قُرعت طبول حرب الفواتير تحت قبة البرلمان العراقي. وساحات النزال فيها والكر بوثيقة فساد والفر منها بوثيقة أخرى تدحضها كانت المنابر الإعلامية والقنوات الفضائية، إذ صدح فيها بعض السادة النواب فبدا أن كل حزب وكتلة بما لديهم من فاتورة ضد الآخر يُشهرون ويطعنون. وبحق كان لهذه الحرب وقع الحسرة القاتلة في القلوب ورائحة أزكمت أنوف الذين غمسوا أصابعهم في حبر ثورات البنفسج الثلاث.
أُنفقت فواتير بملايين الدنانير على عمليات تقويم أسنان واقتلاع باسور وتجميل وجه نائب في الوقت الذي تعاني مستشفيات البصرة, والمتخصصة حصرا بالأمراض السرطانية, من تذبذب التيار الكهربائي الواصل إليها من إيران, وأطفالنا يتعلمون بمدارس الطين المتأرجحة فوق رؤوسهم, وشبابنا يعاني ذُل البطالة حاملين شهاداتهم الأكاديمية يطوفون بها مستجدين عملا ما أو وظيفة.
أُحرقت هذه الملايين في بلد ينضح نفطه نضحا ومن ريع بيعه يأمل أهله أن تتضاءل نسبة 25% ممن يعيشون فيه تحت خط الفقر، ولكن ما جرى هو العكس، حيث كلما ازداد ريع المبيعات من النفط نزداد فقرا ويقل التمويل لقطاع الخدمات الصحية والتربوية والتعليمية والبلديات ومشاريع البنى التحتية وتزداد الهوة بين المسؤول والمواطن الذي حمله أمانة المسؤولية وبين الناخب والمُنتَخب الذي أصبح ينعم بالجاه والسلطة وبالمنافع الاجتماعية والعناية الصحية المميزة الباحث عنها خارج بلده، وهو ذاك الشخص ذاته الذي يخشى الكشف عن ذممه المالية التي إن كشفها سوف توضح البون الشاسع بين ما كان وما يكون هذا اليوم. وقد كشفت هيئة النزاهة أن عدد النواب الذين كشفوا عن ذممهم المالية هم 120 من مجموع 325، أي أقل الثلث.
الغرابة والتعجب حول ما رشح من هذه الفضائح الموثقة بفواتير أن لا متهم قُدم للمساءلة القانونية ولا تبرير صدر ممن أُتهم ولا تصريح لأحد أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية السبعة عشر يطالب فيه بالتحقيق أو يميط اللثام عن إجراءات سوف تتخذها اللجنة بخصوص هذه الفضائح ذات العيار الثقيل. ولم يدر في خلد رئاسة البرلمان إدراج ما طفح من هذا البذخ المالي في جدول أعمال أي جلسة برلمانية.
قد يكون المكسب الانتخابي, أو التسقيط السياسي, أو كسر شوكة حليف الأمس وعدو اليوم من نفس الكتلة هو المبتغى من هذه الحرب التي استعر أوارها في الأسابيع الماضية. أو لنتأمل خيراً ونقول إنها نفاد الصبر على المستور والمخفي من هذه المخالفات الهادرة للمال العام. وفي كل الأحوال فان الحل في تفعيل عمل هيئة النزاهة وجعلها صاحبة اليد الطولى في مساءلة أي شخص مهما كانت وظيفته والعمل على التقليل من اثر التدرع بالحصانة النيابية التي تزيد من شكيمته وتجعله في منأى عن كل مساءلة وعقوبة في حالات الفساد المالي والهدر للمال العام والإرهاب حصراً والسبب لأن وزر أحدهما يشد من وطأة وزر الآخر. وأيضا إلغاء لجنة النزاهة النيابية لأن كل عضو فيها يتحزب ويدافع عما يُبتلى فيه أي نائب آخر إذا كان من كتلته وحزبه، والأمثلة كثيرة ولا جدوى من ذكرها لأنها بوضوح الشمس في رابعة النهار. وبالتالي فإن كل عضو في البرلمان يجب أن يكون ممثلا في لجنة برلمانية معينة وفي ذات الوقت هو بمثابة عضو لجنة نزاهة ليشكل مع الآخرين لجنة نزاهة برلمانية تراقب وتطالب بالمحاسبة ضد كل مسؤول في الدولة مهما علا شأنه وكل عضو برلمان مهما عظمت كتلته, أما استمرار التراشق وإبراز ما يمكن إبرازه من وثائق تدين الآخر في المؤتمرات الإعلامية واستغلال منابر بعض القنوات لكشف ملفات فساد وهدر للمال العام بدون محاسبة ومساءلة قانونية أصولية سيبقى جعجعة من دون أن نرى طحنا، وسيطمئن المسؤول والبرلماني أنه بريء حتى بعد ثبوت إدانته جهارا نهارا.
* كاتب عراقي
هل المسؤول والبرلماني بريئان حتى بعد ثبوت إدانتهما؟!
2013-09-22 - دولي