بعد تمرير القوانين “الجدلية” وحسمها من قبل المحكمة الاتحادية، التي أقرت بدستوريتها ضن ما يعرف بـ”السلة الواحدة”، برز الحديث عن قوانين وهيئات ما زالت معلقة وأثارت الجدل، وهي تعديل قانون تقاعد هيئة الحشد الشعبي وحل هيئة المساءلة والعدالة، وفيما رفض نواب، فكرة “المقايضة” بالتشريع والحل، أكدوا أن قانون الحشد مرهون بالتوافق على السن التقاعدية فيه، فيما اعتبروا وجود “المساءلة” “مهم” في المرحلة الحالية، ولا يوجد سبب لإنهاء عملها.
ويقول عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عامر الفايز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إمكانية تكرار تمرير القوانين بطريقة السلة الواحدة بعد إبطال الأمر الولائي الخاص بها من قبل محكمة التمييز الاتحادية، واردة جدا”.
ويضيف الفايز، أن “القوانين الجديدة وطرق تشريعها في مجلس النواب تعتمد بالدرجة الأساس على الاتفاق السياسي بين زعامات الكتل ونوابهم، ولذلك يتم تمرير القوانين بطريقة توافقية بغض النظر عن الصياغات والبنود والفقرات الموجودة”، مؤكدا أن “قانون تقاعد الحشد الشعبي وحل المساءلة والعدالة وسلم الرواتب، كلها مطروحة لتمرر في الفترة المقبلة”.
ويتابع، أنه “لغاية الآن لا يوجد طرح لتشريع قانون تقاعد الحشد بطريقة المقايضة أمام حل هيئة المساءلة والعدالة”، معتبرا أن “الهيئة جاءت بفترة حكم انتقالية ولها مدة زمنية تكمل خلالها كل اعمالها وتدفع بملفاتها للقضاء المختص ليبت بها، وبذلك ينتهي عملها نهائيا عبر حلها”.
ويمثل تعديل قانون تقاعد هيئة الحشد الشعبي، إحدى القضايا المعقدة والمثيرة للجدل في المشهد السياسي العراقي، ففي عام 2024، أرسلت الحكومة تعديلا للقانون، يتضمن وضع حدود دنيا وعليا لرواتب منتسبي الحشد والسن القانونية للتقاعد، إلا أن مجلس النواب أخفق في التوصل لصيغة توافقية على القانون، في جلسته التي عقدت في الرابع 4 شباط فبراير الحالي، وتم رفعه من جدول الأعمال.
ويثار الجدل حول السن القانونية للتقاعد، المنصوص عليها في القانون، وسرت أنباء أن إقراره يعني إقالة رئيس الهيئة فالح الفياض، الأمر الذي تسبب بتأجيل إقراره، لكن بالمقابل نفى الإطار التنسيقي أكثر من مرة التوجه لإقالة الفياض.
وتنص ورقة الاتفاق السياسي التي وقعت عليها القوى السياسية العراقية ووافقت على تضمينها في برنامج عمل حكومة السوداني، على عدة مطالب للقوى السنية، والقوى الكردية، ووافقت عليها قوى “الإطار التنسيقي”، الحاكمة بالبلاد، لقاء تصويت السنة والأكراد على منح الثقة لحكومة السوداني.
وأبرز ما تضمنته هذه الورقة كان تعديل قانون العفو العام، ليشمل إعادة النظر بمحاكمات انتُزعت بناء على اعترافات تحت التعذيب، أو أدين أصحابها بوشاية المخبر السري، وإعادة جميع النازحين لمدنهم الأصلية، وأبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات، كذلك، تضمنت الورقة تعويض أصحاب المنازل المدمرة من العمليات العسكرية والإرهابية، والكشف عن مصير المُغيبين، وحل هيئة المساءلة، وتحقيق الموازنة داخل مؤسسات الدولة، بما فيها المناصب العسكرية والأمنية وفقا للنسب السكانية في العراق.
من جانبها، تنتقد النائب عن تحالف الفتح، انتصار حسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، الحديث عن “الذهاب باتجاه مساومة تمرير قانون تقاعد الحشد مقابل حل المساءلة والعدالة”.
