصب في نهر ديالى خلف سدة الصدور، وهذه مفيدة أيضا ولا سلبيات فيها”.
ويشير إلى أن “المنازل التي تضررت من السيول هي منازل متجاوزة مبنية في أحواض الفيضانات والمنحدرات، وهذا ما حصل يوم الجمعة الماضي في جلولاء”.
وفي منتصف الشهر الحالي، شهد البلد موجة أمطار أدت إلى غرق أغلب المناطق، ومنها مناطق في العاصمة بغداد وأقضية ونواح في المحافظات الجنوبية، فضلا عن تسببها بانقطاع التيار الكهربائي.
يشار إلى أن وزير الموارد المائية عون ذياب، صرح في موجة الأمطار السابقة هذا الشهر، بأنه سيكون لها تأثير إيجابي في تخفيف حدة التنافس على المياه، خصوصا للأراضي الزراعية، كما سيكون لدى الوزارة الفرصة لمعالجة شح المياه في المناطق الجنوبية وتأمين جزء من احتياجات مناطق الأهوار التي لم يتبق من مياهها سوى 8 بالمئة، بحسب الإحصاءات الرسمية.
في السياق ذاته، يفيد الخبير في الشؤون المائية عادل المختار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “كميات المياه ليست بالشكل الذي يتصوره المواطن، والدليل على ذلك هو ما نشاهده من سيول في جدة بالسعودية وسيول جلولاء وأيضا سيول أربيل العام الماضي التي كانت كمياتها كبيرة، أما السيول الحالية فلا تهدد أي شيء ومسيطر عليها”.
ويتابع المختار أن “السيول من سامراء وصعودا إلى الشمال كلها تخزن في السدود، ومن سامراء نزولا إلى البصرة، يستفاد منها في سقي المزروعات وتدعيم الأهوار، ومن ثم إرسال كمية من المياه العذبة للبصرة لدفع اللسان الملحي”.
ويضيف “إذا جاءت السيول من إيران فإن لدينا خزانات صغيرة تخزن فيها، والآن بشكل عام كل السيول تتوجه إلى الأهوار لتدعيم الموقف المائي فيها”.
ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو الماضي، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة.
جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.