صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل ضاع الملك في بجامته في رواية ” الملك في بجامته”؟ لخضير الزيدي

يحيل عنوان رواية خضير الزيدي الملك في بجامته الصادرة حديثا عن دار الرافدين 2018 م، الى نص ينسج علاقة سردية مع تاريخ عراقي ليس ببعيد ومثير في ذات الوقت، او على الاقل  فان هذا العنوان يوحي بان الرواية ستذكرنا بلحظة درامية في تاريخ العراق الحديث قضت على الحقبة الملكية بانقلاب دموي لازل الخلاف حوله قائما بين مؤيد ومعارض.

لكن الكاتب يلجأ لعقد هذه الصلة الى اسلوب شاع في الادب العراقي منذ تسعينيات القرن العشرين وهو المخطوط الذي يروي احداث لم تكن متوقعة فيكون القارئ بين نص المخطوط الذي يروي الحادثة التاريخية وهي في رواية الملك في بجامته مخطوط رواية لكاتب مغمور يدعى عماد الاغا، وتسند لكاتب روائي محترف ليكمل الفصل الاخير منها وهو خالد الشيخ، وبين المخطوط الاول والثاني هناك عمل مسرحي يقدم في اكاديمية الفنون يعتمد نص رواية المغمور ويطلب من خالد الشيخ الاشراف على اكتماله. وبين المخطوط والمسرحية المزمع تقديمها عن لحظة اغتيال الملك فيصل واميرات القصر، يفقد الروائي السيطرة على الاحداث ويظل يدور في حبكة متقطعة فيسرد الاحداث التاريخية باسلوب الاستطلاع الصحفي اكثر من السردي. من قبيل هذا النص “يستلم الملك الصغير مرتبا قدره 48 الف دينار في السنة تضاف لها مخصصات ديوانية مقدارها 12 الف دينار سنويا، فيما تقل مخصصات ولي العهد لتصل الة 9 الاف دينار..” ص 191.

وهنا يبرز السؤال مافائدة ان تكتب رواية عن حدث تأريخي ان لم تضف لما يعرفه الناس امرا جديدا؟ كما ان الكتابة عن التاريخ في الرواية تفترض مقدما ان يكون الروائي واعيا الى ان التأريخ وقائع والرواية تخييل والتأريخ علم والرواية فن، والتاريخ يتحول الى تجربة جماهيرية ما ان يدخل في اطار الفن والتعبير عن الانسان في مرحلة ما.”1″، لكن الحقيقة التي صورها الكاتب للواقع في روايته ظلت ضيقة حين ضيعت الخيط الرابط بين الحدث التاريخي والواقع والاحداث الحاضرة، فلم ينجح النص في سد الثغرات حول قصة موت العائلة المالكة العراقية  ولم يضئ العتمه حولها، لانه ببساطة اضاع الخيط بين الذاتي والموضوعي فدار النص حول احداث خارجية موضوعية  مدركة بالحس واهمل الذاتي المتعلق بجوهر الشخصيات الملكية كيف تفكر وكيف تعيش وفق معادلة تتوازن فيها الاطراف: الزمان والمكان والانسان، ماينقص الرواية هو البعد الانساني للعائلة المالكة فالرواية لم تدخل لتفاصيل حياة هذه العائلة ولم تنطق الشخصيات ولم تترك لها مساحة لتتحاور فيتعرف عليها القارئ عن قرب، ظل الراوي يدور حول القصر ولم يخترق اسواره ليروي لنا حكاية العائلة الملكية بتفاصيل معروفة عنها في كتب دونها المؤرخون وكان يمكن ان تكون عونا للروائي في تحول الاميرات والملك الى شخصيات حية تتفاعل مع القراء وتنطق بحكايتها  كما لم يعرفها القارئ من قبل، بل ان النص وقع في اغلاط تاريخية منها مثلا ان شخصية الاميرة بديعة التي نجت من المذبحة حصرها الروائي في دور السيدة التي تصب اللعنات على العراقيين قتلة عائلتها، بينما كان يمكن ان تكون هي الراوية للاحداث لاسيما انها دونت مذكراتها عن حياة القصر والملوك والاميرات في كتاب وريثة العروش، ومن ضمن ماروت ان الملك فيصل رفض الاقتران بالاميرة الفارسية لانها لم تكن جميلة وذات انف ضخم كما انها متحررة وتشرب المشروبات الكحولية وتتحدث بجرأة عن مغامراتها العاطفية وهذا ما استهجنه الملك والاميرات الواتي تلقين تربية محافظة جدا، بينما يروي الزيدي تفاصيل عن جمال الاميرة الفارسية وعينيها الساحرتين، وهذا يدل على انه يكتب عن شخصية تاريخية لم يتتبع ما كتب عنها واشتهر من كتب ومقالات. كما ان شخصية الخادم عباس الزنكي وجميل القرة تبي  تأخذ مساحة اكبر من الملك نفسه في الرواية. فضاع الملك ولم يستطع النص ان يدفع القارئ للتعاطف مع عائلته في ابشع مجزرة دموية في تاريخ العراق الحديث. ومن المغالطات التاريخية التي تضمنها النص ايضا فكرة المسؤولة عن السلامه الفكرية السيدة سعاد التي كانت حزبية وبعثية مندفعة وتحولت الى اسلامية في العهد الجديد، وكل من يعمل في الجامعات العراقية يعلم ان هذه المهنة او الدور كان رسميا في عهد البعث لكنه صار يمارس تطوعا من الاسلاميين وتزلفا لاسيادهم وهذا لايستحق ان تفرد كل هذه المساحة لسيرة السيدة سعاد وتحولاتها الخارجية والداخلية بينما تم اغراق الملك في بجامته ولم نتبين معالمه او معالم العالم المحيط به.