وتؤكد حسن، أن “هذه الطريقة غير مقبولة وسترفض بالتأكيد، فالحشد الشعبي ومقاتلوه قدموا التضحيات الكبيرة من أجل الوطن، منذ صدور فتوى الجهاد الكفائي، ويجب تمرير قانون الخدمة والتقاعد لهم، وهو أبسط حقوقهم”، مبينة أن “البرلمان ماض بتمرير القانون خلال الأيام المقبلة بعد التوصل لحل للنصوص التي يتم مناقشتها بدقة”.
وتلفت إلى أن “تحالف الفتح والإطار التنسيقي بشكل عام، لن يرضخ للمساومات التي يتم تناقلها بمقايضة القوانين، لان مايخص قانون خدمة وتقاعد الحشد هو استحقاق يجب الإقرار به”، مضيفة أن “التعديلات ستكتمل خلال الايام المقبلة ليتم إرسال القانون للبرلمان بغية التصويت عليه”.
وكان مجلس النواب، أقر ثلاثة قوانين جدلية، وهي تعديل قانون العفو العام، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون إعادة العقارات لأصحابها في كركوك، ويعد قانون العفو العام، من أبرز ما طالبت به الكتل السنية، وتم تضمينه في ورقة الاتفاق السياسي لتحالف إدارة الدولة، عند تشكيل الحكومة.
وكشفت مصادر صحفية عن وجود اتفاق بين قوى ائتلاف إدارة الدولة لاستبدال هيئة المساءلة والعدالة بهيئة قضائية تختص بملفات المرشحين لشغل المناصب الحكومية.
وطالب ائتلاف القيادة السنية الموحدة، في 18 كانون الثاني يناير الماضي، ائتلاف إدارة الدولة بتخصيص الاجتماع القادم للائتلاف لمناقشة وتنفيذ 9 فقرات، منها حل هيئة المساءلة والعدالة.
إلى ذلك، يبين عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي البنداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قانون خدمة وتقاعد الحشد الشعبي، يتضمن 85 مادة، وسيكون منصفا لتضحيات المقاتلين بالنظر للتضحيات الكبيرة التي قدموها خلال معارك التحرير”.
ويؤكد البنداوي، أن “لجنة الأمن والدفاع قامت بإضافة 5 سنوات كخدمة للمقاتلين الذين شاركوا في تحرير المدن بين عامي 2014 و2017، فضلا عن تضمين ترقية الشهيد إلى درجة نائب ضابط، وترقية الضابط من ملازم إلى عقيد، إضافة لشمول عوائل الشهداء بالتقاعد والامتيازات كافة”، مبينا أن “القانون قد تم عرضه مرتين للتصويت لكن تأجل وعاد للحكومة بطلب من هيئة الحشد الشعبي لغرض وضع تعديلات تتعلق بسن التقاعد للمنتسبين والقادة لأن هذه النقطة خلافية للآن”.
ويوضح أن “الهيئة تنظر إلى أنها تشكيل أمني وعسكري وعقائدي أيضا، بالتالي لا يمكن تحديد سن تقاعدي للقادة والمقاتلين أسوة بمؤسسات مشابهة، فهذه المؤسسات في أغلب دول عدة يتم التعامل معها بشكل مختلف عن بقية الأجهزة”، لافتا إلى أن هناك “ضغوطات سياسية لعدم تمرير القانون وتشريعه، لكن لجنة الأمن والدفاع لن تخضع لتلك الضغوطات ومستمرة بمناقشة البنود لإكمال الصياغات لتشريع القانون في هذه الدورة النيابية”.
وأجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، مراجعة لملف هيئة المساءلة والعدالة، التي تعرف باسم “هيئة اجتثاث حزب البعث”، واطلع على ما بقي من عملها، في خطوة قد تكون تمهيدا لحلّها بحسب ما نص عليه الاتفاق السياسي المبرم مع القوى العراقية التي دعمت تشكيل حكومة السوداني.
وقدمت حكومة السوداني نهاية العام 2022 طلبا رسميا إلى الهيئة، بنقل ملفاتها إلى القضاء، كخطوة أولى لتنفيذ الاتفاق بحل الهيئة، إلا أن الطلب قوبل بالرفض من قبل رئيس الهيئة، ودعمته قوى من الإطار التنسيقي.
من جانبه، يعبر عضو لجنة الشهداء والسجناء السياسيين النيابية، حسين البطاط، عن رفض لجنته “القاطع لحل هيئة المساءلة والعدالة لانها بمثابة إقرار وقبول بعودة حزب البعث واذنابه للواجهة من جديد دون رادع لهم”.
