باتت “حكومة الظل” هي الأقرب للتحقق، في ظل توجه الإطار التنسيقي للاستعانة بشخصيات تحت عنوان “مستقلين” وزجهم للواجهة والتحكم بهم “سرا”، وخاصة عبر منصب رئيس الحكومة، كما يتوقع متخصصون بالشأن السياسي، وهذا بعد توقع عدول الإطار عن ترشيح محمد شياع السوداني للمنصب، مقابل تخفيف التيار الصدري من حدة تمسكه بمواقفه.
ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القوى التقليدية اعتمدت سابقا استراتيجية مرشحي الظل، والآن تعتمد السيناريو ذاته المتضمن اختيار ما يسمى بالمستقلين ولكنهم في الحقيقة يمثلون واجهات سياسية عديدة وليس الإطار وحده”.
ويبين الشمري أن “اعتماد الإطار على هذه الشخصيات ذات الظاهر المستقل يأتي لتخفيف زخم الضغط من قبل التيار الصدري الذي يدفع باتجاه حكومة مستقلة وعدم إغضاب الرأي العام العراقي وإيهامه بإبعاد الوزارات عن نظام المحاصصة”.
ويتابع الشمري “بالنسبة للسوداني فإن الإطار متمسك به بحسب المعلومات، ولكن المشكلة لم تعد تتعلق بالسوداني بل بعدم إغضاب الصدر، وعليه فإن الإطار سيبحث عن التسوية أو شخصية مرضية للتيار حتى لا يكون هناك استفزاز كبير، ولذلك نتوقع كل شيء، وقد شهدنا سابقا ترشيح شخصيات كثيرة ومن ثم التراجع عنها، وربما يكون الإطار مضطرا للتسوية ليتمكن من تشكيل الحكومة”.
يشار إلى أن منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، ذهب بحسب الاتفاق، للنائب المستقل محسن المندلاوي، ومن المفترض أن يتم التصويت عليه بعد معاودة البرلمان عقد جلساته.
يذكر أن النائب الأول حاكم الزاملي، قد كان قد استقال إلى جانب نواب الكتلة الصدرية سابقا، وبقي منصبه شاغرا، ومن المفترض أن يذهب للكتل الشيعية المتبقية في البرلمان، بحسب التقسيم المحاصصاتي، وجرى حديث سابق عن بحث الإطار عن مرشح للمنصب.
يشار إلى أن “العالم الجديد” كشفت في حزيران يونيو الماضي، عن توجه الإطار التنسيقي إلى تشكيل حكومة مستقلين، بعد انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من المشهد السياسي، في خطوة تهدف للظهور بمظهر عدم المسؤول عنها أمام الشعب، ولعدم “استفزاز” الصدر، أو تكرار تجربة حكومة عادل عبد المهدي التي رفضها المجتمع الدولي، وهو ما عده محللون سياسيون “خدعة” مكشوفة لن تأتي بنتائج إيجابية ولن تساهم بتهدئة الشارع.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي صلاح الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الديدن العام لقوى السلطة هو ترشيح شخصيات على أنها مستقلة لكنها في الحقيقة تابعة لها أو خاضعة لشروطها، ولكن السؤال هل يستطيعون أن يمرروا هذا السيناريو؟”، مستطردا “إذا استطاع الإطار أن يشكل حكومة ومضى بهذا الاتجاه، فالجميع يعرف أنه لن يعطي السلطة لا لمستقلين ولا غيرهم”.
ويشير الموسوي إلى أن “الاستعانة بالمستقلين الشكليين بديهية في كل عملية تشكيل حكومة، وهذا السيناريو سيكون واضحا بعد انتهاء زيارة الأربعين”، مضيفا أن “السوداني هو ورقة الإطار الرابحة، والتراجع عنه وارد، ولكن التزامه بترشيحه يأتي للضغط على الطرف الآخر للتراجع عن مواقفه، وإذا تراجع فقد يستبدل الإطار السوداني بأي شخصية أخرى”.
