هل يفتح العراق سماءه لعدوان إسرائيلي؟

فيما تجري مفاوضات الهدنة بين لبنان وإسرائيل بوتيرة متصاعدة، رجح مراقبون عراقيون، تعرض العراق لاستهداف عسكري إسرائيلي، بعد الشكوى التي تقدمت بها حكومة بنيامين نتنياهو، ضد العراق، بوصفها ذريعة لهذا الاستهداف.

وفيما كشف مصدر عن مطالب أمريكية للحكومة العراقية بضرورة منع الفصائل المسلحة من استخدام أراضيها بضرب أهداف إسرائيلية، وأنها استنفدت كل وسائل الضغط على إسرائيل لمنع الأخيرة من الرد، أكد المراقبون امتلاك إسرائيل لبنك أهداف عراقية واسعة، وأجمعوا على عدم امتلاك بغداد لأي دفاعات جوية تمكنها من الرد.

ويقول المحلل السياسي، مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “شكوى الكيان الصهيوني ضد العراق في مجلس الأمن الدولي، تؤكد بأن هذا الكيان ينوي وبشكل حقيقي تنفيذ عدوان على الأراضي العراقية، ولذا فإنه ذكر في شكواه بأنه يحتفظ بحق الرد على عمليات الفصائل العراقية”.

ويرجح التميمي، “حتمية العمل العسكري الإسرائيلي على أهداف عراقية بعد هذه الشكوى، فالكيان الصهيوني يهدد ويلمح منذ فترة طويلة بالرد على عمليات الفصائل المسلحة العراقية”، مستدركا “لكن تلك الأهداف مجهولة، فهل هي منشآت رسمية وحكومية أم تقتصر على مقار الفصائل واستهداف قياداتها”. 

وحول قدرة العراق من الناحية العسكرية، يذهب إلى أنه “غير قادر بالتأكيد على الدخول بأي مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني، فهو لا يستطيع منع أي عدوان صهيوني مرتقب، بسبب عدم امتلاك الدفاعات الجوية العراقية لردع أي هجوم صاروخي أو من خلال الطيران الحربي أو حتى المسير المتطور”.

يشار إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، رفع مساء أمس الأول الاثنين، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي طالب فيها باتخاذ إجراءات فورية بشأن نشاط الفصائل العراقية، التي تستخدم أراضيها لمهاجمة إسرائيل، وحمل فيها الحكومة العراقية مسؤولة كل ما يحدث على أراضيها وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، لحماية نفسها ومواطنيها.

وخلال الفترة الماضية، استهدفت فصائل “المقاومة العراقية” أهدافا إسرائيلية أبرزها ميناء إيلات والجولان، بالعديد من الصواريخ والطائرات المسيرة، وتبنت هذه العمليات بشكل علني، مهددة برفع مستوى عملياتها في حال استهدفتها إسرائيل، وشمول المصالح الأمريكية أيضا بالرد.

وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية، الإثنين الماضي، إن إسرائيل رصدت 65 هجوما عليها بمسيرات قادمة من العراق منذ بداية تشرين الثاني نوفمبر الحالي، وأنها تستعد للتعامل مع التهديد الناشئ بعد الارتفاع الحاد في عدد الهجمات من ست هجمات بطائرات مسيرة في آب أغسطس الماضي، إلى 31 هجوما في أيلول سبتمبر الماضي، ثم 90 هجوما في تشرين الأول أكتوبر الماضي.

ولوّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنامين نتنياهو، بخارطة العراق في كلمته الأخيرة بمجلس الأمن الدولي، واضعا إيها ضمن الدول التي يجب استهدافها إلى جانب إيران ولبنان.

في الأثناء، كشف مصدر مسؤول في حديث لـ”العالم الجديد”، عن “مطالب أمريكية للحكومة العراقية بضرورة منع الفصائل المسلحة من استخدام أراضيها لضرب أهداف إسرائيلية، تجنبا لأي فعل عسكري إسرائيلي”.

ويشير المصدر، إلى أن “واشنطن أبلغت بغداد، بجدية التهديد الإسرائيلي، بسبب استخدام الأراضي العراقية من قبل الفصائل، وأنها استنفدت كل وسائل الضغط على إسرائيل لمنع ضرب العراق”.

وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية، قد كشفت عن تصعيد قادم نحو العراق، قد يبدأ بضرب البنية التحتية والمنشآت، ثم الانتقال إلى عمليات اغتيال مركزة تطال شخصيات في الفصائل المسلحة، مشيرة إلى أن إيران قد تزيد من استخدام وكلائها في العراق ردا على عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة.

وأشارت معاريف إلى مخاوف من أن إيران قد قامت بالفعل بتهريب صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى العراق كرد على الضربات الإسرائيلية في إيران، وذلك بعد أنباء مسربة في وسائل إعلام عالمية حول قيام إيران بالرد من الأراضي العراقية.

وكان وزير الخارجية، فؤاد حسين، قد أكد بأن العراق يواصل تحركاته السياسية والدبلوماسية لمنع استغلال ارضه وأجوائه في التصعيد بين إسرائيل وإيران.

وأوضح في لقاء متلفز تابعته “العالم الجديد”، أن المصلحة العليا للعراق تستوجب من جميع الأطراف في الداخل إبعاده عن أجواء التصعيد، وهناك وعود تلقاها السوداني من قادة الفصائل العراقية بعدم التصعيد، نافيا “وجود أي تحركات بخصوص ضربة إيرانية لإسرائيل من داخل العراق”، كما تحدث حسين، عن ضغط كبير تمارسه واشنطن لمنع إسرائيل من ضرب العراق، لكن هذا الدعم الأمريكي لن يستمر اذا لم تكن هناك حالة هدوء في الداخل العراقي.

