دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، بتوقعه مستقبلا مظلما لاقتصاد العراق، بسبب ارتفاع النفقات وانخفاض أسعار وإنتاج النفط في آن واحد، ما قد يقرب البلاد من “الهاوية”، كما رأى مراقبون، في حين، قلل مستشار حكومي من مخاطر التقرير الذي نشره “الصندوق”، رافضا مبدأ التمسك بعوامل “مؤقتة” وغير استراتيجية، وهو ذات الأمر الذي كررته اللجنة المالية النيابية، لكنها وعدت في الوقت ذاته، بدراسة التقرير والاستفادة من ملاحظاته.
ويقول الخبير في الشأن المالي نبيل المرسومي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تقرير صندوق النقد الدولي واقعي، ويشير إلى انكماش الاقتصاد العراقي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2023، مقارنة مع سنة 2022، وهذا بسبب انخفاض إنتاج النفط وانخفاض الصادرات وانخفاض أسعار النفط، وهذا انعكس بشكل سلبي على معدل النمو الاقتصادي”.
ويضيف المرسومي، أن “العراق على حافة الخطر الاقتصادي، وبمجرد انخفاض أسعار النفط، سوف يعجز العراق حتى عن دفع رواتب الموظفين، خصوصاً وأنه ليس لديه مصدر آخر غير النفط، حتى أنه لا يملك صندوقا سياديا يمكن اللجوء إليه عند انهيار أو انخفاض أسعار النفط، ولذا فإن الاقتصاد العراقي يقف بشكل دائم على حافة الهاوية”.
ويؤكد أن “موازنة 2023، تضمنت أعباء عامة كبيرة جداً من خلال زيادة أعداد الموظفين ورواتب الرعاية الاجتماعية واستيراد الغاز والكهرباء، وهذه الأعباء كلفها المالية أكثر بكثير من عائدات النفط المتوقعة خلال الفترة المقبلة، وهذا يؤكد وجود خطر اقتصادي حقيقي”.
وكان صندوق النقد الدولي، أصدر أمس الخميس، تقريرا حول الوضع الاقتصادي في العراق، على خلفية اجتماع عدد من خبراء الصندوق مع مسؤولين عراقيين في الأردن من 24- 31 أيار مايو الماضي، لاحظ فيه أن زخم نمو الاقتصاد العراقي تباطأ مؤخرا، وأن إنتاج النفط سيتقلص بنسبة 5 في المائة خلال العام الحالي، بسبب خفض إنتاج منظمة أوبك+، وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك- جيهان، إضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي في أعقاب تشديد الرقابة على مكافحة غسيل الأموال من قبل البنك المركزي.
كما أشار التقرير إلى تقلص إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، بنسبة 9 في المائة (على أساس سنوي) في الربع الأخير من العام 2022، فيما حذر من رفع التضخم واستمرار تقلبات سوق العملات الأجنبية، في ظل تنفيذ الخطط المالية، وعدم التيقن من استقرار أسعار النفط.
وفيما رهن التقرير خروج البلاد من الأزمة بـ”ارتفاع أسعار النفط، وإيجاد سياسة مالية أكثر صرامة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط عبر تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام الرواتب”، أثنى على جهود الحكومة بإنشاء حساب الخزانة الموحد لتقوية الإدارة المالية العامة.
وكان صندوق النقد الدولي، توقع في 18 أيار مايو الماضي، أن يرتفع التضخم السنوي لأسعار المستهلك في العراق الى 6.6 بالمئة في العام الحالي، بعد أن كان 5 بالمئة في عام 2022.
وبالتوجه للمستشار الاقتصادي والمالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، فإنه يؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تقرير صندوق النقد الدولي متشائم جدا، فالمنظمات المالية الدولية متعددة الأطراف عادة ما تتمسك ببضعة عوامل سياسية وبيئية، حتى وإن كانت وقتية، لكي تعطي سيناريو شديد الحزن عن مستقبل الاقتصاد في العراق”.