يذكر أن متخصصين بالشأن السياسي ومراقبين دوليين أكدوا أن دول الاتحاد الأوروبي قد لا تتعامل مع حكومة يشكلها الإطار التنسيقي، ما سيجعلها معزولة، في حين قلل الإطار التنسيقي من خطورة هذا الطرح، وأشار إلى أنه لا حاجة لاعتراف كل الدول بالحكومة التي يشكلها.
جدير بالذكر، أن الإطار التنسيقي، جدد أمس الأول، تمسكه بمرشحه لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، بعد أن أعلن مضيه بتشكيل الحكومة، بعد موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة.
وكان مسؤول بارز في الهيئة السياسية للتيار الصدري، أكد يوم أمس لـ”العالم الجديد”، أن إصرار الإطار التنسيقي على المضي بتشكيل الحكومة الجديدة على الرغم من اعتراض التيار الصدري سوف يدفع الصدريين إلى الاحتجاج من جديد، وقد يكون هناك قرار باقتحام المنطقة الخضراء مرة أخرى.
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، زارا الأحد الماضي، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في أربيل، ووفقا للبيان الذي صدر عقب اللقاء، فإنه تم التأكيد على أهمية إجراء انتخابات مبكرة بعد تهيئة المتطلبات القانونية ومستلزماتها وفق الآليات الدستورية، يسبقها تشكيل حكومة تتمتع بكامل الصلاحية وتحظى بثقة واطمئنان الجميع ببرنامج حكومي متفق عليه، مع التأكيد على ضرورة استمرار مجلس النواب بعمله لحين موعد الانتخابات.
من جهته، يفيد المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هذا الأسلوب يتوقف على نوايا الأطراف السياسية المتواجدة في المشهد ورغبتها في تحقيق الإصلاح من عدمه”، مشيرا إلى أن “من الممكن أن يأتوا بأي شخصية ويرشحوها لمنصب وزاري بشرط تحقيق بعض الأمور لهم، وهنا سيفقد المرشح استقلاليته ويكون أداة كما حصل في تجارب سابقة”.
ويضيف البيدر أن “هذه الحكومة ستضع قوى الإطار على المحك، فإذا فشلت سينتهي مستقبل تلك القوى، أما إذا نجحت فإنها ستفوز فوزا ساحقا في الانتخابات المقبلة”، مبينا أن “التنازل عن ترشيح السوداني يضعف موقف الإطار وثقة الأطراف الأخرى به، وهنا يكون موقف الصدر هو المتسيد في هذه النقطة”.
يذكر أن الإطار التنسيقي، دعا خلال الأشهر الماضية، المستقلين لتشكيل الحكومة، وهذه الدعوة تكررت أكثر من مرة.
ولغاية الآن لم تتشكل كتلة خاصة تجمع كل المستقلين في البرلمان، بل انضم جزء منهم للقوى الكبيرة، سواء الإطار أو الكتلة الصدرية قبل انسحابها، أو تحالف السيادة.
وشهدت المنطقة الخضراء غربي بغداد، في 29 آب أغسطس الماضي، اشتباكات مسلحة كان أنصار التيار الصدري أحد أطرافها، بعد تصعيد احتجاجهم داخل المنطقة واقتحامهم قصر رئيس الجمهورية والقصر الحكومي، ومقتل عدد منهم بنيران اختلفت الروايات بشأن مصدرها، ما دفع مئات المسلحين من عناصر التيار إلى اقتحام المنطقة والاشتباك مع القوات الموجودة بداخلها حتى صباح اليوم التالي، حيث أوعز زعيم التيار مقتدى الصدر إلى أتباعه بالانسحاب في غضون 60 دقيقة، وهو ما قاد إلى إنهاء الاشتباكات وعودة الهدوء إلى العاصمة.