وكان العراق تقدم في تشرين الأول أكتوبر الماضي، بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل بسبب انتهاكها المجال الجوي العراقي لضرب مواقع داخل إيران، بعد أن اتهمت الأخيرة تل أبيب باستهدافها من الأجواء العراقية.

من جهته، يقول الخبير العسكري صفاء الأعسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إسرائيل تريد من خلال الشكوى ضد العراق أمام مجلس الأمن الدولي، توسيع الحرب في منطقة الشرق الأوسط، فهي تريد وضع الجغرافية العراقية ضمن دائرة عملياتها العسكرية، خاصة وأنها تملك بنك معلومات مهم عن العراق”. 

ويرى الأعسم، أن “المعلومات التي تمتلكها إسرائيل بشأن العراق مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسيطر على الأجواء العراقية، وكذلك متدخلة في الكثير من الملفات العراقية الأمنية والعسكرية، وحتى السياسية وغيرها، ولهذا واشنطن سوف تسهل أي عملية لإسرائيل لتنفيذ أي ضربة مرتقبة”.

ويؤكد أنه “من الناحية العسكرية العراق لا يملك أي منظومات دفاع جوي حقيقية يمكن من خلالها أن تتصدى لأي عدوان إسرائيلي مرتقب، ولذا فالعراق مطالب بالضغط على التحالف الدولي، بقيادة واشنطن بالالتزام بتأمين الأجواء العراقية ومنع أي اختراق لها”. 

وعلى إثر الشكوى الإسرائيلية ضد العراق، عقد المجلس الوزاري للأمن الوطني، اجتماعا طارئا برئاسة رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، وفيه جرى الإعلان عن رفض العراق بشكل قاطع  للشكوى، مؤكدا أن هذه الاتهامات لا تعدو كونها ذرائع تهدف إلى تبرير عدوان مخطط له ضد العراق من قبل تلك السلطات.

وقد وجه السوداني، بجملة من الإجراءات الأمنية، أبرزها ضرورة قيام القوات المسلحة والأجهزة الأمنية كافة بمنع وملاحقة أي نشاط عسكري خارج إطار سيطرة الدولة، وقيام وزارة الداخلية بتفعيل التوجيهات الصادرة عن الاجتماعات السابقة، وإعداد خطط للطوارئ تتناسب مع حجم التهديد، وتأمين الاحتياطات الكاملة للمتطلبات الأمنية، وتعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة، والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال، فضلا عن تحميل القيادات الميدانية المسؤولية عن أي خرق أمني ضمن قاطع المسؤولية يمكن أن يعرض أمن البلد للخطر.

كما أصدر المجلس توجيها لوزارة الخارجية بمتابعة الملف في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، ودعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحد ضد التهديدات الإسرائيلية، وإجراء الحوارات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة ضمن إطار القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي، لاتخاذ خطوات فعالة ورادعة لإسرائيل، كما دعا المجلس التحالف الدولي إلى كبح تلك التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب.

إلى ذلك، يبين عضو الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التهديدات الإسرائيلية لن توقف عمليات الفصائل العراقية، التي تؤكد على وحدة الساحات في مواجهة الكيان الصهيوني، وهذه الفصائل مواقفها معلنة وثابتة فهي تعمل وفق تكليفها الشرعي والوطني، وليس للحكومة العراقية أي دخل بذلك، وهذا واضح ومعلن للجميع”.

ويلفت الفتلاوي، إلى أن “الكيان الصهيوني يريد توسعة رقعة الحرب في المنطقة، وهذا الأمر سعى إليه منذ بداية حرب لبنان، فهو يريد خلق مبررات وحجج لاستهداف العراق بعد عملياته العدوانية شبه اليومية في سوريا، لكن العراق بالتأكيد ستكون له مواقف مختلفة لردع أي عدوان صهيوني”.

ويشير إلى أن “أي عدوان إسرائيلي على العراق، سوف يدفع الفصائل العراقية إلى تصعيد عملياتها من حيث النوعية والكمية، وهذا الأمر يعلمه الكيان جيدا، وكذلك الولايات المتحدة، والفصائل ستكون جاهزة ومستعدة لأي طارئ يحصل”. 

يذكر أن السوداني، أكد في 24 تشرين الأول أكتوبر الماضي، على أن قرار الحرب والسلم بيد السلطات الرسمية في البلاد، وحذر جهات وأطرافا من الخروج عن السياقات الدستورية، وأكد أن هذا القرار “تقرره الدولة بمؤسساتها الدستورية، وكل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها”.

وكانت مصادر، أكدت في وقت سابق لـ”العالم الجديد”، أن الحكومة العراقية “تتحرك وبسرعة عالية بهدف تفادي تداعيات الحرب وإبعاد البلاد عن تبعاتها الخطيرة”، لافتة إلى أن هذه الجهود تتضمن الحديث مع حلفاء العراق الغربيين المؤثرين في الأحداث، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بهدف إقناعهم بموقف العراق البعيد عن الحرب، وتاليا قيامهم بالضغط على إسرائيل في حال فكرت باستهداف العراق.

إقرأ أيضا