هل تقامر واشنطن بأمن إسرائيل في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع طهران؟

لم تسر الأمور بالنسبة لحل الملف النووي الإيراني كما تريد إسرائيل، ولذلك بدت غاضبة إلى حد كبير من البوادر الإيجابية التي تشير إلى إمكانية حلّ هذا الملف، والتقارب مع إيران سيكلف الولايات المتحدة فقدان حليفتها إسرائيل، والتصريحات الحادة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، حول الاتفاق مع طهران ووصفه بأنه \”سيء وخطير\”، أكبر دليل على تدهور العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

وأكد الكاتب الإسرائيلي تسيفي برئيل إن إسرائيل بدأت تصنف واشنطن بأنها العدو الحقيقي الذي يقود العالم إلى الهاوية ويهدد وجود إسرائيل، كما تصنفها الدول العربية، وأشار إلى أن الكثير من الدول العربية تتفق مع إسرائيل فيما يتعلق بتسلح إيران النووي، وأضاف \”برئيل\” أن نتنياهو لم يعد يهدد بأن تعمل إسرائيل وحدها على مواجهة إيران، بل أكد أن إسرائيل غير ملزمة بأي اتفاق يحرز مع إيران، ولم يؤمن بإجراءات دبلوماسية مع إيران، ومن هنا فإن واشنطن قد خانت إسرائيل ويهود العالم.

في إطار ذلك نجحت طهران حتى هذه اللحظة في إشعال أزمة سياسية كبيرة بين أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية، أصبحت هذه الأزمة تهدد حسبما يقول المراقبون بإنهيار تحالف تاريخي قديم استمر لعقود طويلة، ويفتح فرصة كما يقول مراقبون آخرون لإعادة بناء تحالفات إقليمية جديدة تكون إسرائيل جزءاً منها.

لقد أثار برنامج إيران النووي قلق معظم الدول الإقليمية والغربية وبشكل خاص إسرائيل، على الرغم من إنها  الوحيدة في المنطقة التي تملك قدرات وأسلحة عسكرية نووية، والتي هددت تكراراً بأنها ستضرب المفاعلات النووية في حال إقتربت طهران من إنتاج هذا السلاح، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية \”حليفة إسرائيل\” هي من تقود ملف المفاوضات النووية مع إيران، تصاعدت الأصوات في إسرائيل خشية صفقة بين أمريكا وطهران قد تزيد من فرص وصول طهران الى نسب عالية من التخصيب. 

واليوم تزداد حدة الخلافات بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإسرائيل بشأن إيران، حتى في الوقت الذي حذر فيه البيت الأبيض الكونجرس من أن أي عقوبات جديدة على طهران قد يؤدي إلى حرب، بالمقابل أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي إن المسألة ليست خياراً بين إتفاق سيء أو الحرب، وإنما هناك خيار ثالث هو استمرار ضغط العقوبات على طهران، وقد أثار أسلوب نتياهو المتشدد جدلاً في إسرائيل وبين المنظمات الأمريكية الموالية لتل أبيب، حول إمكانية الإنشقاق عن البيت الأبيض.

وفي سياق ذلك لا تزال إسرائيل تصر على موقفها المتشكك والرافض لأي إتفاق بين القوى الكبرى وإيران، إذ إتهم وزير الإقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت الإدارة الأمريكية بأنها \”تقامر\” بأمن إسرائيل في سعيها للتوصل إلى إتفاق مع طهران. 

وقال بينيت أمام معهد بروكينغز للدراسات \”في الوقت الذي أنا فيه تواق للسلام لا أعتقد أن هذا هو الوقت الملائم للمقامرة بأمننا\”. كما ندد جلعاد أرادان، وزير حماية الجبهة الداخلية، بالانتقادات التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي للحملة التي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية ضد التوصل لإتفاق مع إيران، وقال أردان خلال مؤتمر لمعهد دراسات الأمن الوطني \”اندهشت لسماع جون كيري وهو يتساءل لماذا ينتقد رئيس الوزراء الاتفاق الذي يجري بحثه في جنيف دون انتظار توقيعه\”.

وكرر نتنياهو دعوته للقوى الكبرى إلى عدم قبول أي إتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي ووصف مشروع الاتفاق بأنه \”سيء وخطير\” وقد يفضي إلى حرب، وقال انه \”يمكن التوصل إلى اتفاق جيد وتفكيك القدرة النووية العسكرية الإيرانية، ولكن لن يتم الوصول إلى ذلك عبر الاقتراح الذي يبحث حاليا في جنيف\”، وتابع، إن مواصلة الضغط الإقتصادي على إيران هو البديل الأمثل لخيارين قال إنهما إتفاق سيء أو الحرب.