ويؤكد البطاط، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الهيئة وجدت وعملها مستمر وهو ضروري للوقوف بوجه البعث وأزلامه الذين بطشوا بالشعب العراقي لسنوات طويلة وبعضهم بلا حساب لغاية الآن”، معتبرا أن “أي ضغوطات لحل المساءلة والعدالة تمثل تحديا للوضع الراهن في العراق وتهديد للاستقرار”.
ويلفت إلى أن لجنته “داعمة لعمل الهيئة واستمرارها بالوقت الحاضر، ولن يتم السماح بالتقليل من اهميتها ودورها”.
واستقبل السوداني، في 28 كانون الأول ديسمبر 2024، رئيس هيئة المساءلة، باسم البدري، وأعضاءها، ووفقا لبيان لمكتب رئيس الوزراء، تلقته “العالم الجديد”، فإن “اللقاء ناقش ما قدمته الهيئة طيلة السنوات الماضية من عمل في مجال تحقيق العدالة الانتقالية في العراق، وكذلك مناقشة ما بقي من عمل الهيئة في مجال إنفاذ القانون، وتطبيق المهام والأهداف التي تشكلت على أساسها هيئة المساءلة والعدالة”.
ووجه رئيس الوزراء، وفقا للبيان، رئيس هيئة المساءلة بـ”تقديم تقرير مفصل للحكومة، يتضمن مجمل إجراءاتها وما أنجزته من بيانات، والمتبقي من عملها الذي رسمه لها الدستور والقوانين النافذة، وذلك وفقا لورقة الاتفاق السياسي الواردة في المنهاج الوزاري الذي صوت عليه مجلس النواب في 27 أكتوبرتشرين الأول 2022″.
وحول آليات حل هيئة المساءلة والعدالة، يوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أنه “جاء في المادة 135 ثانيا من الدستور، أنه لمجلس النواب حل هيئة المساءلة والعدالة بعد الانتهاء من عملها بالأغلبية المطلقة”.
ويبين التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “عند الرجوع لقانون هذه الهيئة رقم 10 لسنة 2008 أوجبت المادة 19 منه على أن تقوم هذه الهيئة بتقديم تقرير فصلي إلى مجلس النواب عن الإجراءات التي اتخذتها كونها ترتبط بمجلس النواب وتخضع لرقابته، ولذلك هي ملزمة باشعار مجلس النواب هل أنهت أعمالها أم لا، كما ولمجلس النواب كذلك الاستفسار منها عن ذلك بحكم المادة 19 من قانون هذه الهيئة، أي المساءلة والعدالة”.
ويبين أن “المادة 24 من قانون هيئة المساءلة والعدالة الزمتها بأن تقوم بإعداد أرشيف عن المشمولين ووظائفهم وإحالته إلى مجلس الوزراء حتى يقوم الأخير بتعميمه على الجهات الحكومية والمنظمات من أجل عدم تعيينهم مرة أخرى، حتى يعمل مجلس الوزراء بحكم المادة 135 من الدستور باشعار البرلمان بانتهاء عمل هذه الهيئة، أي بالتنسيق”.
ويستطرد أن “المادة 25 من قانون هيئة المساءلة والعدالة تنص على أنه لمجلس النواب حل هيئة المساءلة والعدالة بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، بعد التأكد من خلال ما تقدمه الهيئة إلى مجلس النواب من تقارير فصلية وينهى تنسيق القضاة والموظفين، ويتم تنسيب الموظفين في دوائر الدولة”.
ويشير إلى أن “حل هيئة المساءلة والعدالة لايحتاج إلى تشريع قانون جديد، لأن طريقة الحل رسمها المشرع مع كل الإجراءات في قانون الهيئة النافذ 10 لسنة 2008، وبالتالي فإذا ما قرر مجلس النواب الحل فان قراره هذا هو امتداد وتكملة للاجراءات القانونية التي رسمها القانون، وتعتبر امتداد لهذا القانون الذي أبقى مسألة الحل مفتوحة وبحل هذه الهيئة ينتهي القانون لوجود المادة 25 من القانون أعلاه التي أجازت ذلك”.
يشار إلى أن هيئة المساءلة والعدالة، ما تزال تعمل حتى اليوم، حيث أصدرت قرارات باستبعاد عشرات المرشحين للانتخابات المحلية المقبلة، نظرا لكونهم مشمولين بإجراءاتها.