كما ان فكرة اللعنه التي تصاحب حياة العراقيين ورمزية الجرذان التي اغرقوا فضاء الرصافة صارت مستهلكة ايضا ولاتقدم الكثير لانها تحصر مدلولات الرواية في زاوية وسم العراقيين في زاوية العنف ودوامة الموت واستحقاق الموت لمن وقعت عليهم اللعنة دون ذنب لهم فيما يجري.

احسب ان اسلوب الرواية التي تتأمل ذاتها او الاسلوب التجريبي في هذا النص هو المسؤول عن هذا التشتت في نص الرواية فقد انشغل الكاتب بالتنظير وبالتأمل النقدي الذي يوضح المبادئ الشكلية للسرد، مثل قو له: “عليك انقاذ روايتك من التيه مابين زمن القص وزمن خطاب اللحظة التاريخية بين التاريخ والسرد انه منزلق خطر للغاية وعليك توخي الدقة والحرفية، هل تعلم  ان الرواية العراقية تعاني من ماضوية قاتلة..” ص 77، وليت الروائي العراقي يعي الان ان التجريب لايصلح لكل الموضوعات وان كتابة رواية تجريبية حداثوية لن يشفع له ان فقد السيطرة مكونات الاساسية لنجاح اي نص روائي.

لابد ان اختم هذا المقال بالاشارة الى اجمل مافي رواية الملك في بجامته وهو الوصف العابق بالحب للاماكن البغدادية التي احسب ان الزيدي قد تفرد بها، فلم اقف على وصف كهذا في اغلب الروايات التي قرأتها وهي تركز غالبا على غياب الحياة وتفاصيلها في البيئة العراقية، بينما ظهرت الحياة مفعمة بالتفاصيل الحيوية في رواية الزيدي منها مثلا ” كانت تكبيرة الاذان الاولى كافية لصعود صبايا بغداد بنفانيف مزركشة وموشحة بالدانتيلا لرش السطوح في الماء وتبريد تربتها الفائرة، لتبادل الحكايات فيما بينهن من خلف الاسيجة..” ص:55 وغيرها من النصوص التي وصفت الحياة على نهر دجلة والحياة الليلية في ملاهي بغداد ابان العهد الملكي.

كما تميز النص بلغة شفافة ساخرة اضفت على الفصول الاولى من الرواية حيوية كبيرة لاسيما في وصف حال المثقفيين العراقيين وهم يجتمعون عند موت الاديب لقدموا ايات المواساة لاهله ثم يختفون وكأنهم ندابات القدر في مسرحيات شكسبير.

الهوامش

  1. ينظر: الرواية التاريخية، جورج لوكاتش،ت: صالح جواد كاظم، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت 1978 ، ص17 .

إقرأ أيضا