وفي السياق نفسه، قال وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتز إن حزمة تخفيف العقوبات المعروضة من القوى العالمية على إيران في إطار المفاوضات النووية يمكن أن تصل إلى 40 مليار دولار أو نحو 40 % من تأثير العقوبات، إذ بلغت التكلفة الإجمالية للبرنامج النووي الإيراني حوالي 170 بليون دولار، وتم إستثمار 40 بليون دولار في السنوات العشرين الأخيرة في إنشاء وتشغيل المنشآت النووية، فضلاً عن أن إيران خسرت 130 بليون دولار بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2012، ويندرج الحديث عن الأرقام تحديداً، في سياق محاولة إسرائيل التأثير السلبي على المفاوضات بين إيران والقوى الغربية.

وفي الوقت نفسه حذر البيت الأبيض الكونغرس الأميركي من إن التصويت على عقوبات جديدة ضد إيران سيضرب كل الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني وقد يؤدي حتى إلى الحرب، وهذا التحذير الشديد الذي وجهته الرئاسة الأميركية إلى البرلمانيين الذين يريدون تشديد العقوبات على إيران يأتي بعد فشل المفاوضات بين طهران ودول مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا، إضافة إلى ألمانيا) في 9 تشرين الثاني الجاري، إلا إن هذه الدول ستلتقي جميعها مجدداً في المدينة السويسرية إعتباراً من 20 تشرين الثاني الجاري للتوصل إلى إتفاق بغية وقف البرنامج النووي الإيراني المثير للخلاف.

وفي سياق متصل إن كل من واشنطن وطهران لديها الرغبة في التوصل إلى تسوية شاملة بشأن الملف النووي إلا أن هذه الرغبة تتعثر بصعوبات داخلية لدى كل منهما، وخصوصاً في الولايات المتحدة إذ يعرب الكونغرس عن معارضته لإتفاق متعجل مع إيران لا يضمن وقف برنامجها النووي، ويدعو إلى تشديد العقوبات لإجبار طهران على الانصياع للإرادة الدولية، أما في إيران فتجد الحكومة  صعوبة في التراجع عن التخصيب الذي رسمه مرشد الجمهورية علي خامنئي خطاً أحمر لا يستطيع أحد تجاوزه، فالتخلي عن الحق في التخصيب قد يعطي الإنطباع بأن طهران يمكن أن تتراجع في ملفات أخرى بينها الملف السوري. 

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا؛ هل يمكن لإسرائيل المناورة بدون الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل تقامر أمريكا بأمن اسرائيل في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع طهران؟ 

من خلال ما سبق  أرى بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تملك القدرة على المناورة إقليمياً ولا دولياً بدون دعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية، كون إن العلاقات مع الولايات المتحدة هي حجر الأساس، وبدونها لن تستطيع إسرائيل أن تناور في العالم اليوم، وأن الخلاف الشديد بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الشأن الإيراني طبيعي، كون هناك علاقة تحالف استراتيجيّ وثيق بين الطرفين، وفي ظل هذه المخاوف، فإن المستوى الحالي من التعاون والتفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة لا مثيل له ويبقى بالغ الأهمية لكلا البلدين، وبالتالي فإن العلاقة الاستراتيجية الفريدة مع واشنطن هي إحدى الركائز الأساسية للأمن القومي الإسرائيلي، ومن وجهة نظر إسرائيل، لا يوجد بديل لهذه العلاقة من حيث نوعيتها وعمقها، بمعنى ادق  أن إسرائيل تابعة تبعيّة ذيليّة كاملة للولايات المتّحدة، إذ أنّها صنيعتها بل ولايتها الواحدة والخمسون.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول، ليس لدى إسرائيل الكثير من البدائل، فرئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، يحاول الضغط ضد السير بالمفاوضات بين طهران والغرب، ولكن الأمر يعتمد على إرادة الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فإن الكيان الصهيوني يسعى دائما لإبقاء العلاقة بين إيران والغرب في حالة توتر دائم حتى يبتز أكثر، كونها تدرك جيداً أن أي توجه نحو إيجاد تسوية بين الغرب وإيران بشأن الملف النووي سيحرمها من استخدام التهديد النووي الإيراني كذريعة لحرف الأنظار عن القضية الفلسطينية واستمرارها في المراوغة بشأن عملية السلام مع  الفلسطينيين،  وبالتالي فإن هناك هدف مشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشأن منع إيران من تطوير سلاحها النووي، بما يصب في المصالح الأمنية الأمريكية والإسرائيلية على السواء، ولكنهما يختلفان حول الجدول الزمني والإستراتيجية اللازمة بذلك.

* كاتب وباحث سوري

إقرأ أيضا