ويهاجم صالح، تقارير المنظمات الدولية بشكل عام: “عادة ما تربط قضايا المياه والتصحر بمخاطر الأمن الغذائي من جهة، وتربط الاستخدامات النظيفة للطاقة وتحديدا الطاقة المتجددة بموضوعات تتعلق بالبيئة وتصفير الكاربون بقضية انخفاض الطلب على النفط وتدهور عوائده، وبالنتيجة يؤدي حاصل جمع تلك المحاذير إلى تهديد وجودي للاقتصاد حسب التقارير الصادرة عن تلك المنظمات”.
ويتابع “على الرغم مما تقدم، فأن البلاد وبرامجها الاقتصادية للسنوات القادمة سواء في مجال المياه أو الطاقة وتنويع الاقتصاد، جميعها مأخوذة بالحسبان، وهي مسؤولية وطنية في الدفاع عن مصالح التنمية المستدامة في البلد ولا مناص من ذلك”.
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) لكل عام، وأرسلت لمجلس النواب بعد التصويت عليها من قبل مجلس الوزراء، وتم بناء الموازنة، على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ”الموازنة الانفجارية”.
وخلال الفترة الماضية، بدأت أسعار النفط بالتذبذب، وانخفضت لمستويات عدت خطيرة بالنسبة للعراق، حيث قاربت الـ70 دولارا، في وقت أن العراق يبيع نفطه بأقل من السعر العالمي بنحو 6 دولارات.
يشار إلى أن جداول تقرير اللجنة المالية الخاص بالموازنة، أوردت مقدار ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين في وزارة التربية بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.
من جهته، يبين الخبير في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تقرير صندوق النقد الدولي بشأن الوضع الاقتصادي العراقي ليس ببعيد عن الواقع، وهذه المخاوف موجودة بشكل حقيقي، فالوضع الاقتصادي ينذر بمخاطر خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة بأعداد الموظفين وتحول الموازنة بشكل شبه كامل فقط لدفع الرواتب ومع وجود انخفاض في أسعار النفط”.
ويرى الكناني، أن “تقرير صندوق النقد الدولي، يجب الأخذ به بنظر الاعتبار من قبل الجهات الحكومية المختصة التي تدير الملف المالي والاقتصادي في الدولة، كما أن مجلس النواب العراقي، مطالب بدراسة هذا التقرير والأخذ بملاحظاته ضمن قانون الموازنة، قبل تشريعه خلال الفترة المقبلة”.
ويلفت الخبير الاقتصادي، إلى أن “العجز المالي الكبير في الموازنة، وعدم قدرة مجلس النواب على تخفيضه، يؤكد أن الوضع الاقتصادي العراقي سيمر بمرحلة حرجة، وما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي حقيقي، وهذا التشاؤم موجودة لدى غالبية أصحاب الخبرة الاقتصادية والمالية”.
يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.
لكن، عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، يشير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى ان “تقرير صندوق النقد الدولي مبالغ به، فالوضع الاقتصادي العراقي ليس بهذه الدرجة من الانهيار، بل على العكس الوضع جيد وهو تحت السيطرة من قبل المؤسسات المالية المختصة في الدولة العراقية”.
ويلفت إلى أن “الوضع المالي للعراق جيد جداً من حيث الاحتياطي النقدي، ونحن في اللجنة المالية البرلمانية بكل تأكيد نتابع ونطلع على كل التقارير الدولية التي تصدر بشأن العراق، وندرس تلك التقارير ونأخذها بنظر الاعتبار، من أجل إيجاد حلول لاي مشكلة حقيقة تكشفها تلك التقارير”.
يشار إلى أن العراق وإلى جانب دول أوبك، عمد إلى خفض إنتاجه النفطي بشكل طوعي مطلع الشهر الحالي، بمعدل 211 ألف برميل يوميا، وذلك بهدف اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة التحديات التي تواجه السوق النفطية العالمية، ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب واستقرار السوق، حسب بيان وزارة النفط، في حينها.