العمليات العسكرية الجديدة لتنظيم \”الدولة الإسلامية\” – (داعش) سابقا، في شمال العراق، هزت الأكراد وهددت الأقلية الأيزيدية ليس بإبادة جماعية فحسب، بل بالانقراض الثقافي, ولذلك ردت الولايات المتحدة، فجر الجمعة، باستخدام قواها الجوية ضد أهداف للتنظيم داخل العراق، وذلك لأول مرة، منذ تغيير الحركة المتشددة اسمها من \”تنظيم الدولة في العراق والشام\”، ومغادرة القوات الأمريكية بنهاية عام 2011.
إذن.. ما الذي قد تحققه العمليات الجوية الأمريكية؟
سلاح الطيران قوة خارقة لا يستهان بها لدى تطويعها على النحو المناسب، وأحيانا غير مجدية في الأوضاع الخاطئة.. و\”داعش\” سوف تمثل البديلين في العراق.
ببساطة شديدة.. القوة الجوية فعالة للغاية ضد عدو مهاجم، سواء إن كانت مجموعات أم في أرتال أم ضد منظومة أسلحة، متحركة كانت أو مشاركة في القتال، فهي تشكل حينها \”هدفا\” يسهل تحديده واقتناصه من الجو، وطالما لا توجد قوات أمريكية على الأرض، أو محددين للأهداف أو مراقبين جويين، فإن إمكانية رصد الهدف من الجو مسألة محورية. وكما رأينا فجر الجمعة، فان أرتال \”داعش\” أو مدفعيتهم التي كانت تقصف المواقع الكردية، مثلت أهدافا سهلة. القوة الجوية قاهرة في مثل هذه الحالات.
عندما أشار الرئيس، باراك أوباما، إلى ضربات جوية \”مستهدفة\” لحماية الأمريكيين في بغداد أو أربيل، فجوهر حديثه رهن استخدام القوة الجوية بمهاجمة \”داعش\” للمدينتين، وقصف مقاتليها لسهولة تحديدهم، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الرئيس لم يحدد أهداف القصف الجوي بدحر المليشيات المسلحة سواء من الموصل أو كركوك أو الفلوجة، ففي مثل هكذا مدن مكتظة سكانيا، للعمليات الجوية حدود، فمن الصعوبة مواجهة عدو، من الجو، في مواقعه الدفاعية لاسيما داخل المناطق العمرانية، حتى في حال سهولة استهدافه، فإن إمكانية إيقاع خسائر بين السكان المدنيين تبقى كبيرة للغاية، أما بحال إخطاء الهدف فتبقى النتيجة كارثية.
الحروب دوما محفوفة بالمخاطر، لكن في هذه تبدو ضمن أضيق نطاق. الرئيس اختار وسيلة واحد – القوة الجوية – بمهام تنحصر في: منع قوات العدو من مهاجمة مواقع مخطط لها، في إربيل أو بغداد، وهذه مهمة تقع ضمن نطاق قدرات القوة الجوية الأمريكية، والمقاتلات الحربية الأمريكية في موقع يتيح لها، وبشكل مطلق، منع \”داعش\” من التحرك نحو المدينتين.
أما استعادة المناطق التي بسطت \”داعش\” سيطرتها عليها، فهو شأن مختلف تماما، الأمر يتطلب موقفا عراقيا موحدا – عربا وأكرادا – بظل حكومة جديدة تتمتع بالإرادة والشرعية لقبول تضحيات سوف يتطلبها الهجوم البري.
علينا النظر إلى التجربة الأمريكية في الفلوجة الثانية قبل عقد مضى.. هذا ما قد يبدو عليه الوضع، لكنه مسعى لن تنضم إليه قوات برية أمريكية، هذا يجب أن يكون واضحا، فالشارع الأمريكي أبدى معارضته التامة لمثل هذا الالتزام.
ولهذه الغاية، نأمل أن لا يزال العراق ضمن الإطار الزمني الدستوري بحيث يمكن تشكيل حكومة جديدة لتبدأ المهمة الصعبة والطويلة لاستعادة أراضيها. لهذا على الرئيس العراقي الجديد، فؤاد معصوم، إيكال مهمة تشكيل الحكومة إلى الكتلة الأكبر بالبرلمان قريبا.
* دوغلاس أيه أوليفانت: الزميل الرئيس في مؤسسة أمريكا الجديدة، عمل كمدير لقسم العراق بمجلس الأمن القومي إبان إدارتي الرئيس الأمريكي الحالي، باراك أوباما، وسلفه، جورج بوش، ويعمل أيضا كنائب رئيس \”مانتيد الدولية\” وهي مؤسسة استشارات إستراتيجية تربطها علاقات عمل بجنوب العراق، CNN